تك .. تك .. تك

98 7 2
                                    

هذه القصة كتبتها قبل سبع سنوات

وأجدني أقع في حالتها الشعورية مرات ومرات رغم اختلاف المسببات

هل يا ترى نكبر وتبقى فينا رغم التهذيب بعض الأصول

أم أننا نضعف أمام الحياة فتختل الصروح التي شيدناها لنبقى أقوياء

لعلي الآن أدع ما في نفس الكبيرة مخبئا ، وأترككم مع اجين الصغيرة :

[١]

تك .. تك ..

كما تمر دائماً خاتمةُ أيِّ صيف ، أفتح عينيَّ بصعوبةٍ لأتأمل القطرات المتساقطة من جهاز التكييف ، وهو يلقي بأثقاله بعد جهدٍ وصبرٍ طويل على حرارة شهر حزيران ، قطرة تلو الأخرى يتواتر الصوت في أذني ويلتف حول أعصابي المتعبة وأنا في محاولة بائسة للعودة لنوم لم يتجاوز سوى سويعاتٍ قلال .

تك .. تك ..

غموض القطرات و هدوء حلولها الصامت .. أحدث جلبة مدوية في رأسي ! جعلتني أدور وأدور وأدور في دوامة كبيرة ، خرجت منها و حدث أن راودني سؤال عجيب : أين أنا ؟

تكورت على نفسي في زاوية السرير .. وأحطت رأسي بذراعي لعلها تصد الصوت المتواتر الذي بدأ هذه المعضلة ، كنت ما زلت أسكن حينها ذلك الخط الرفيع الفاصل بين الحلم والإدراك .. حتى كشرَّ صوت المنبه المزعج عن أنيابه

الساعة الآن ؟ الخمسمائة واثنان وأربعون .. منذ وفاة بشرى

لم أقدم على شيء سوى تأملي تلك القطرات وهي تنساب .. فترتطم فترتد .. بالأمس كنت أراها سقوطاً حراً .. كما أرادت المعلمة أن تحشر رؤوسنا العام الفائت .. حتى أحسب الزمن الفاصل مذ تحررت حتى ارتطمت .. إلا أنها اليوم تبدو مختلفة ، لماذا تعلقت نظراتي بتلك القطرات ؟ شيء فيها عجيب جداً يشدني ولا أعلمه .

[٢]

تك .. تك .. تك

الصوت يعود هنا للتربص بي عند الصنبور الذي قرر أن يباغتني اليوم بعدم كفائته

رفعت رأسي للمرآة لأرى وجهاً هائما لم أعهده مني ، غسلت وجهي مراراً ومراراً لعل ملامح الخوف والحزن العجيبة تختفي

أغلقت الصنبور بأنفاسٍ متسارعة ، و لا أدري أهو صوت قطرات الماء لا يزال في أذني يتتابع ، أم أنها ضربات قلبي العنيفة ، نظرت مجدداً في المرآة وتحسست وجهي وهو يصعد ويهبط بأنفاسه ، بحثت فيه جيداً عن وصمة طبعت باسم ( كبيرة ) ، تجولت بنظري في تفاصيل وجه غض ، إلى احمرار وجنتي المتخمتين بالهلع ، وعيني المثقلة .. فأغمضتها بشدة لأفتحها على وجهي الشاحب ذاته ، فأمضي وأفتح خزانتي ، أنظر للمريول و أشيح عنه بما لا أدري من شعور ، وأرتدي ما تنص عليه قوانين الـ "ثانوية"

فاليوم .. اليوم سوف أذهب وحدي ، دون بشرى .

[٣]

تك ....تك .....تك .....تك

أوه .. هذه مختلفة ! تنساب ببطئ .. أيمنعها خوفها أن تسرع ؟ ربما فضولها أسقطها فتحاشاها الناس؟ أفي هذا الممر المزدحم تحشر نفسها بحماقة ؟ ولماذا يهمني أمرها ؟

كل شيء يعود بي الى صبيحة اليوم ولا يدركني السبب ، إلا أنني اليوم واجمة منذ شهدت أول قطرة في غرفتي

- أنتم جيتم المدرسة تتلعبون ؟ حركات المتوسط ما نبغاها تحركي قدامي أشوف على القاعة
باغتني من وجومي صوت نبرة غضب هذه ( الكبيرة )

- تسمعين إنت اللي هناك ؟!
بوجوم ، ودون سبب ، وقفت أرقبها بنظرة لم أفسرها حتى أنا

- أتكلم أنا ! تحرَّكي على القاعة
أشفقت عليها من احمرار وجهها الغاضب ، ورحت أجر خطاي مع تباعد صوت القطرات

[٤]

تتتك .. تتتك .. تك تك ... تك

ابتسمت وأنا أسكب الماء على الرصيف بحذرٍ شديد ، قطرة قطرة تمر السيارات مسرعة أمامي وهي تصدر طنيناً مزعجاً لا يمتزج أبداً مع هذا الصوت المتواتر ، هناك شيء تملكه هذه القطرات ، شيءٌ أضعته ..

كنت بشوقٍ أنتظرُ وصول السائق ليعود بي إلى أول قطرة سمعتها في غرفتي ، لعلي أدرك بها أمر الهمسات التي تحملها كل القطرات المتساقطة من الأماكن التي مر بها قلبي اليوم ، هذه القطرات بالتأكيد تحمل سراً ، هناك شيءٌ تريد إخباري به ولا بد أن أعود لأول قطرة ، حتماً هناك سأفهم .

[٥]

هرعت إلى غرفتي .. ليفاجئني زوج أمي يخرج منها مبتسماً ..

- هلا بابا .. ترى صلحنا المكيف !
- صلحـ .. صلحته ؟
وتلاشت الأصوات ..

ابتسمت بحزنٍ و أغلقت الباب بهدوءٍ شديد ، وضعت كل جسدي المثقل خلفه .. وانسابت قطرة مختلفة

بللت بسمتي

تك .. تك .. وأصبح الصوت مألوفاً ..

وحينها فقط أدركت أن الأمر بدأت حكايته .. مذ أردت أن أبكي .

انا.."حيث تعيش القصص. اكتشف الآن