بصفتي أخوه الأكبر!

400 17 14
                                    

أولاً بعتذر كثييير منكم علىٰ التأخير🥲..

ثانيًا قرائة مُمتعة💙✨.

"Part twelve"

غادر صالح لمنزل الكوشوفالي تاركًا أخاهُ، بعد أن أشعل الذكريات السيئة ونيران الماضي في قلب جومالي المُحطم..
عُدتَ أخيرًا ياهذا، والآن أخبرني لأرىٰ كيف حالهُ؟..
أردف بِها كهرمان اللذي كان جالسًا في الصالة مُنتظرًا مجيء صالح ورغم أنّهُ ظنّ أن يعود جومالي للبيت بعد إصرار وعنادٍ من صالح كالمُعتاد، ولكِن قد خابَ ظنُّهُ.
انهى صالح خلع حذائهِ ودخل ليرىٰ اخاهُ جالسًا ينتظرهُ ليقل بعد أن تنهد بخفة: سورما آبي سورما..
لا تسأل يا أخي..
وأكمل بغيضٍ رامقًا كهرمان بطرف عينه:
ثُمّ أنت لِمَ أخبرتهُ بما حصَل اليوم أثناء ذهابنا للجامعة!
هل أنت واشٍ آبي !!؟
للمعلومة واشٍ هوَ اسم فاعل من الفعل وشىٰ أيّ بمعنىٰ تكلم عن شخصٍ في غيابهِ...
ضحِك كهرمان بخفة ليُشير لصالح اللذي عبَس بوجههِ بالجلوس بجانبه: تعال لأرىٰ تعال، أخبرني كيف وبّخك؟ هل عاقبك؟
صالح يعبس بغيض مُتقدمًا من كهرمان ليجلس بجانبهِ ويقل بزعل وهو يُظهر كفيّ يديهِ:
انظر ماذا حصَل ليديّ بسبب وِشايتك عني آبي !..
نقل كهرمان نظرهُ نحو كفيّ يديّ صالح الواضح فيهما خطوط حمراء خفيفة إثَر المسطرة ليتنهد بضيق ويتمتم: لا أُفرط بك ياهذا، تعال...
واقترب من أخاهُ ساحبًا يديهِ يُقبلهما بحنان ويمسد عليهما فيما صالح يراقبهُ بطرف عينه بزعل، "حسنًا لا أقولها عادةً، ولكِن تستحق هذا.." ليتذمر صالح: آبييي ياا حتى أنت أيضًا !! ابتعد عني لقد خاصمتك..
قالها وسحب يداهُ من يد أخيه ناويًا النهوض فابتسم كهرمان ابتسامة جانبية وبخُبث سحَب الأصغر بسرعة كبيرة ليحتضنهُ من الخلف مُحكمًا يداهُ على جسدهِ تحت رفض الأصغر ومحاولة إبعاد أخيهِ عنه ليقل كهرمان ضاحكًا: لا تجرؤ علىٰ مُخاصمة أخاك ايها الثعلب..
هيا حان الوقت ليضحك هذا الوجه العابس !.. قالها وهجم بيديهِ يدغدغ بها صالح والآخر يكتم ضحكتهُ بصعوبة محاولا النهوض، ولكنهُ لم يستطِع الفِرار من يديّ كهرمان لتنفجر ضحكاته أرجاء البيت وهو يحاول تخليص نفسهِ قائلاً بضحك:
آبيييي... آبيي توقف يااا... توقفف لم اعد...
لم اعد طفلاً لتدغدغني هكذا...
- والله بالنسبة لي لازِلت ذلك الطفل الثعلب ذو العين المكحلة، العنيد اللذي يوَد الحصول علىٰ مايُريد،
لم تتغيّر أو تكبر أبدًا..
- آبي.. هل لي بسؤال ؟
قالها بعد أن هدأت ضحكاتهُ واستقرّ بحُضن اخيه اللذي أجاب: اسأل صالح ولكن بسرعة كي تذهب للنوم، انظر ياماش دخل غرفتهُ منذ نصف ساعة واظنهُ قد نام الآن، لذا يجب ان تنام انت ايضًا كي لا تتشاجرا كما فعلتما صباح اليوم." ليرد صالح بملل: تمام تمام آبي كنت اريد ان اسألك وانت كالعادة لا تمل من توجيهاتك.."
ابتسم كهرمان ليقبل خد صالح واردف:
اسأل يامصيبة رأسي" عادت ابتسامة الاصغر الخبيثة حين اخرج هاتفهُ فاتحًا إيا ليدخل للصور حيث اظهر صورة الفتاة اللتي التقطها دون علم جومالي به، ليضع الهاتف بيد كهرمان متسائلاً بإبتسامة: آبي من هذهِ أتعرفها؟" ركّز كهرمان بتلك الصورة بدّقة قبل ان تتسع عيناه بدهشة ليعرف الفتاة تلك ويتذكر حين كان يخرج جومالي بسرية في الليل ليلتقي بها..
اردف بهدوء سائلاً صالح: من أين لك ياولد؟"
"لا يُهم من أين لي، فقط اخبرني أتعرفها آبي؟
أهيَ من كسرت قلب أخي جومالي حقًا؟؟ ياللعار عليها كل هذا الجمال وتخذل أخي!" رفع كهرمان حاجبيه بتعجب وقد بدى بعض الغضب عليه: من أين اختلقت هذهِ القصة ياهذا!؟ ومن قال لك أنها تركته، بالاصل هي كانت تحبهُ كثيرًا وهو يعشقها، ولكن منذ اربع سنوات أصبحا لا يلتقيان مع بعضهما ورُبَما قد سافرت لمكانٍ بعيد أو لا أعلم.." قالها بهدوء ليضغط على الهاتف حاذفًا الصورة تحت محاولة صالح لأخذ الهاتف: ياا آبي لما حذفتها!!" "ماعملك بها ياهذا؟ لا تتدخل بهذه الأُمور واجلس بمكانك ماذا هل ستتحرىٰ عن الفتاة أيضًا!؟.."
ليرد صالح بغيض: أجل سأعلم لِما تركت أخي جومالي وسافرت! سأجدها وأجعلها تعتذر منه، لا يجب كسر قلب أخي هكذا صحيح؟.." قال الاخيرة لامعةً عيناه لينظر اليه كهرمان كاتمًا ضحكتهُ علىٰ تصرفاته ليقل: وما ادراك ياجامع العاشقين بأنّها كسرت قلبه؟ هل قلب جومالي آبي يُكسر بتلك السهولة ومن قِبل فتاة أيضًا؟" انزل صالح رأسهُ ليقل ناظرًا للارض بحزن: لقد رأيت الدموع في عينيه، كانتا حمراوتان حين رأى صورتها بيدي.." شرد كهرمان قليلاً فيما قاله صالح ليتنهد بحزن عميق ثم اردف مغيرا الموضوع: لاتهتم يافتى انظر جومالي يحزن ربما يوم يومين ولكنه يعود قويا كما انت مُعتاد أن تراه، أنت فقط لا تُذكره بهذهِ الفتاة وهو لن يحزن تمام؟.." رفع صالح نظرهُ واومئ بطاعة ليحتضنهُ كهرمان مقبلاً رأسهُ بحنان، وانقضت تِلك الليلة بنوم صالح بوقتٍ شُبه مُبكر كي يستطيع الإستيقاظ للجامعة صباحًا، وكهرمان ايضًا ذهب لأحلامهِ، أمّا بالنسبة لجومالي فـ بعد ساعاتٍ طويلة من الذكريات اللتي داهمتهُ حول محبوبتهِ السابقة استطاع علىٰ الأقل الحضاء بالنوم ولو لساعتين فقط.
أمّا عن اللذي بقيَ يعيش في عالمهِ يسترجع احداث طفولتهِ اللتي يكرهها..
الأشقر ذاك لازال مُستيقظًا تجول في ذهنهِ العديد من الأشياء والذكريات سَوَاء من طفولتهِ حتىٰ مُراهقتهِ..
ومَضَت في بالهِ ذكرىٰ حين كان في الثانية عشر من عمرهِ، سجّلتهُ هازال بثانوية يستمر التعليم فيها مدة 3 سنوات، في إيطاليا يُركز التعليم علىٰ المواد الأساسية ويبدأ في تقديم مواد إضافية مثل اللغات الأجنبية كاللغة الإسبانية والإنجليزية (البريطانية) بشكلٍ أساسي.
