فتحت عيناي لأجد الكل في حالة يرثى لها ، أمي تتعالى شهقات بكائها ، أختي مطروحة أرضا مغمى عليها ، أبي في حالة لم أره من قبل و كأن تلك القسوة و القوة التي اعتدت أن أرها منه تلاشت فجأة . الجارات كن بجانب أمي منهن من تبكي و تتحسر ، منهن من زيفت دموعها مخبأة وراءها فرحا عارما ،" ما الأمر ؟ ما الذي يحدث " سألت و لم يجبني أحد ،توجهت نحو أمي التي كانت تبكي بحرقة و تصرخ " لقد رحل ابني و فلذة كبدي..رحل في ريعان شبابه و لن يعود أبدا .." ، كانت تجلس بجانبها خالتي و التي كانت أيضا تتلعثم محاولة كبت دموعها " إدع له بالرحمة و المغفرة بدل التحسر عليه ، فقد كتب الله عليه انتهاء حياته هنا "..ماذا ؟؟؟ حاولت وضع يدي على كتف أمي لكن يدي اخترقت جسدها، لا يمكنني لمس أي شيء ، حاولت احتضانها لكن دون جدوى ، استدرت نحو سريري الذي نمت به لمدة شهر و نصف دون حراك حينما غزى ذلك الفيروس الخبيث جسدي ، لأجد نفسي راقدا في سبات عميق ، وجهي و جسدي منتفخان ، أما لون بشرتي فقد تغير تماما من ذلك اللون الحنطي المشرق إلى شحوب إثر توقف جريان الدم بجسدي .صرعت من المنظر الذي رأيته ، لماذا أنا هناك ، من الشخص على سريري ، لماذا يشبهني ، أدركت حينها أنها النهاية . أكبر مخاوفي قد تحقق فعلا ، لقد انفصلت روحي عن جسدي و هاهي الآن تائهة هنا لا أحد يستطيع رؤيتها ، أردت توديع عائلتي لكن لا أحد يسمعني ، ندمت و لن ينفعني الندم ، ندمت على تلك الحياة التي كرستها للعب و اللهو و إشباع الشهوات ، ندمت على كل كلمة جارحة نطقتها في وجه والدتي التي تحترق الآن لفقداني ، ندمت على أولئك الأصدقاء ، أعني الذين ادعو أنهم أصدقاء ، على كل دقيقة أمضيتها معهم ، مستمتعين غير مبالين أن هذه الحياة فانية ، ( إن الله غفور رحيم ، لنلهو اليوم و نتوب غدا .. ) .
هذا هو الكلام الذي كان على ألسنتنا كل يوم . لم أتخد بجدية حديث أمي التي لطالما نصحتني بالصلاة لتكون إجابتي ( سأصلي غدا ). ظننت ان الموت سينتظرني، ظننت أن الدنيا خالدة ، كنت مسلما بالشهادتين فقط .
أنت تقرأ
عائد من الموت .
Short Storyأغلب سكان الأرض يعيشون حياتهم كأننا خالدون ، يعملون لدنياهم أكثر ما يعملون لآخرتهم ، ناسين أن هناك رب يراقب ، ناسين أن الهدف من خلقنا هو العبادة و الطاعة ، ناسين أن هناك ملائكة تكتب كل الأعمال التي نقوم بها ، أغلب سكان الأرض يتخدون الحياة الدنيا لعب...