وقف عمر ينظر إلى كفلجيم بحزن ممزوج بغضب مكبوت، محاولاً أن يجد الكلمات التي تعبّر عما يخالج صدره
قال بصوت هادئ، لكنه ينزف أسىً
"ماذا سنفعل حيال كبريائك؟ أنا وضعت كل شيء خلفي... تنازلت حتى عن بعض مبادئي، كي نحافظ على ما بيننا، كي تستمر علاقتنا. لكن أنتِ..."
قاطعته كفلجيم، وقد لامست كلماتُه جرحها القديم، ونظرت إليه بعينين غارقتين في الحزن والعتاب
"كبريائي؟! تظن أن الأمر بهذه البساطة، أنني فقط متمسكة بكبرياء فارغ؟ هذا الكبرياء كان درعي الوحيد .. انت تعرف جيدا ما مررت به "
نظر عمر إلى كفلجيم نظرة تفيض بالعتاب والألم المكتوم، كأن كلماته تكشف جزءاً من نفسه لم يفصح عنه من قبل. قال بنبرة هادئة لكنها مليئة بالمرارة
"فعلياً، أنا أعرف تماماً كل ما مررتِ به، لذلك كنت دائماً أحاول أن أكون المراعي في هذه العلاقة، أتجنب أن أثقل عليك بأي شيء... لكنكِ لم تدركي يوماً معاناتي أنا مع نفسي."
نظرت كفلجيم إليه بعينين متسائلتين، كأنها تسمع منه لأول مرة شيئاً لم تتوقعه، وقالت بصوت ينم عن الحيرة والتردد
"كنت أظن أنك قوي... قوي لدرجة أنك لا تحتاج لشيء، لا تتأثر، لا تتعب. لم أشعر يوماً أنك تمر بمعاناة داخلية، أنك تحمل شيئاً ثقيلًا مثلي."
نظر عمر إلى كفلجيم بنظرة تمزج بين الألم والتوسل، وكأن كل جرح دفين فيه بات الآن عارياً أمامها
قال بصوت مرتجف
"ها أنا أفصحت... ها أنا أفصحت عن جراحي. ماذا سنفعل حيال ذلك؟ هل تدركين؟ أنتِ كنتِ العوض لي، كنتِ كأنكِ مرهم لجراحي العميقة. منذ أن دخلتِ حياتي، لم يعد يهمني شيء سوى قربك... حتى لو كان ذلك يعني أن أؤذي نفسي، أن أكسر ذاتي. رؤيتك كانت مرهماً يهدئ أوجاعي."
توقّف، عاجزاً عن إكمال كلماته، وكأنها حملٌ أثقل قلبه لسنوات، ثم جثا على ركبتيه، في لحظة استسلام موجعة، كاشفاً ضعفه الذي لم يظهره لأحد من قبل.
استمر عمر بصوت متعب، ودموعه تسقط بلا حرج
"كل ما أردته هو أن أكون كافياً لك، أن أمنحك الأمان الذي كنتِ تبحثين عنه. لكنّني كنت أغرق كل يوم، وأنتِ لم تري ذلك. كنتِ طوق النجاة لي، لكنني كنت أبدو لكِ جبلاً لا يهتز."
جثت كفلجيم معه على الارض بقربه و اردفت وقد أجهشت بالبكاء، وهي تشعر بالأسى على جرحه الخفي
"آسفة يا عمر... كنت مشغولة بخوفي وضعفي، ولم أفكر لحظة في أنك تحمل شيئاً بهذه القسوة. ظننتُ أنك ملجئي الوحيد، لكني لم أفكر أبداً أنني ربما كنتُ حملاً عليك."
رفع عمر وجهه نحو كفلجيم، وبحركة رقيقة، وضع إصبعه على شفتيها ليوقفها عن الحديث، وعيناه تفيض بحنان مختلط بعتاب صامت. قال بصوت دافئ لكنه حازم