الساعة الحاديه عشرة مساءً و سبع وعشرون دقيقه ، يُحرك نسيم البر العشب و أحد النوافذ لدارٍ قديم ، وتوَلد من رياحٍ ساخِطه اصوات تؤلم
النوافذ المكسورة وأنِين يصدر من احد الابواب ، ويتوَارى جسدٍ هزيل تحت ركام الاخشاب المتناثرة من ذلك المنزل المتهالك ، غَطى ثغره لكتم تلك الانفاس المضطربة ، ويسير قطيع من الدموع على وجنتيه ، و اِنْسل من جُنْحِ الظٌّلامِ رجَل ذو اكتافٍ عريضة وتبسم لذلك الهزيل ، وظلمة المكان اخفت هيئته ، لكن بين ذلك الشارب الكَثّ ..وهج اسنان ناصعة البياض وسن ذهبي .. هذا ما توهج منه فقط ، تقدم لهزيل الجسم ماداً يده ..لكن... دوت صرخةٌ لِطفل ورجت ازقة قرية ايرلاب ..نهضت المعلمة قائلة: ـ لهذا السبب يا أولاد لا يجب أن تخرجوا ليلاً، انتهـ...
قاطعها أحد الأطفال قائلًا: ـ ماذا حدث للطفل يا أستاذة؟
قالت له بصوت رؤوف: ـ لا أحد يعرف يا أكرم، لكن جميع قريتنا تقول حدث له شيء مريع، لذا توخوا الحذر، ولا تخرجوا ليلاً. انتهى الدرس الآن يا أولاد، عودوا لمنازلكم بأمان.عُرفت قرية إيرلاب بأسطورة "ذو السن الذهبي" وامتنعوا من الخروج ليلاً بسببها، ولم يجرؤ أحد على الخروج في وقت متأخر بسبب تلك الأسطورة، لكن الفضول يُلهب قلب أكرم... ماذا يحدث إذا خرج في وقت متأخر؟
لأنه لا يؤمن بوجود هراءٍ كهذا ويريد أن يثبت ذلك،
لكن يبدو أن والدته لها رأي آخر: ـ توقف يا أكرم! أنت لن تخرج الآن أبدًا!
قال أكرم متوسلاً: ـ لكن يا أمي لا يوجد شيء بالخارج أرجوكِ.
قالت والدته وهي تسحب أكرم إلى غرفته: ـ انتهى هذا الموضوع، لا يعني لا، لا تعاند!!
أضمر أكرم إحباطه وتوجه لسريره، فشل مرة أخرى في إقناع والدته بالخروج ليلاً، جلس أكرم على سريره وأتت والدته لتربت على كتفه قائلة: ـ يا بنيّ، أنا أخاف عليكَ فـ أنا لا أملك غيرك بعد رحيل والدك.
قال أكرم بهدوء وهو يغطي نفسه: ـ حسنًا يا أمي حسنًا... تصبحين على خير.
نهضت الأم متوجهة للباب لتخرج تاركة أكرم ينام، أصبح أكرم يتيمًا بعد أن بلغ الثالثة عشر ربيعًا، أي قبل ربيعين توفي والده.
مرت فيروز بأوقات عصيبة لأنها تحملت مسؤولية طفل وعمل واهملت صحتها ونفسيتها، كانت تقع مغشاة عليها دومًا بسبب إرهاق عملها، كان عملها صعبًا عليها لكنها تحملت لأجل أكرم.
ذهبت فيروز إلى غرفتها، أغلقت الباب واضعة رأسها عليه وبدأت بالبكاء متألمة، كان كاحلها ملتويًا قليلاً بسبب عملها اليوم، لكن سمعت فجأة صوت طرقات على بابها يتبعه صوت أكرم يقول لها بصوت وديع
: ـ أمي، هل أنتِ بخير؟ افتحي لي الباب... رأيتكِ اليوم تمشين بصعوبة.
نهضت فيروز ماسحةً دموعها قبل أن تفتح الباب، وما إن فتحته احتضنها أكرم وابتعد بضع خطوات وأخذ ينظر إلى قدميها يتفحصهما، وقال: ـ إي واحدة منهما تؤلمكِ يا أمي؟
جلست فيروز على سريرها بعد أن أشارت له على قدمها اليسرى، سألها أكرم مضطربًا: ـ ما بها؟ هل هذا بسبب عملكِ؟
هزت فيروز رأسها بإيجاب، قال لها: ـ سوف أعمل أنا بدلًا عنكِ، أنا الرجل في هذا المنزل، لا أريدكِ أن تتأذي، هذا العمل شاق، أنا سوف أعمل بالبناء وأنتِ استريحي.
قالت فيروز: ـ كلا يا أكرم، أنت لا تزال صغيرًا وتحتاج للتركيز بدراستك.
قال أكرم بعناد: ـ أنا لا أحتاج للدراسة بعد الآن، أستطيع بالفعل الكتابة والقراءة وهذا كافٍ بالنسبة لي. تنهدت فيروز قائلة: ـ دعني أفكر بالأمر.
ـ أرجوكِ!
ـ حسنًا يا أكرم، لنتحدث غدًا في الموضوع، أريد النوم الآن.
نهض أكرم بخيبة وتوجه لغرفته تاركًا والدته تنام، وحينها أخذت فيروز تفكر، هل الأفضل لأكرم الدراسة أم العمل...__
في صباحٍ مشرق حل اليوم التالي، وبين تناول أكرم للبيض الذي أعدته فيروز له، تردد صوت دقات على الباب، نهض أكرم من أمام طعامه ليفتح الباب، ما إن وطئ أكرم أمام عتبة الباب تسللت إلى مسمعه أصوات لعويل وأزيز، تسارعت خطواته وفتح الباب، كان الطارق جارهم أيمن. وجد جاره يقف لاهثًا وصرخ به يطلب منهم الإخلاء، جرى أكرم لأمه ليخبرها بما قال الجار، وقبل أن يصرخ قائلًا اخترقت رصاصة زجاج نافذة المطبخ وتوسطت قلب فيروز..
.
.
"انتهى الفصل الأول ، ولكن الظلام لا يزال يلاحقهم."