بينما يمكن أن تُدرس اللغات الأخرى مثل الإسبانية أو الفرنسية أو الألمانية كلغات أجنبية ثانية.
أما بالنسبة لِـ اللغة التركية، فهيَ ليست شائعة كخيار دراسي في المدارس الإيطالية، لكن بعض المدارس قد تُقدمها كخيار إضافي أو في برامج خاصة. يعتمد ذلك على المدرسة والمنطقة اللتي يسكن بِها الأشقر.
كانت الثانوية مُتصلة بالتعليم الثانوي العالي واللذي يستمر لمدة 5 سنوات، وهذا يُمّكن الإخوة الكِبار من أخذ اخوتهم الصغار من صفهم أثناء عودتهم من المدرسة..
تردّدت في بالهِ تلك الكلمات مُجددًا واللتي أثارت جرحًا في نفسهِ لم يُشفى بعد بسبب التنمر عليهِ من بعض الطُلاب في الثانوية العُليا أيّ من المرحلة اللتي تفوقهُ عُمرًا..
أنت مجددًا ياذو الشعر الأصفر..
هل ستبقى هنا تنتظر حارسك كل يوم ليأتي ويُعيدك!؟..
تُرىٰ أين والدتك لِمَ لا تأتي هيَ بنفسها ؟..
بالطبع فـ هي عارضة ازياء مشهورة في شركة ريفلاند *إحدى شركات إدريس* ولن يتسنىٰ لها الوقت لإصطحابك يا للأسف!
قالها ذو صوتٍ هاكمٍ مُستهزء ليقهقه ومعه عدد من الطُلاب الكِبار بينما الطفل الأشقر يقِف مُتسمرًا بِلا تعابير للأهمية أمام باب المدرسة ينتظر مجيء الحارس ليأخذهُ ويُريحهُ من سخرية الأولاد بهِ..
أيُعقل أن يضع المرء البالِغ عقلهُ وتفكيرهُ الكبير بتفكير فتىً مراهق لازال لم يبلغ الثامنة عشر من عمرهِ ؟..
لايُعقل ولكِن لاشيء مُستحيل بهذا العالم فالدولة اللتي كان يعيش بها ياماش *إيطاليا* يوجد بها العديد من أشكال البشَر اللذين هُم بلا شفقة وانسانية..
وها هوَ ياماش بعد أن سحبوه مجموعة من الأولاد الكِبار في الثانوية لمكانٍ بعيد عن الأنظار خلف المدرسة تحديدًا.
بدأوا ببعضٍ من كلماتهم المسمومة والمُهينة..
تُرىٰ لِمَ لا يهتم بكَ أباك ولا يراك دائمًا..
رغم أنّ أباك غني جدًا إلّا أنّه لا يهتم بإبنهِ الوحيد، لِماذا؟
أجل بالطبع لأنك لعنة يافتى!
رُبَما أتيت عن طريق الخطأ حتىٰ..
لا أعلم كيف قبلوا بفتىً مُنطَوي مثلك في مدرستنا..
وكالعادة بدأوا بضربهِ لأنهُ لايُلقي لهُم أيّ أهمية وكأنّ ذلك بظنهم كان يضُر بسمعتهم فـ لم يرُق لهُم هدوئهُ بل أرادوا صراخهُ وإشعارهُ بالألم..
يستمتعون بإبراحهِ ضربًا، بسماعِ تأوهاتهُ وآلامهِ..
يستفردون بهِ فـ هُم يعلمون أنّ أباهُ رجل أعمال لديه شركات مرموقة مشغولٌ بِها ولا وقت لديه ليرىٰ إبنهُ بـ أي ورطةٍ هوَ الآن.. ويعلمون أيضًا تمامَ العِلم بأنّ والدتهُ تصِل بوقتٍ مُتأخر من الليل بسبب العمل الكثيف في شركة إدريس لذلك يستغلون الفرصة بإشباع ساديتهم وعنفهم بإبنها ياماش..
أحيانًا لايضربون وجههُ، فقط يكتفون بكلتا ذراعيه وجسمهُ اللذي يُصبح مليء بالكدمات خصوصًا بطنهُ وحتىٰ ولو أشبعوه ضربًا وأهانوه فـ هوَ لايكترث لهُم ولا يُخبر أحدًا بحسب ظنهِ أنّ أبيه لن يتكفل بهم ولا حتىٰ والدتهُ.
بعد ربع ساعةٍ ها هوَ ينهض من الأرض ينفُض التراب من علىٰ ملابسهِ المدرسية بتعابير باردة، يُخرج منديلاً ليمسح جُرح شفتيه مغتاضًا من إنتفاخ عينهِ اليسرى ثم يذهب للمغاسل يغسل وجههُ بشكلٍ سريع ويُعدل مظهرهُ، يُمعن النظر في الورم اللذي أصبح أسفل عيناه بلونٍ أحمر غامق ثم ينقل نظرهُ لشعرهِ اللذي لطالما كرِههُ ليتنهد بثُقل ثم يتراجع مُمسكًا حقيبة ضهرهِ ويعود أمام بوّابة المدرسة وبالفعل كما توقع وجَدَ السائِق الخاص بهِ قد جاء وهو ينتظرهُ ليصعد ياماش عائدًا للمنزل.
Flash back:
ياماش اولوم! بُني أأنت بخير من فعل بك هذا !؟..
قالتها وهي تتفحص وجه إبنها بعد عودتها من العمل، حيث دخلت غرفة ياماش كالمُعتاد تخبرهُ بأنها عادت وتطمئن بأنهُ بخير ولكنها ما إن رأتْ وجههُ حين كان يدرس اسرعت اليه تتلمسهُ حين انتبهت لجرح شفتهِ اليُمنى والورم أسفل عينهِ اليُسرى، كان من الواضح أنّه تشاجر مع أحدهم أو رُبَما أحدهم تشاجر معه..
- يوك بشي آني يااا، لا يوجد شيء يا أُمي انا بخير..
- ماذا يعني بخير؟؟ احدى عيناك متوّرمة وتقول لي بخير! من فعل هذا أخبِرني..
قالتها وهي تتلمس وجه إبنها ناظرةً داخل عينيهِ ليُخفض الآخر رأسهُ بخفة وضلّ صامتًا لتقل هازال بهدوء:
ياماش قلت أخبرني من فعل هذا؟ هيا يا بُني..
هل تشاجرت مع أحدهم في المدرسة!؟
قالتها وهي تمسك وجنتيه وترفع رأسهُ إليها لينظر الفتى لوالدتهِ القلِقة ليتنهد بتعب ثم ردّ بتردد:
نعم تشاجرت.. هذا كل مافي الأمر يا أُمي..
لن تُخبريه بذلك صحيح؟..
مسحت الأُم علىٰ شعر إبنها بحنان لتُردف بهدوء:
أنت لا تتشاجر دون سبب أنا أعرفك..
وايضًا نادرًا ما تختلط مع طلاب صفك لذا أخبِرني بالحقيقة من ضربك؟..
ثم أكملت وهي تحاوط كتفيهِ تسحبهُ للجلوس علىٰ السرير ليجلس الأصغر وكانت والدته تحتضنهُ بيد واليد الأخرىٰ تمسح بها علىٰ شعرهِ بينما تستند علىٰ الحائط خلفهما، لتنطق مجددًا قاطعةً الصمت بينهما:
أخبرني يا ياماش من فعل ذلك بك!؟
ياماش ينظر بعيدًا للاشيء أمامهُ ليقل بشرود بعد ثوانِ:
إن أخبرتكِ لن تخبريه أليس كذلك؟..
- أُخبر مَن؟
- لن تخبري أبي..
تتنهد هازال وهي تمرر يدها بين خصلات شعر إبنها الشقراء قائلة: بالطبع سأُخبره يابُني، هوَ والدك..
عليه أن يحميك ممّن يُحاولون العبث معك..
ابتسم ياماش إبتسامة ساخرة ليقل:
أحقًا تظُنين أنّهُ سيهتم بأمري!؟
لن يتفاجئ أو يحزن ولن يهتم حتىٰ ولَو أرسلوا لهُ جث..
أراد أن يُكمل قول كلمة "جُثتي" ولكنّ يد هازال اللتي وُضِعت علىٰ فمهِ قد منعته لتنهرهُ قائلة بغضب مكتوم: ماهذهِ الكلمات ياماش!!؟
لا أوَد سماع هكذا كلمات تصدُر منك مجددًا أفهِمت!؟..
