مررت ماشيا من عنده ، الزمان يتوقف هناك و كأنه لا أحد إلا أنا و هو ، كنت أهذي من هول ما أصاب العرب ، أما هو فكان يهذي من هول ما أصابه ، يتمتم ، يبكي و تارة ينوح ، اقتربت منه حتى أسمعه جيدا ، مع أن المكان كان يعمه الهدوء إلا أن ضجيج صدورنا يمنعنا من السماع ، يوهمنا بألا أحد في هذا المكان سوى رائحة الموت .
اقتربت و استندت على ذاك الجدار ، كان ينتحب بشدة و يبكي ، يتأوه و يصرخ حتى جثا على ركبتيه و كأنه خضع للأمر الواقع " يا الله ، ليتني كنت قريبا منه كفاية حتى أرحل معه ، ليتني أعود للحظة معه ، أريد أن أحتضنه و لو لمرة ، يا الله ابني يا الله " ، و من ثم انتحب مرة أخرى و و حثا التراب على رأسه .
تلك الرمال التي خلقنا منها ، هي من تطيب الجرح الداخلي ، و لكن جرحنا عميق يا الله ، فلقد ثار الطين و صار لونه أحمر ، لقد فار التنور و ضاع منا قبس موسى ، يا الله ، المعابد ضاقت من ضجيج القنابل و الدماء ، ما عادت لبنان آمنة ، بيروت تختنق يا الله ، ذاك الدخان يخنق رئتيها ، ذاك الدم يثير دموع السماء .مشيت و تركته في حالة يرثى لها ، حتى أنه لم يشعر بوجودي البتة ، آسف يا صديقي ، حال أمتنا يرثى لها أيضا ، على الأحرى لن تفيق أمتنا حتى تنفجر قنبلة أخرى في بلعومها لتفيق و تكتشف أنها لا تستطيع الصراخ .
بيروت 13 نوفمبر
أنت تقرأ
سوَادْ
Poetryأمّاه ما ذاك السّواد ؟؟. أخبريني ما هُناكْ.. إني سمعت صُراخ جارتنا جميلة تبكي و تدعو بالهلاك .. تبكي ، و تحثو الرمل فوق ثيابها و الدمع يغسل كُلّ ذاك.. شيء من شبيه الشّعر هنا بِـ دَمِي .