كتاب رأيت رام الله للشاعر والكاتب مريد البرغوثي
*** الجسر ***
اسمعُ طقطقت الخشب تحت قدمي . على كتفي اليسرى حقيبةٌ صغيرة . امشي باتجاه الغرب مشيةً عادية . مشيةً تبدو عادية . ورائي العالم , وأمامي عالمي
______
لكنني أعرف أن الغريب لا يعود أبداً إلى حالاته الأولى . حتى لو عاد , خَلَصْ , يصاب المرء بالغربة كما يصاب بالربو , لا علاج للاثنين . والشاعر أسوأ حالاً لأن الشعر بحد ذاته غربة .
_____
أحب القصيدة وهي تتخلق بين أصابعي وتتشكل صورة بعد صورة , حرف بعد حرف . بعد ذلك يبدأ الخوف ويهرب اليقين . تنتهي عندي تلك اللحظة الراضية التي يسمونها ( فتنة الخالق بالمخلوق )
_____
إنني لا أشكرك أيها الجسر القليل الشأن والأمتار , لست بحراً ولست محيطاً حتى نلتمس في أهوالك أعذاراً . لست سلسلة جبال تسكنها ضواري البر وغيلان الخرافة حتى نستدعي الغرائز والوقاية من دونك , كنت سأشكرك , أيها الجسر لو كنت على كوكب غير هذا وعلى بقعه لا تصل اليها المرسيدس القديمة في ثلاثين دقيقة . كنت سأشكرك لو كنت من صنع البراكين ورعبها البرتقالي السميك . لكنك من صنع نجارين تعساء , يضعون المسامير في زوايا الشفاه والسيجارة على الأذن . لا أقول لك شكراً أيها الجسر الصغير . هل أخجل منك ؟ أم تخجل مني ؟ أيها القريب كنجوم الشاعر الساذج . أيها البعيد كخطوة المشلول . أي حرج هذا ؟ انني لا أسامحك وأنت لا تسامحني .
_____
هنا . على هذه العوارض الخشبية المحرّمة , أخطة وأثرثر عمري كله لنفسي . أثرثر عمري , بلا صوت وبلا توقف .
_____
قلت لنفسي : لماذا يظن كل شخص في هذا العالم أن وضعه بالذات هو وضع ( مختلف ) ؟! هل يريد ابن ادم ان يتميز عن سواه من بني ادم حتى في الخسران ؟
_____
في قبضته تراب , وفي قبضتنا سراب .
_____
الحارس فيها يحرس وطننا . منّا !
_____
أي أنقاض خرجت منها طفولتهم الى رجولتها بلا اذن من القتلة ؟
_____
بوابةَ الأبواب
لا مفتاح في يدينا . ولكنّا دخلنا
لاجئين الى ولادتنا من الموت الغريب
ولاجئين الى منازلنا التي كانت منازلتنا وجئنا
في مباهجنا خدوش
لا يراها الدمع الا وهو يوشك أن يهيلا
_____
( يا أخ ) هي, بالتحديد , العبارة التي تلغي الأخوة .
_____
في السيارة , أبدو كشخص أصابه الخرس . أم أنني بالفعل أهذي عمري وأثرثر دفعة واحدة على مسامع نفسي فأكون منها كما يكون المصاب بالحمى , تظنه نائما أو صانتاً بينما كل جسده حكايات ؟
_____
قد يخنقك المجرم بشال من الحرير وقد يهشم رأسك بفأس من الحديد ..
وسيضمن مصرعك في الحالتين .