اغمض ياماش عينيه بحزن ليرفع يدهُ ويزيح يد والدتهِ اللتي ابتعدت عنهُ واضعةً يدها علىٰ جبينها بتعب ليقل ياماش بعد ان امسك يدها وقبّلها:
تمام فهِمت لن أقول هكذا كلمات مجددًا وعد..
آنيه أنتِ بخير؟؟..
قالها وهو يُمسك يد والدتهِ ناظرًا لملامحها ومتمعنًا الإرهاق فيها وهي تغمض عينيها تمسد بيدها الأخرىٰ جبينها..
بخير بخير.. لا تقلق ياصغيري فقط مُتعبة من العمل..
فتحت عينيها ناظرةً له ثم اعتدلت بجلستها لتقل بهدوء مُتسائلة: والآن اخبرني ياماش من ضربك هكذا ؟..
تنهد ياماش فهوَ قد ظنّ أنّها نسيت الموضوع لينظر للأرض لدقائق ثم أردف بهدوء:
أربعة طلاب من الثانوية العُليا..
أرادوا الشِجار ولم أستطِع التصديّ لهُم فقد كانوا أكثر عددًا واقوى قوةً مني..
بالواقع لم تكُن هذهِ المرة الاولى اللتي يرغبون بالتشاجر بِها.
قال الأخيرة ببرود ليستوعب ما قاله ليضع يدهُ على فمه بتوتر بينما هازال شهقت بخفة لتنزل يدهُ ممسكةً بها واردفت بتساؤل وقلبها ينبض بقوة قلقًا:
ماذا تعني بـ لم تكُن المرة الأولىٰ!؟
ياماش أخبرني كل شيء.. من هؤلاء ولِمَ يعبثون معك؟؟
مسح الأشقر علىٰ وجههِ بتوتر ثم نظر للارض ليقل بتردد:
يعني.. يفعلون ذلك بشكلٍ متكرر كل اسبوع..
ثم صمت قليلاً متحاشيًا نظرات هازال القلِقة ليُكمل بهدوء: مجموعة طلاب سيئين يستقوون علىٰ من هم اصغر منهم..
- ولِما لم تخبرني او تخبر والدك!؟..
قالتها هازال بمزيجٍ من الغضب والقلق ليتنهد ياماش بخفة وأردف بهدوء دون ان يرفع بصره:
ظننتكِ مُتعبة من العمل ولم أُرِد أن أزيد همّكِ همّاً..
بالإضافة إلى أنني ألتقي بوالدي كل شهرين أو ثلاثة وأحيانا لا يأتي لمدة طويلة، أوَحقًا تظُنين أنّهُ سيهتم لأمري مثلًا؟..
عُقِد لسان هازال وبقيت صامتة لتقترب من ياماش المتصنم بلا تعابير وتحتضن جسدهُ ضاغطةً دون قصد علىٰ كدمات زرقاء كانت تُخفيها ملابسهُ ليتأوه الفتىٰ بخفة ممّا زاد من قلقها وهلعها لتعلم فيما بعد أنّهُ كان يتعرض للتنمر والضرب منذ أسابيع من طُلاب الثانوية العُليا واللذين يفوقونهُ سنًا..
لتحسم الأُم أمرها مقررةً الإتصال بإدريس لعل وعسى أن يأتي ويرىٰ حال إبنهِ اللذي لم يهتم بهِ منذ ولادته.
"حسنًا.. وماشأني أنا في كل ماتقولينه الآن، اختصري ماذا تريدين !؟"
"ماذا يعني ماشأني! أقول لك الموضوع يتعلق بياماش، ابنك أم أنّك نسيت أنّ لديك ابنًا ياهذا !!؟"
قالتها بغضبٍ مكتوم للذي أغلق الخط بعدم اهتمام وتابَع أعمال شركتهِ المرموقة تلك، حتى مرّ يومان من إصرار هازال علىٰ مجيئهِ ليقرر المجيء اخيرًا والعودة لإيطاليا تاركًا خلفهُ ابناءً آخرين وزوجةً عليلة ليهجرهم لفترة طويلة، مع علمهِ بحال إبنهِ الأكبر اللذي كان قد دخل السجن في وقتها وبسببه أيضًا..
وصل ادريس بعد ساعتين قضاها في الطائرة في جناحهِ الخاص برجال ومُديري الأعمال، اتجه من المطار مباشرةً لمنزلهِ الكبير ركن سيارتهُ في كراج حديقتهِ الواسعة او بالاحرىٰ هي حديقة هازال فقد كانت تعتني بِها منذ مدة طويلة.
ارتجل من السيارة واغلق الباب ثم دخل المنزل لتُلاقيه هازال عند الباب مُكتفةً يديها إلىٰ صدرها وخلفها علىٰ بُعد أمتار يقف ياماش أمام مدخل الصالة ممسكًا بيدهِ الحائط بملامح هادئة ليراه ادريس وينظر لهُ ببرود وتعابير جامدة.. "ماذا حدث لتتصلي عليّ وتطلبي مني المجيء من تركيا دون سابق إنذار هازال هانم!؟ تعلمين لدي الكثير من الأعمال ولست متفرغًا لمُحادثتك والجلوس بجانبك!" قالها بنبرة غاضبة قليلا ودخل متخطيًا ياماش اللذي هرع نحو غرفتهِ مغلقًا الباب خلفهُ فور تقدم ادريس..
وضع ادريس علىٰ الطاولة حقيبةً سوداء من الواضح انها تحوي بعض النقود، ثم خلع سترتهُ السوداء محركًا اكتافهُ ليجلس علىٰ الأريكة بينما ترمق هازال زوجها بنظراتها الغاضبة لتقل وهي تقف أمامهُ ويديها إلى صدرها: لا يجِب ان تكون فظًا هكذا وانت تعود بعد ٤ اشهر لترىٰ ابنك وزوجتك!
- واللهِ أعمال الأسلحة في تركيا كما تعلمين قد ازدادت خلال الآونة الأخيرة لذا أعتذر علىٰ تأخُري عليكِ ايتها الشقراء!" ابتلعت هازال ريقها بتوتر فور ذكر الأسلحة لتقل مُغيرةً الحديث: نيسه.. على كُل حال هذا ليس موضوعي.. اردت منك القدوم لتعلم بأن ابنك يتعرض للتنمر في مدرسته، عليك ايجاد حل لذلك، إمّا نقلهُ من هناك او ان تطلب من المدير فصل الطلاب اللذين يضربون ياماش.." ابتسم ادريس ابتسامة شر ليهمس قائلاً في نفسه: يالهُ من لعنة ياماش هذا.." ليرفع بصرهُ نحو هازال بجمود وعدم مُبالاة ثُم نهض متّجهًا بسرعة نحو غرفة ياماش وهازال تلحقهُ مناديةً عليه..
وصل لغرفة الأشقر وفتح الباب بعنف ضاربًا إياه بالحائط لينتفض قلب ياماش اللذي كان جالسًا علىٰ السرير، ليرفع بصرهُ نحو والدهِ اللذي يحفظ ملامحهُ رغم قلّة رؤيتهِ له.
نظر اليه ياماش بهدوء ولكن داخلهُ يرتجف رُبَما خوفًا أو مهابةً من ادريس ومن قوتهِ ونفوذهِ..
أوَيخاف الإبن ممّن يجب أن يكون مصدر أمنهِ وأمانهِ ؟..
رفع ادريس حاجبهُ ببعض الغضب من عدم مُبالاة ياماش بقدومه ليتقدم ببرود داخلاً للغرفة وبسرعة أغلق الباب خلفهُ بالمفتاح لتطرق هازال اللتي وصلت الباب وهي تُنادي: إدريس! ماذا ستفعل لهُ ياهذا!؟ انظر إن لمست شعرةً من إبني سأجعلك تندم وانت تعلم ما أقصد هل سمعتني!!؟" "لا تقلقي ايتها السُكرة الشقراء، لن افعل لهُ شيء. أوَلا يحِق لي رؤية ولَدي اللذي اشتقت لهُ بعد مدة طويلة مضَت؟.." قالها مبتسمًا وهو ينظر لياماش اللذي اشمئز منهُ ومن صوتهِ اللذي يكرههُ بشدة، لتتلاشى ابتسامة ادريس ليأمر ياماش ببرود بالنهوض..
