علم القانون المقارن من العلوم التي لا غنى عنها لرجل القانون ، لتكوين عقليته القانونية.
وعلم الدين المقارن من العلوم المرعية الجانب في كليات الدين ﻹنارة أذهان الطلاب والباحثين ، لتفهم وجهات النظر المختلفة ، وتقوية روح النصفة والتسامح تلقاء أراء اﻵخرين وعقائدهم.
ومنذ سنوات أصدرت كتاباً مختصراً عنوانه "أديان العالم الكبرى" لم يعالج إلا بعض اﻷديان التي يعتنقها البشر في إيجاز مفرط اقتضته الظروف يومئذ.
وقد تلقاه القراء الكرام لقاءً كريماً ونفدت طبعته مرتين في زمن وجيز.
وقد أحسست - كما أحس كثيرون غيري - أن الحاجة ماسة اﻵن إلى كاتب شامل يجمع بين دفتيه أجيان العالم كلها : البدائية ، والقومية ، وأديان الهند ، والشرق الأقصى ، والشرق الأوسط.
ولم يكن بد في مثل هذه البحوث التي جمعها كتاب واحد ، من أن التزم جانب اﻹيجاز على قدر اﻹمكان ، خشية الضياع في متاهات العقائد والممارسات التي تفتقت عنها أذهان البشر ، وتعلقت بها أرواحهم على مسار التاريخ.
ومن دواعي اﻷسف أن كثيرين من كتابنا الذين يتعرضون لبحث أديان اﻵخرين ، يجنحون إلى النقد والتجريح ، وإلى الخوض في موضوعات ليسوا هم من الثقات فيها ، وأحياناً يميل بهم الغرض ، بل التعصب للعقيدة ، إلى تمويه الحقائق وتضليل اﻷفكار ، وشرح المعاني واﻷلفاظ شرحاً بعيداً عن جادة الصواب.
وفي هذا الكتاب آليت نفسي على أن أتجنب كل نقد أو تجريح ، وأن أصور اﻷديان على النهح العلمي ، لا كما يؤمن بها الكافة والبسطاء ، بل كما يؤمن بها الخاصة من المثقفين.
وذلك ﻷن بين جماهير الكافة في كل نظام من النظم الدينية لا نجد إلا قليلاً مما نقدر على إخراجه من دائرة الوثنية الوضيعة ، واﻵداب الرخيصة ، والتخوف من اﻷرواح الشريرة.
ولم أراع أسوأ ما في عقائد اﻵخرين بل أفضل ما بها ، يقيناً مني بأن في كل دين من دلائل المثل العليا ، ما تستطيع النفس أن تنهض به للوصول إلى اﻷخلاق الكريمة.
وفي كثير من المواقف استندت إلى مقتبسات من أقوال العلماء والمفكرين ورجال الشرع من أصحاب اﻷديان المختلفة ، دون أي تعليق أو تعقيب من عندي ، وتركت لحصافة القارئ الكريم التمييز بين الحق والباطل ، والتفكير الذاتي في هذه البحوث.
وكمسيحي أؤمن يقيناً وفي حماس ، أن دين المسيح يشبع حاجات اﻹنسانية ويستجيب إلى صرخاتها الصامتة.
وأن المسيحية لا تفكر ولا تبطل "كل ما هو حق وجميل وجليل" في أي دين من أديان العالم ، وأن ليس شيء من الحق في أي دين آخر لا نجده في المسيحية ، بل إن الرؤى التي رآها البشر في مختلف العصور بصور باهتة داكنة ، والتي تاقت إليها اﻹنسانية مدى اﻷجيال ، نراها متلمعة في المسيحية ، ناصعة البيان ، قوية الوضوح ، ذلك ﻷن الدين ليس كفاح اﻹنسان في السعي نحو الله وحسب ، إنما هو أيضاً إعلان الله ذاته للإنسان.
والحق ، كانت رحلة فكرية ممتعة ، تلك التي قمت بها متتبعاً عقائد البشر في اﻷديان الفطرية الساذجة ، إلى أرقى اﻷوضاع والعقائد التي أشرقت بضيائها على العقول والقلوب.
وها أنا أقدم هذه الرحلة إلى قرائي الكرام ، راجياً أن يجدوا فيها متعة ودراسة ونفعاً ، داعياً أن يكون هذا الجهد الذي بذلت مرضياً عند الله ، ومقبولاً ومثمراً عند القراء الكرام.
المؤلف