همسات البحر

26 3 6
                                    

صرخات مكتومة تتردد في أنحاء المنزل، وكلمات
قاسية تقطع الصمت، تتبعها دموع تنحدر على
وجنتيها كأنها قطرات مطر خائفة. دفعت باب
المنزل بقوة، هاربة من تلك الأصوات المؤلمة، ومن
نظرات والدها الغاضبة التي تخترق روحها كل
ليلة.
ركضت نحو البحر، حيث كانت تجد في صدى
الأمواج عزاءً غامضًا لا يفهمه أحد. جلست على
الرمال الباردة، ووجهت نظرتها نحو الأفق المظلم،
حيث يمتد البحر بلا نهاية كأنه يبتلع كل أحزانها.
"لماذا أنا؟" همست بصوت مرتجف. كان الألم
يعتصر قلبها، والخوف يتشبث بروحها، لكنها
شعرت بأن البحر هو الوحيد الذي يستمع.
ثم من بين أمواج الليل الهادئة، لمحت شيئا
يتحرك. عينان غريبتان تلمعان من بعيد، تقتربان
منها ببطء. رفعت رأسها، وامتلأت عيناها بالدهشة
والخوف. لم يكن خيالا، بل كائنا من عمق البحر
نفسه، يقترب منها كأنما يشعر بحزنها.
"من أنت؟ " همست بصوت ضعيف.
"أنا
اقترب أكثر، ولمعت عيناه بشيء من الغموض:
من يأتي حين لا يأتي أحد. أنا من يستمع حين لا
أحد يسمع.
تلك اللحظة، شعرت أن هناك رابطا خفيًا
يجمعهما، رابطا كأنه مكتوب في الأمواج وتغني به
الرياح. وبينما كانت تذرف دموعها، أدركت، ولو
للحظات، أنها لم تعد وحدها
عادت أدراجها إلى المنزل بعد أن هدأ بكاؤها، تسير
بخطوات بطيئة في الشوارع المظلمة. وبينما كانت
تقترب من الباب شعرت بوجود غريب خلفها
وكأن أنفاساً هادئة تتبعها. التفتت بسرعة، ولكنها
لم تجد أحدًا.
تابعت طريقها متوجسة، حتى دخلت غرفتها
وأغلقت الباب. جلست على سريرها، ومدت يدها
لتلتقط صورة قديمة لها ولأمها. نظرت إلى وجه
والدتها في الصورة، وهمست بصوت مكسور: "لقد
اشتقت إليك... كثيرًا."
دمعت عيناها مجددًا، وهي تحتضن الصورة،
وكأنها تحاول أن تجد دفئًا في ذكريات من رحلت
منذ زمن. ولكن تلك الليلة كانت مختلفة، كأن شيئًا
جديدًا ينتظرها في الأفق، شيء يختبئ في ظلال
الليل... وقد بدأت تشعر به دون أن تدرك ماهيته.

ليالي القمر Where stories live. Discover now