نهض الاشقر واقفًا أمام والدهِ ناظرًا إليه بهدوء يتمعن ملامحهُ وهيبتهُ ليُخفض بصرهُ بتوتر فور سؤال ادريس له.. "من ضربك ياماش؟.." ليرد ياماش بخفوت: تشاجر مجموعة أولاد معي... يا أبي.
قالها وأمسك يده اليُسرىٰ باليد اليُمنى ليضغط عليها بتوتر واضح فهوَ قد أُجبِر من قبل علىٰ مُناداة ادريس بـ أبي رُغم انّهُ لم يرىٰ سِوىٰ القسوة وعدم المُبالاة والتجاهُل منه.. "مجموعة أولاد إذن.." قالها ليومئ ياماش برأسهِ بهدوء ليقل ادريس ببرود بعد ان شد علىٰ قبضة يدهِ بقوة: وأنت لم تُدافع عن نفسك كالعادة؟.." ارتبك ياماش وتلعثم في كلماته حين اراد ان يبرر موقفه: ك كانوا.. كانوا اكثر عددًا ولم استط..." لم يُكمل بل قاطعتهُ صفعةٌ من ادريس جعلتهُ يسقط علىٰ السرير ليُمسك خدهُ مُغمضًا عيناه بتألم ليقترب ادريس وامسك شعرهُ ليشدهُ للاعلىٰ قائلاً بلهجة حادة: لازلت ضعيفًا كما وُلِدت ياماش!
لازلت ضعيفًا وستبقىٰ هكذا.. لن تُصبح ابني ولن تحمل اسمي مادُمتَ تتحلىٰ بهذا الضُعف.." ليقل ياماش وهو يرفع يدهُ مُمسكًا يد ادريس بألم: لم.. لم استطيع التصديّ لهم صدقني.. ك.. كانوا اقوى مني واكثر عددًا...
ليصرخ ادريس بوجههِ: أنزِل يدك ياهذا !!
لينزل الأشقر يدهُ عن يد والدهِ لتأتيهُ صفعةٌ أُخرى علىٰ خدهِ الأيسر ليسقط مرتميًا في السرير علىٰ جانبهِ الأيمن ليتراجع ادريس عنه تحت صُراخ هازال في الخارج وهي تنادي علىٰ زوجها حتىٰ كادت تتصل علىٰ الشرطة وهي تهدده، لينهرها ادريس حين اردف من خلف الباب بخُبث: لا تحاولي الإتصال، أنا اعرفك هازال أنتِ امرأةٌ عاقلة ولن ترمي بنفسكِ للتهلُكة، إن اتصلتي وأبلغتي فستُسجنين أنتِ لا أنا وبذات الوقت لن يخبرهم ياماش بأي شيء أليس كذلك بُني العزيز؟" قالها ناظرًا لياماش اللذي يُمسك خده وقد لمعت عيناه بألم ليُكمل ادريس: وبالطبع انتِ لن ترغبي بترك ابنكِ ليعيش ويعمل معي صحيح؟.." عضّت هازال على شفتيها وبيدان مرتجفتين تُمسكان بالهاتف لتتراجع للخلف ورمت بالهاتف بعيدًا بعد ان سقطت دمعة من احدى عينيها لتتقدم مجددًا من الباب واردفت بإستسلام وعيون دامعة: اتركهُ وشأنه.. اتركه ولا تؤذيه يا ادريس واعدك لن اتصل عليك مجددًا وانا سأتكفل بأمر اولئك الأولاد.." ليبتسم ادريس ببرود وهو يُعدل ربطة عنقهِ ليقل وهو ينظر لياماش المتألم أمامه: كلا ياروحي انا سأتكفل بهِ فـ أنا والدهُ في النهاية وعليّ رعايته.. سينتقل لمدرسة أُخرىٰ.." لتتغير ملامحهُ للبرود فجأة وأردف بحدة: ولكن إن تكررت هذهِ الحادثة مُجددًا سآخذهُ ليعمل معي، سيترك الدراسة ويتعلم كيف يدافع عن نفسه، سيصبح قويًا ويحمل السلاح معه وقتها لن يقدر اي احد علىٰ مضايقته.." ليشهق ياماش بصدمة ثم حاول جمع شتات روحه اللتي تبعثرت ليقل بصوت مهزوز: هذا سيكون في احلامك يا أبي! لن أمُد يدي علىٰ ذلك السلاح طالما كنت علىٰ قيد الحياة.." ليقهقه الأب بسخرية علىٰ كلام إبنهِ ليقترب منه وأمسك فكهُ ضاغطًا عليه ليقل بصرامة وهو ينظر داخل عيناه: ستُمسكهُ ياماش! أنت ياماش ادريس كوشوفالي مهما حصَل، أنت ابني وستحمل اسمي شئت أم أبيت لذلك ستعمل معي في الشركة فيما بعد..
وبعدها ستحمل معك السلاح أينما ذهبت يابُني!
انا بنفسي سأُعلمك كيف تطلق النار وكيف تقتل الاعداء، وانا بنفسي ايضًا سأُعلمك استخدام السكين فقد تحتاجها في وقت الشِدّة بدَل السلاح..
انهىٰ كلامه الصارم ليفلت فك ابنه واعتدل بوقفتهِ ليقل ببرود بينما يضع يديهِ بجيوب بنطاله:
غير ذلك يا ياماش انت ستبقى لعنة كما عهدتك..
ليُغمض ياماش عينيه ويعضّ شفتيهِ بقهر من تلك الكلمة..
- مادُمتَ تتلقى ذلك التعليم اللذي لانفع له ستبقى ضعيفًا كما أنت، منذ ولادتك الصعبة تلك وانت هكذا لا انتفع منك شيئًا.." ليشد ياماش علىٰ كف يدهِ أكثر فأكثر حتى اصبحت يدهُ حمراء اللون ومع خروج ادريس وفتحهِ الباب لهازال اللتي دخلت مسرعةً لينظر ياماش نحو والدتهِ أمامه بعيون حمراء تجمّع الدمع في مقلتيهما ليرتمي علىٰ السرير دافنًا وجههُ في الوسادة بأنفاسٍ مُتسارعة وشهقاتٍ مُتتالية وانتهى الحال بهازال وهيَ تحتضنه وتُقبل رأسهُ محاولةً التخفيف عنهُ ولو قليلاً، ولكن مالذي يُصلح الجُرح إن كان المُتسبب بهِ هوَ الأبْ ؟..
End flashback.
في صباح اليوم التالي وفي وقتٍ مُبكرٍ عند الساعة السادسة استيقضت هازال اولاً لتعد طعام الفطور، وطبعًا قد جاء ادريس ليلة البارحة في وقتٍ مُتأخر من الليل أمّا عن جومالي فلا زال في ذات الملحق وقد استيقظ كهرمان مبكرًا ايضًا عازما لأجل ان يعيده، فـمن قوانين ادريس في منزله يجب علىٰ الجميع حضور اوقات الطعام وإن حصلت مشكلة ما او كانوا متخاصمين فلا يُهم بالنسبة له، المهم أنّ جميع ابنائهِ وزوجته مجتمعون سويًا أمام ناظِريه..
لنقل أنّ ادريس يشبه التس سلطان في هذهِ الأشياء🌚.
كانت تجهز مائدة الفطور وهي شاردة فيما حدث بالأمس مع جومالي وادريس، تتسائل مالذي حصل ليكره الإبن أباه لتلك الدرجة ؟..
أكثر من أنّه خان سيفدا وكان يُسافر بعيدًا لينام مع امرأة أخرىٰ رغم أنّ أُم أولاده كانت حيّة..
مالذي يُمكن أن يكسِر الإبن الأكبر ويهدم دُنياه، أكثر من خُذلان والدهِ له ؟..
قطع تفكيرها دخول كهرمان للمنزل واللذي كان يُسند جومالي علىٰ كتفهِ، التفتت اليهما وتمّعنت حالة جومالي والسواد تحت عينيه يدل علىٰ انه لم ينم ساعاتٍ كافية..
"جومالي أأنت بخير!؟ ماحالتك هذه!" قالتها حين تقدمت امامهما ليتوقف كهرمان عن السير والتفت اليها بهدوء بينما اشاح جومالي بوجههِ بعيدًا عن هازال: سيكون بخير لاتقلقي سيعود لوعيه حين يغتسل، هذا يحصل بسبب الافراط بالشُرب، والسبب الرئيسي في ذلك هوَ زوجكِ ليسلم!.." قال الاخيرة ببرود وخطىٰ خطواتهِ ساندًا اخيهِ مبتعدا عن هازال صاعدًا للاعلىٰ..
