ما يحدث في بورما يَشيب له الولدانُ، وتقشعرُّ من فظاعته الأبدانُ؛ حيث يتم ذبحُ المسلمين بالسكاكين في حفلاتِ موت جماعية، وتُحرَقُ جثثُهم في محارقَ أشبهَ بالمحرقة النازية التي تحدَّث عنها العالَمُ وما زال، وتُهدمُ بيوتُ المسلمين فوق رءوسهم، وتُغتصب نساؤُهم دون أن يحرِّك العالَم الإسلامي ساكنًا، وكأنهم قرابينُ العنصرية البغيضة، تقدَّم فداءً لعالم إسلاميٍّ يغرِق في تفاصيل مشكلاتِه وإخفاقاته. فماذا فعلنا -نحن المسلمين- إزاءَ هذه المجازر الوحشيَّة، والتي تأنف الوحوشُ والحيوانات من ارتكابها؟! وأين مؤسساتُنا الإسلامية والدعوية والإغاثية من هذه المأساة؟! بل أين الضميرُ العالَميُّ الذي يتفاعل مع أخبار تتناقلها الميديا حول قطة أوباما، أو كلب ديك تشيني إذا ما تعرَّض لارتفاع طفيفٍ في درجات الحرارة؟!
أين الأزهرُ الشريف، مؤسَّسةُ المسلمين الكبرى في عالَمنا الإسلاميِّ الذي ينشغل رموزُه بتفاصيلَ بروتوكوليةٍ دون الاضطلاعِ بدوره الحقيقي، كملاذٍ للمسلمين حول العالم ونصيرٍ لقضاياهم؟!
نعم، هناك بياناتٌ صدرت من هنا وهناك، كبيانِ رابطة علماءِ المسلمين الذي ناشد المسلمين في بورما بالصبر، وذكَّرهم بأن البلاءَ سنَّةٌ ماضية عاقبتها النصرُ والتمكين، لكنني أزعم أننا الذين يحقُّ لنا التذكيرُ، وليس هم.
نحن الذين يجب أن نتذكَّر أن مجتمع المسلمين كالجسدِ الواحد، أو هكذا ينبغي، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحمَّى والسهر، نحن الذين يجب أن نتذكَّر أن نُصرةَ المظلوم واجبةٌ، وأن نجدةَ الملهوف فرضٌ، خاصة إذا لم يكن لهم مفرٌّ من الموت إلا الموت حرقًا أو شنقًا أو ذبحًا، وإذا نجَوْا بقواربهم الصغيرةِ نحو شواطئ بنجلاديش، فإنَّ قوات الأمن هناك تقوم باعتقالِهم؛ بحجة أنهم لاجئون غيرُ مسجَّلين بالأمم المتحدة، وأن بنجلاديش لا تستطيعُ استيعابَ أكثرَ من 30 ألف لاجئ.
تحرُّكاتنا تجاه بورما خجولةٌ لا تناسب حجمَ الكارثة الحقيقية التي ألَمَّت بهم، بضعةُ مجموعاتٍ على الفيس بوك تنادي بنصرتِهم، ولجنة كويتية مشكورةٌ لمساعدة وإغاثة مسلمي بورما، وبعض صور تستصرخ من يشاهدُها لإنقاذِ من تبقَّى من المسلمين هناك، وكأننا لا نستطيع التحركَ بمفردنا، لا نستطيع ممارسةَ الضغط السياسي والدبلوماسي إلا بمساعدةِ (الحليف) الأمريكي (النزيه)، ولا تتحرَّك حتى ضمائرنا إلا بعد أن تتحرَّكَ ضمائرُ الغرب!!