تنهدت هازال بينما اخذت تمرر يديها علىٰ خصلات شعرها الشقراء لتنزل يديها متمتمة: كنت اظن انّ ياماش فقط من يُعاني من أبيه، اتّضح انّ اولادك جميعهم يعانون بسببك ادريس.. اللعنة عليك ليتني لم اخطو تلك الخطوة واقع بشباك حبك! ليتني لم أُخدع بمظهرك الطيّب وليتني لم اقبل الزواج بك.." انهت كلماتها لتلتفت بقلة حيلة تكمل عملها وتجهز مائدة الفطور ريثما يأتي ادريس ويستيقظ الاخوة الصِغار..
"تسريع احداث"
اجتمعت العائلة كلها عدا صالح اللذي لازال بغرفتهِ فقد استيقظ ياماش قبلهُ كالعادة وغيّر ملابسهُ ونزل بالموعد ولكن لايعلم لمَ يتأخر ذلك الصالح في الاستيقاظ في كل مرة.. "ألا يشبع من النوم رأس الباذنجان هذا؟"
هذا ماكان يُفكر بهِ ياماش وهو جالس بجانب والدتهِ حين رأى صالح قادمًا من الاعلىٰ وخلفهُ كهرمان اللذي غيّر ضمادة جرحهِ، وما إن لمحت عينا الاصغر هيئة أخاه الاكبر جالسًا في مكانهِ المعتاد حتى اسرع بنزولهِ ليتجه نحو جومالي بسرعة مُعانقًا إياه دافنًا رأسه بعنقهِ ناطقًا: آبي عُدت أخيرًا، كيف حالك؟.." تنهد كهرمان بارتياح وجلس بمكانهِ ليربت جومالي علىٰ كتف صالح بهدوء وردّ: كما تراني ياولد، انتَ؟.. جرحك؟" قالها ليُبعد صالح عنه بعد أن قبّل خدّهُ بحنيتهِ المعتادة وكان ذلك تحت أنظار ادريس اللذي نطق ساخرًا مقاطعًا تلك اللحظة الأخوية: بُني صالح أخاك لم يسافر لمكانٍ بعيد كي تشتاق اليه وتعانقهُ بهذا الشكل، ثم انّك ذهبت اليه بالأمس ليلاً فما هذا الإشتياق المُفاجئ ياتُرىٰ؟.." توتر صالح وأُحرِجَ ليعتدل بوقفتهِ ورد علىٰ ابيه بتلعثم: أعلم.. أبي، لكن.. لكن هوَ البارحة لم يكُن بحالٍ.." لم يُكمل جملتهُ حتىٰ انتبه لنظرات جومالي الحادة نحوه واللتي تحذرهُ من إكمال كلامه ليصمت صالح ويُخفض بصرهُ أرضًا بينما التفت جومالي ناحية ادريس واللذي يبتسم بإستهزاء ليقل جومالي ببرود وهو يكاد يخترقهُ بنظراته:
علىٰ الأقل صالح اشتاقَ لي ولم يستطِع تحمُل فراقي لنصف يوم حتى.. أمّا أنت فـ لقد هجرتهُ وسافرت لسنواتٍ طِوال.. ثم عُدتَ ولم يعانقك أحدٌ من أبنائك هكذا ادريس بَي.. حقًا غيابك من وجودك واحدٌ لا إختلاف فيهما عليك تقبل ذلك !.." انهىٰ كلماته وابتسم ببرود وكأنهُ تقصّد أن يشعل نار الغضب في قلب إدريس اللذي تغيرت ملامحهُ واختفت إبتسامتهُ وحلّ محلها العبوس والغضب الشديد وهو يُراقب صالح اللذي ابتسم بخفة ليجلس بمكانهِ المُعتاد بجانب جومالي وكهرمان اللذي اقترب وربّت علىٰ ظهر جومالي دون أن ينتبه أحد وهمس وهو يكتم ضحكته: والله حلالٌ عليك آبي، أسكتتهُ بطريقةٍ جعلتهُ يبلع لسانهُ بعدها!" اومئ جومالي بهدوء وازاح وجههُ عن وجه ادريس الغاضب ليبدأ بتناول الطعام وكذلك الاخوة الصغار اللذين من الواضح أنهما قد أُعجبا برد أخيهم الأكبر اللذي يحاول وضع حدٍ لسخرية إدريس وقوانينهِ تلك، وكذلك هازال اللتي ابتسمت ابتسامة جانبية لم يلاحظها ادريس ولكنها اخفت بسمتها خلف قناع الهدوء كي لا تُثير المشاكل أكثر، بينما من جانب ادريس فقد قبض علىٰ قبضتهِ بقوة وهو يُشاهد السلام النادِر اللذي حلّ علىٰ عائلتهِ فجأة ليقرر قطع ذلك السلام وإثارة المشاكل مجددًا..
نقل عينيه بين أفراد عائلتهِ اللتي أمامه لتقع عينهُ علىٰ ياماش واللذي يجلس مكانهُ بهدوء يتناول طعامه، فجأةً أردف بنبرة حادة صارمة أفزعت ياماش اللذي سقطت الملعقة من يده: يامااش!" ليرد ياماش بينما يحاول إخفاء ارتباكه: نع... نعم أبي؟" "أنهي طعامك بسرعة، لن تذهب للجامعة اليوم بل ستأتي معي اليوم للشركة ولا تحاول أن تُناقش." ليبلع ياماش ريقه مجيبًا بهدوء: لكن.. لكن اليوم لديّ امتحان شفهي، ألا يمكن تأجيلها؟ فهو مهم لإختبارات نهاية العام.." قالها بينما ترمقهُ نظراتٌ هادئة متفحصة من جومالي فقد بقيَ ببالهِ ماقالهُ كهرمان عن ياماش بالأمس.. ضرب ادريس علىٰ الطاولة بقوة وكأنهُ يحاول افراغ غضبهِ بسبب ماقاله جومالي بأصغر أبنائه، نطق بغضب بعد ان نهض من الطاولة ناظرًا لياماش اللذي ازدادت نبضات قلبهِ: انا قلت مالدي ياماش! لتحُل اللعنة علىٰ امتحانك ودراستك، لاتنسَ بأنّ لولا إصرار والدتك لكنت تعمل معي الآن منذ فترة طويلة جدًا.." اخفض ياماش بصرهُ بحزن عميق بينما هازال رمقت ادريس بنظراتها الحادة لتضع كأس الشاي جانبًا واردفت بغضب: ادريس، الولد قال لديه اختبار مهم!" "وهذا لا يُهمني عزيزتي هازال، وإن كان لدىٰ احدٍ آخر اعتراضٌ هنا ليقله الآن قبل ان اغادر.." تبادل كهرمان وصالح النظرات فيما بينهما بتعجب فلم يتوقعوا ان يصل برود العلاقة بين ياماش وادريس الى هذا الحد، وهازال تنهدت بغضب وقلة حيلة بينما جومالي كامل نظرهُ علىٰ ياماش اللذي يخفض بصرهُ بأنفاس مضطربة بينما يشد بيدهُ بقوة أسفل الطاولة كعادتهِ فـ دائما مايجعلهُ صراخ ادريس يتوتر هكذا ويذكرهُ بقساوته معه وعدم مُبالاته.. سحب ادريس الكرسي للخلف ليخطو خطواتهِ ناويًا مغادرة المنزل ومعه ياماش اللذي وقف ماسحًا فمه بالمنديل بهدوء عكس رجفة يديهِ اللتي فضحته ليستأذن من علىٰ المائدة وتقدم بخطوات بطيئة ليلحق أبيه ولكنهُ تصنم بمكانه بدهشة حين سمع ادريس صوتًا مرتفعًا مُعترضًا كان متيقنًا من سماعه: ياماش لن يذهب معك.." لينظر اليه الجميع بصدمة بينما ادريس ابتسم ببرود والتفت ليقل بإستهزاء: نعم؟ أعِد ما قلته!؟" "قلت ياماش لن يذهب الى شركتك ادريس بَي." قالها بهدوء وارتشف آخر رشفة شاي من فنجانه ثم نهض ليلتفت ويُواجه نظرات ادريس اللتي تكاد تخترقه ليقل ادريس بحدة: وبصفتك من ايها الباشا كي تُعارض على ذهابهِ معي!؟" ليتقدم جومالي ناحية ياماش وأمسك بيدهِ بحركة سريعة ساحبًا إياه خلفه ناظرًا لإدريس بنظرة خالية من أيّ المشاعر ليقل: اولاً الولد لديه امتحانٌ مهم اليوم، ثانيًا وإن لم يكُن لديه شيء فـلن اسمح لك بأخذه وتدمير مستقبله، ثالثًا وجوابًا علىٰ سؤالك، أُعارضك بصفتي.. بصفتي اخوه الأكبر ومن واجبي حمايتهُ من خُبثك انت واعمالك! انهىٰ كلماتهِ رامقًا ادريس ببرودٍ كبرود الثلج ليشد علىٰ يد اللذي خلفه محاولاً طمئنتهُ فـ يد ياماش كانت مرتجفة معبرةً عن خوفه ولكنهُ صُدِم من دفاع جومالي عنه، بل وما صدمهُ أكثر وأثار في ذهنهِ فرحًا واضطرابًا هو اعتراف جومالي بكونهِ اخاه الاكبر، وكأنهُ انتشل ياماش من حُزنهِ وضياعهِ وجعلهُ يؤمن بأنهُ سيمتلك أخًا اكبر ليحميه ويدافع عنه في يوم ما، وبالفعل قد امتلك اخًا يُعادل ألف أخٍ في تلك اللحظة...
كانت ملامح وجوه الموجودين البقيّة مليئة بالدهشة، حيث كهرمان استغرب بالبداية ولكنهُ ابتسم بهدوء متمنيًا أن تتطور العلاقة بين جومالي مع هذا الاشقر وأيضًا مع صالح، برأيهُ هوَ إنّ ياماش لا يستحق تلك المُعاملة الصارمة من جومالي، وبالاخص منع جومالي لياماش من مناداتهِ بأخي..
بل وعلىٰ العكس كهرمان يظن انّ ياماش ذو قلبٍ طيّب ويستحق معاملة أفضل من تلك.
أمّا بالنسبة لهازال تلك المرأة واللتي قد تمّنت طوال سنوات أن تنجب اخًا لياماش كونها ظنّت أنّ لا إخوة له،
ولكنها اقسمت بينها وبين نفسها أنّها لن تنجب احدًا مجددًا من ادريس، لن تنجب بريئًا فيتعّقد من معاملة والدهِ له.. وها هيَ الآن قد رأت بأُم عينها كيف ياماش يقف خلف ظهر جومالي يحتمي به، وكيف جومالي يشد بيدهِ علىٰ كف أخيهِ وكأنهُ يقول في نفسه: لاتخف بعد الآن انا بجانبك، صحيح امضيت طفولتك بعيدًا عني، وبالفعل انت ابنٌ نتجت بسبب خيانة والدي لأُمي،
ولكني اخوك الاكبر في النهاية ولا ذنب لك فيما حصل... تبتسم هازال بدفئ وهي ترىٰ ذلك المنظر، سعيدةٌ لأنّ ابنها الوحيد قد حضيَ بأخٍ آخر بعد كهرمان.
الباقي هو صالح واللذي سيكون من الصعب عليه تقبُل بذرة خيانة والدهِ لأُمهِ اللتي يُحبها كثيرًا..
التفتت هازال نحو صالح واللذي كان واقفًا يُراقب الوضع اللذي يحصل بعيون غاضبة نوعًا ما فقد أزعجهُ تلامُس يد جومالي وياماش وما أزعجهُ وأثار في نفسهِ غيضًا هو كلام جومالي واعترافهُ بكونهِ أخًا لياماش.
كان ينظر بنظراتٍ قد عرفت هازال معانيها فورًا..
إنها نظرات حِقدٍ وغضب دفين، فهوَ لازالت الى الآن تتردد ببالهِ ذكرى موت والدتهِ إثَر مرضها، وذلك مايجعلهُ يشعر بالخِزي والعار تجاه كون ادريس والده، وهو ايضًا مايُشعره بالكره وعدم التقبُل تجاه هازال وابنها.
تقدم ادريس من جومالي حتىٰ أصبح أمامهُ ينظر اليه بنظراتٍ تشتعل نارًا بينما جومالي يحملق بهِ ببرود وتحدي ولازال يُمسك يد ياماش اللذي خاف أن تزداد الامور سوءًا بسببه كما حصل بالأمس..
"هل الآن تذكرت أنّك أخاه الاكبر ياهذا!؟ هل تذكرت الآن ان تؤدي واجبك كأخٍ اكبر بعد ان جعلتهُ يناديك بالسيد جومالي!" قال الاخيرة ساخرًا بينما جومالي بقي صامتًا ينظر ببرود ليكمل ادريس: ابتعد من أمامي ياهذا.." وقالها وتقدم ليسحب بعنف يد ياماش الأخرىٰ لتزداد رجفة جسد ياماش فهو قد اصبح بين أبيه الظالم واخيه الحامي، وقد شعر جومالي فورًا بخوفهِ ليُمسك يد ادريس بقوة ونكتَها أرضًا وافلت بسرعة يد ياماش اللذي تشبث بقميصهِ من الخلف وشهق بخوف مغمضًا عيناه ليصد جومالي كف يد ادريس اللتي كانت موجهةً ناحية ياماش، "تظن أنني لم اعلم أنّك كنت تعنف هذا الفتى في السابق صحيح؟..، من الواضح انّك نشرت العُقد النفسية بهِ كما فعلت معي، ولكن اقسم بالله يا ادريس انظر ليكن الله شاهدًا على كلامي، فقط حاول ان تمُد يدكَ عليه مجددًا حينها سأكسرها لك صدقني !" تمتم بها جومالي بحدة في اذن ادريس اللذي حاول سحب يده من يد ابنهِ المتمرد، ليكمل جومالي: يكفي ما لقيتهُ منك في السابق، لن اسمح لك بأن تسبب لهما مشاكل نفسية او حتى جسدية، لازالا صغيران ياهذا! سيُكملان الجامعة وسيكبُران تحت ناظري وأنا انصحك بأن تنسَ انّ لديك ابناءً صغار!" انهى كلماتهِ بذات الغضب ليقطع تبادل النظرات الكارهة بين الابن وأبيه صوت احد رجال ادريس اللذي استأذن ودخل المنزل بسرعة ينادي: سيد ادريس سيد ادريس، هناك مشكلة حصلت.." "قُل ماذا هناك ياهذا!؟" قالها وعينه لازالت علىٰ جومالي أمامه، "لقد احترق المخزن الشمالي الخاص بالاسلحة، والسيد بايكال غاضب بشدة.." همس بها في اذن ادريس بينما ابتسم جومالي بخبث فقد توقع ماحدث فهوَ من اتفق مع فكرت منذ ليلة البارحة وتواصل معهُ هاتفيًا مُخبرًا إياه بأن يبدآ بتدمير بضاعة ادريس بدءًا بالمخزن الاكبر الخاص بالاسلحة وهذا ما سيؤدي لخراب العلاقة بينه وبين بايكال اللذي هو المستلم الاول لبضاعة ادريس من أسلحة..
سحب ادريس يده واردف مهددًا رافعًا اصبعه بغضب: ان كان لك يدٌ في ذلك فـ انا ساعلم كيف اربيك من جديد افهمت!؟" يبتسم جومالي بإستهزاء ليقل: هيا من هنا ياهذا لتلحق بضاعتك قبل ان تحترق بأكملها.."
خرج ادريس تاركًا عائلته كل منهم بمشاعر مختلفة، التفت جومالي حيث ياماش اللذي ورائه قد اخفض رأسهُ بتوتر ليقل جومالي بهدوء: أنت بخير صحيح؟ مابال يدك.." قالها ناظرًا ليد ياماش اللتي ترتجف لينفي الاصغر برأسه ونطق بخفوت: لا شيء انا بخير.. شكرًا لك آ.. سيد جومالي." قالها وتراجع مسرعًا ليأخذ حقيبتهُ من الصالة وخرج ليركب السيارة مبتعدًا عن النظرات اللتي توتره بدءًا من صالح حتىٰ جومالي.. تنهد الاكبر ليمسح علىٰ وجهه مرددًا في نفسه: لا تقل سيد، لا تقل سيد يابُني.. اووف وكيف ستقول آبي وانا من امسكت بياقتك بقوة ومنعتك بمجرد قولك أخي.." ثم التف نحو صالح اللذي يُطالعهُ بهدوء ويديه الى صدره، "انتهىٰ هذا العرض صحيح جومالي آبي؟.. حسنًا انتهى ولكن ألن تفسر لي ماحدث الآن!؟" قالها بعبوس ليفعل جومالي حركة فمهِ ورد بنفاذ صبر: هيا صالح هيا آبيجيم انتهى، لن أُبرر لك مايجب ان افعل.." ليأخذ صالح حقيبتهُ مسرعًا واردف وهو يتخطى جومالي متمتمًا: صحيح انتهى، لقد رأينا جمال أُخوّتك احسنت آبي.." "صااالح!" هتف بها مندايًا ولكن صالح قد غادر بالفعل وركب السيارة في الأمام متجاهلاً اللذي يجلس بالخلف بهدوء محاولاً ضبط انفاسه فقد ضُغِط عليه كثيرًا من قبل ادريس وحتى كاد يصفعه لولا وجود جومالي امامه..
"مبروك لك ايها الاشقر لقد احتليت قلب أخي كما احتليت منزلنا انت و والدتك حلالٌ عليك.." اردف بها ببرود مخاطبًا اللذي يجلس بالخلف صامتًا ليكمل: ولكن كان يجب عليك استبدال كلمة السيد بالأخ فقد رضيَ اخي جومالي عنك بالفعل!" قالها مستهزئًا ليضغط ياماش علىٰ يدهِ بقوة وأردف بهدوء: لست متأكدًا.. ثم انهُ لم يسمح لي بعد بمناداته بتلك الصيغة لذا سأنتظر بعد.." "جيد لتنتظر لتنتظر." قالها ساخرًا وهو ينظر من النافذة ليأتي كهرمان اخيرًا واللذي قد ارسله جومالي لمراضاة صالح، ركب ليشغل السيارة وانطلق وقد لاحظ ملامح صالح اللتي علىٰ مايبدو كانت غاضبة ومليئة بالزعل لينطق كهرمان بهدوء محاولاً تلطيف الجو: ايه صالح جيم سمعت انّ هناك سفرةٌ في الجامعة اليوم صحيح؟.." همهم الاصغر بنعم دون ان يرد ليكمل كهرمان بابتسامة: ستأخذ ياماش معك اليس كذلك؟" "لا." رد بها ببرود مُختصرًا مشاعرهُ تجاه ياماش ليتنهد كهرمان بخفة ليصمت قليلاً ثم قال: صالح اخاك جومالي لم يقصد شيئًا هو فقط.." ليقاطعهُ صالح بغضب وصوت مرتفع: هو فقط يحاول حماية مدلله الاشقر الجديد إيڤيت اعلم آبي ذاتًا قد فهمت ماحدث منذ قليل فلا داعي لتبرر لي." ليصمت كهرمان وقد ادرك انّ صالح غاضب الآن بشدة ولا فائدة من محاولة الشرح له..
بينما ياماش شاردٌ ينظر من النافذة يُفكر في كل ماحدث وكيف دافع جومالي عنه وأوقف طُغيان ادريس، ثم يعود ليفكر بغيرة صالح وصوته المرتفع ليُدرك انهُ تسبب في مشكلة أُخرىٰ لجومالي وهذا مايجعله يلوم نفسهُ، فما حدث بالأمس بسببه واليوم قد تعقدت علاقة صالح بجومالي بسببهِ أيضًا ليتنهد بخفة داعيًا أن يمر هذا الاسبوع علىٰ مايرام..
اوصلهما كهرمان للجامعة لتفترق طرقهما كل منهما في قاعته، وكالعادة بعد توجيهاتهِ لهُما بأن لا يتشاجرا او يفتعلا مشكلةً ما.
بينما من جانبٍ آخر جومالي اللذي تجهز ولبس سترتهُ ناويًا الذهاب للمقهىٰ للقاء صديقه فكرت لتوقفه هازال قائلةً قبل أن يخرج: جومالي!" التف اليها جومالي مستفسرًا لتقل له بإبتسامة هادئة: شكرًا لك لاجل دفاعك عن ابني، انا حقًا مُمتنة لأجل مافعلته.." ليرد جومالي بهدوء: لاداعي لشُكري فهذا واجبي، هيا الى اللقاء."
خرج من المنزل متوجهًا نحو سيارتهِ المصفوفة امام الباب ليتذكر في السابق كيف افتعل بها صالح حادثًا وكيف عاد ثملاً لايرى أمامه ليبتسم بهدوء وتمتم: وانت يجب مراضاتك ايها الشقيّ الغيور.."
------------------------------------------------------
"السلام عليكم.." "وعليكم السلام، كارديشم.." قالها ونهض مُعانقًا اللذي دخل المقهىٰ لتوه ليربت جومالي علىٰ ظهرهِ بخفة ثم فصلا العناق، "ها اخبرني ماذا حصل؟ هل جن جنون السيد ادريس؟.." ابتسم جومالي ليقل: ليس بعد يافكرت، صحيح غضب كثيرًا واصبح يتوعد لي ان علم بانّ لي يد في الموضوع ولكنني اوَد اثارة غضبهِ وجنونه أكثر فأكثر، أوَد الأخذ بثأرهما كلتاهُما.."قال الاخيرة بشرود ليومئ فكرت برأسهِ بتفهم ليطبطب علىٰ كتف صديقه: ستفعل، ستفعل ذلك لا محالة كارديش فقط القليل من الصبر.. انت صبرت لأخذ إنتقامها ٤ سنوات في السجن، بالطبع ستستطيع الصبر مجددًا حتىٰ انّك ستعوّض سنوات عمرك اللتي ضاعت في السجن بسببه.." ليتنهد جومالي بضيق وهو يدعك مابين عينيه: بالطبع سأفعل، وانت ستكون معي ايضًا، سأجعلهُ يندم علىٰ افعالهِ تلك..
جلس الإثنان مقابل بعضها حول طاولة ليطلب فكرت الشاي وهو يتمّعن ملامح جومالي المُتعبة ليقل بهدوء: دعني احزر.. قد شربت الكحول مجددًا ليلة الأمس صحيح؟ هذا واضح فقد كان صوتك مبحوحًا حين تحدثت معي.." مسح جومالي علىٰ وجهه وعينيه ليرفع نظرهُ نحو فكرت وابتسم بخفة: اه يافكرت انت الوحيد بعد كهرمان اللذي لا استطيع اخفاء تعبي عنه بشكلٍ جيد.." "اجل فـ أنا اعرفك منذ مدة طويلة، والآن تكلم لأرىٰ ماذا حدث وماحالتك هذه؟.." شرد جومالي بالارض قليلاً ثم رفع نظرهُ لصديقه قائلاً بألم: صالح يافكرت.." ليرد الآخر بقلق: مابهِ؟ أحَدَث شيء سيء!؟" ليرد جومالي بسرعة نافيًا: كلا، ليس كذلك ولكن.. هو.. قد رآها.." "رأى مَن لم افهم؟" لينطق جومالي بصعوبة والغصة واضحة في حنجرته: داريا يافكرت..، صالح قد رأىٰ صورتها حين جائني بالأمس، تسائل من هي وما اسمها ولم اعرف كيف أُجيبه.. تذكرت ذلك اليوم وشعرت بقلبي قد عاد ليحترق مِرارًا وتكرارًا.. رغم أنني حاولت تخطي ذلك ولكن لا فائدة يافكرت، كلما رأيت وجه أبي اعود بالذاكرة لأتذكرها، والآن صالح قد علِم بأمرها وسيبقىٰ يسعى ليعرف ماقصتها انا اعرف هذا الولد جيدًا.."
انهىٰ كلامهُ لينظر لعينيّ فكرت الرماديتين ليُكمل بحُزن عميق مُعبرًا عن ضياعهِ وتشتته:
قُل لي يا أخي ماذا سأقول له حينها!؟ لا اريدهُ أن يعلم شيئًا ممّا حدث فرُبَما سيكرهني بشدة حينها.." صمت فكرت قليلاً متبادلاً النظرات بينه وبين صديقهِ ليُمسك يدهُ مطمئنًا: لا عليك كارديش سيمُر كل هذا صدقني، سيأتي يوم وتتخلص من براثِن ادريس وسيرتاح ضميرك وترتاح روحك عندئذٍ، ثُم ماهذا الكلام ولِماذا سيكرهك صالح!؟ انت فعلت مافعلت لأجله، لأجل ان يعيش معك ويبقى بجانبك، لذا لايحِق لهُ ان يأتي ويُحاسبك..
تنهد جومالي بتعب ليقل بهدوء: وماذا إن جاء وحاسبني؟ الفتىٰ قد قُتِل أمام عينيه مجموعة أشخاص سابقًا.. هل سيتحمل الآن ان علم بأن شخصًا ما قُتل بسببه؟.." ليرفع فكرت حاجبهُ بتعجب ليرتشف من فنجان شايه اللذي جلبهُ النادل ليقل بعدها بإستغراب: أوَحقًا تسألني ماذا إن حاسبك! هل انت حقًا جومالي ام انّك تتلبس قناع وجههِ عجبآ!؟ لان اولوم، يابُني لتفهم لا يحِق لهُ ذلك، عليك إفهامهُ الأمر، مهما حصل ومهما غضب وحزن منك سيتقبل ماحدث في النهاية ياجومالي..
وإن لم يفعل تستطيع تأديبهُ وتجاهله لأيام وحينها سيعود اليك حتمًا، ذاتًا هو لا يتحمل فراقك لا الآن ولا في الماضي.." نظر اليه جومالي بأمل: أهكذا تقول؟
اومئ فكرت ايجابًا: بالطبع هكذا كارديش..
لينتهي حوارهما بمجيء كهرمان اللذي صف سيارتهُ أمام المقهىٰ وارتجل ثم دخل ملقيًا السلام على كلاهُما..
: إيڤييت آبيلار، عن ماذا تتحدثان انتما هُنا منذ نص ساعة؟.." قالها وهو يسحب كرسيًا ليجلس معهما ليسألهُ جومالي بإبتسامة خبيثة: ماذا حدث كهرمان هل اصبحت تغار كما فعل صالح صباحًا!؟" ليرفع كهرمان حاجبيه متعجبًا: ما العلاقة ياااا الله الله؟.. فقط اسأل عن ماذا تتكلمان فـ جلوسكما هُنا لا يخرج خاليًا بل يجب ان يخرج بمصيبةٍ دائمًا.." ليرد فكرت ببسمة: يعني تقول السجناء يشبهون بعضهم صحيح؟" كتم كهرمان ضحكتهُ حين رمقهُ جومالي بغيض ليقل: والله فكرت آبي هذهِ الحقيقة عليكما تقبلها.." ليقل جومالي متسائلاً: اييه ماذا فعلت؟ هل تكلمت مع السيد صالح افندي؟" "تكلمت تكلمت.. هو غاضب منك بشدة، الفتىٰ اصبح يقول لي انّك تحاول حماية مدللك الأشقر الجديد، ماذا توقعت اكثر من ذلك ياتُرىٰ؟.." ليمسح جومالي علىٰ وجههِ متمتمًا بقلة حيلة: قال مدللي الاشقر قال! توبة ياربي.." ليقل فكرت متسائلاً: ماذا حصل ياهذا عن ماذا تتحدثان.. ومن ماذا يغار ذلك الشقيّ!؟" لينزل جومالي يديه من وجههِ واراد التحدث ليقاطعه كهرمان بحماس وابتسامة: ألم يُخبرك أخي إلى الآن! ياو فكرت آبي نحن منذ قدوم ذلك العجوز اصبحنا نُصَبح علىٰ مُشكلة وننام علىٰ مُشكلة أُخرىٰ.." ليبتسم فكرت بسخرية مُࢪدفًا: ماذا حصَل مُجددًا أخبرني لأرىٰ!؟ تبًا لهُ ألن يمل ذلك العجوز الهرِم.." ليُخبره كهرمان بكل شيء حدث صباحًا حتىٰ وصل لغيرة صالح وزعلهِ وتجاهُلهِ مناداة جومالي ليقهقه فكرت بينما جومالي يرمقهُ بعبوس، لتهدأ ضحكات فكرت ويقل ببسمة لجومالي: اذن قد تقبّلت اخاك الاشقر اخيرًا ياهذا.. لا وبل اصبحت تدافع عنه وتفتعل مشكلة مع ادريس لأجلهِ! يالهُ من محظوظ ذلك الأشقر يجب عليّ التعرف عليه ومُصاحبته فـ كما تعلم لم اراه ذلك اليوم حين أتيتكم بل قالت لي والدته أنهُ يدرس في غرفته.." انهىٰ كلماتهِ ثم نظر لجومالي بشماتة ليقل الأكبر بغضب مُصطنع: إلامَ تنظر ياهذا إلامَ تنظر!؟" ليكتم فكرت ضحكته واردف: يوك بشي، لا شيء ياو آبي..
ولكن فقط أتسائل كيف ستُراضي ذلك الشقيّ ياتُرىٰ؟..
انظر أمامك مهمةٌ صعبة حتى انها اصعب من تصدير شحنة أسلحة الى الخارج لأقل لك.." ليتأفف جومالي واردف بملل بعد ان ارتشف رشفة من شايه: ادعو الله فقط أن لا يطول زعلهُ وخصامهُ لي، فـ أنا بصراحة لن استطيع تحمل ذلك لأُسبوعٍ واحد..
قالها وصمت الثلاثة مطولاً ليتذكر كهرمان ماحدثهُ صالح بالأمس ليقل بهدوء: صحيح آبي.. بالأمس حين عاد صالح سألني شيئًا.." ليرد كهرمان بقليل من التردد: داريا يا اخي.. لا اعلم من اين حصل علىٰ صو.." ليقاطعهُ حومالي بغضب مكتوم حين ادرك بسرعة مافعله ذلك الصغير: واللعنة.. التقط صورة لها بهاتفه بالطبع!" لينطق كهرمان بتعجب: أكنت تعلم؟" اومئ جومالي بينما يضع يديه علىٰ رأسهُ يفكر فيما فعله صالح: كنت اعلم ياكهرمان.. كنت اتأمل بها بالامس و وضعتها علىٰ الطاولة وبعد ان جاء لاحظها والتقط لها صورة بالهاتف دون علمي، ثم سألني عنها وعن من تكون فأجبته بأن لايتدخل ويدعني وشأني، لكنه أصرّ علىٰ معرفة من تكون فحذرتهُ أن يخبر احدًا عنها او ان يأتي اليك..
قلت له ان يلايفتح لي بابً لأسئلك أيضًا لأنني اردت صرفهُ عنك ولكن ال*** ذاك لا يكف عن عناده.." ليتبادل كهرمان النظرات مع فكرت ليصمت الاثنان فالصمت في حرم الحُزن واجب..
- لم تخبرهُ من تكون وماقصتها أليس كذلك كهرمان؟..
- كلا يا أخي بالطبع لن اخبرهُ واخذت الموضوع علىٰ محمل السخرية كي لا يشك بشيء.. وأيضًا قد حذفت تلك الصورة نهائيًا من هاتفه فلا تقلق كارديش..
اومئ جومالي بهدوء عكس داخلهِ اللذي يرتجف حزنًا وقهرًا لينهض ثم ربّت علىٰ كتف كهرمان: أحسنت كارديشم.." قالها بنبرة عميقة معبرًا عن امتنانهِ لكهرمان وايضًا لفكرت فهُما الوحيدان اللذان يعلمان سرّهُ وكم عانى بسبب ادريس وظُلمهِ، التفت ليُغادر المقهىٰ تحت نظراتهما ليقل كهرمان بقلق وهو يراقب طريق جومالي مخاطبًا فكرت: سيذهب لقبرها صحيح؟" اومئ فكرت ليتنهد بحزن ثم أردف: بالطبع سيذهب اليها فهوَ حزين جدًا الآن، وايضًا عِلم صالح بأمرها قد أثار في نفسهِ قلقًا واضطرابًا.. حقًا لا اعلم كيف سيصبر هذا الرجل إن علم صالح بحقيقة الأمر فهوَ يظن بأنّ ذلك الشقيّ سيلومهُ علىٰ مافعل سابقًا...
------------------------------------------------------
يتبع...

آرائكم جنملار🫶🏻!؟
بعرف اني تأخرت كثييير بالبارت وحقكم عليي بس والله بسبب الدراسة والامتحانات يوم ورا يوم فـ ما الحق اكتب، لذلك لا تبخلوا علي باللايك والتعليق عشان يبقى حماسي زي ما هو للقصة🥹❤️‍🩹..

التقيكُم في بارت جديد💙.

«اخوة في الظلام»حيث تعيش القصص. اكتشف الآن