الخيط الفاصل بين جحيم الحياة و صقيع المجهول ذلك ما تترنح عليه الان نار الحقيقة ابتلعت كل الأوهام والقيود لتنبعث شرارة التغير .
خففت من جماح قدميها الثائرتين عندما وصلت الى الحدود المحرمة تلك التي يقبع الخوف والظلام بين ثناياها المجهولة , المستقبل يفتح ذراعيه من بين اغصان الأشجار المحتشدة والماضي ينهار على ضوء المشاعل الملتهبة , خوف ازلي يهتز بين جدران قلبها و ينتشر في عروقها مع كل نبضة , أرجأت بصرها الى الخلف , فلمعت عينيها ببريق النصول القاصلة ودروب من شظايا الخشب المتطاير , الجياد ذات الأجساد اللامعة تغرز حوافرها المهلكة عميقا في الصخور الناتئة , اعين ملؤها الغضب والحقد , قلوب متعطشة للدماء , وحشيه البشر و ظلمهم ملئ الافق في لوحة مفرطه القسوة
'' الموت خلفي و الظلام البارد يقبع امامي '' همهمت بأنفاس لاهبة , سرقت نظرة الى الخلف , طرق سمعها عويلهم الحانق, عبت الهواء المثلج , استنشقت عبق النيران المتمايلة بين الرياح العاصفة , رفعت يديها الى صدرها و ردد كلمات محببه كتعويذة نجاة ازليه '' النيران تكشف الحقيقة دائما '' استشعرت قلبها المحترق و في تمرد عجيب على ذاتها و مفاهيمها و على المجتمع الغابر خلفها , رمت بجسدها الى اذرع الظلام .
لفها الظلام فتوهج قلبها اكثر فأكثر , و أعاد صوت تراشق السهام عزيمتها اقوى , جرت بأقوى ما تستطيع , لم تكن تجري وراء صديقتها ولم تكن تجري للمعبد حتى مثل ما اعتادت القيام به , هذه المرة جرت لتستقيم حياتها وحياتهم جميعا .
جرت تحت وابل السهام , واحتضنتها اغصان الأشجار ، تلك التي خافتها يوما , توغلت عميقا بين الأشجار العملاقة وبين شباك خوفها أيضا , خبت الأصوات المهتاجة ، طقطقة النيران المستعرة , و انين الأشجار تحت وابل السهام , كل شيء اصبح بعيدا وغريبا و لم يبق الا أنفاسها المتلاحقة و قلبها المضطرب , لم تر الا ظلال مشوهه لأشجار عملاقة , ترنحت على الأرض الترابية , لترمي نفسها تحت جذع شجرة موغلة في القدم , تكورت حول نفسها واجهشت بالبكاء , انسلت ذكرياتها من بين شباك الخوف التي أحاطت عقلها , لتتذكر اخر صوره محببه للضوء والحياة والراحة السعيدة .
كانت ليلة صيفيه جميلة تزين سمائها جواهر براقة , بتلات ترفه تطير مع النسمات الحريرية , اريج البرتقال يملأ المكان بعطره الساحر , من بين النسمات الرقيقة تحركت بخفة , خطوات قلقة طرقت الأرض الحجرية , بالكاد اخفت ملامحها تحت القماش المذهب , تسللت من بين الازقه , حتى رأته شامخا وسط الافق الموشى بالنجوم , سارت بخطوات اكثر ثباتا وعزيمه , خلعت نعليها ودخلت الى المعبد الرخامي العملاق , وقفت في منتصف البوابة المنقوشة وراحت تتلو العبارة المخطوطة بعناية فائقة وسط الرخام الأبيض القاسي '' في احلك الأوقات الايمان ينيرك '' استنشقت رائحة الزهور المخملية , رائحة الخشب الأبيض المزخرف , طردت قلقها وشكوكها وراحت تتمايل بخفة كما اعتادت من قبل , عانقتها رائحة دخانية محببة , فتحت عينيها وركعت امام النيران المتأججة فتمايلت كترحيب , رنت بعينيها اليها ثم دنت الى حتى دخلت المحراب المزخرف بأجود الزخارف واجملها , مزين بزهور النرجس و الاقحوان ، أكاليل الورد الربيعي تنثر اريجها , ازاحت الستائر المذهبة بأمجاد القدماء , وركعت مجددا امام النيران الازلية , لطالما كانت تجلس هنا في أوقات فرحها و سعادتها , لكنها الان تدنس ذاكرة النار حزنا, يأساً وحيرة .
ترقرقت حدقتيها الزمرديتين بالدموع , شهت شهيقا متقطعا , وبعثت زفيرها كلمات متبله بالحرقة التي تسكن اعماقها , صلت بأقصى ما تستطيع من خشوع , صلاتها الأخيرة '' آهورامزدا العظيم بنارك الحكيمة اضئ طريقي الحالك وساعدني بالخلاص وصلتني رؤياك ونبوءتك , اني انزلق الى الظلمات آهرمان يسيطر علي , ساعدني وانقل الي الحكمة لمواجهتهم '' ذرفت دموعا كثيرة وراحت تتأمل النيران , تغوص في اعماقها الحمراء , ألفي سنه عمر اللهب المتراقص , ألفي سنه من الذكريات يا ترى كم شخص بث همه لها ؟ وبكى عندها؟ وكم من فتاة رقصت امامها؟ تسألت في داخلها كثيرا و راحت تنسج الحكايات من دقائق الرماد السابحة في رحم الهواء .
سرحت في رقصة النيران حتى انطلق وعيها ليرقص رقصته البهيجة , اعتمت العينين الجملتين , وغاصت في آماد الخيال الواسعة , حتى انها لم تعي الأصوات خلفها , أعاد جملته عدة مرات حتى افاقت ,وادركت النبرة المبحوحة , سمعته يقول بهدوء مجددا '' خورشيد , هل حملتك الريح الطيبة ألي في هذه الليلة الصافية؟!!'' و بينما كانت تلتفت اليه اردف في قلق اكبر انعكس في نبرات صوته المتهدجة '' هل حامت حولك شياطين القلق يا أبنتي , غداً زفافك ولا يجب عليك السهر ..'' رفعت عينيها الغائمتين نحوه تأملت وجهه القلق ولحيته البيضاء التي استحالت ذهبيه تحت وهج النيران , نظر في عينيها وفقه اسرارها سكن جسده للحظه , ثم راح يمشي نحوها وهو يمسد لحيته الطويلة , انحنى امام النار ثم جلس على مقربه منها , حمل قطعه الخشب البيضاء المصقولة و سجاها داخل النيران ببطء و توازن , اومئ لخورشيد , فاقتربت وحدقت بالأسطوانة الخشبية الناصعة تتفحم ببطء و بينما تأكل النيران جلدها البراق , انتشرت رائحتها العطرة في الجو , تذكرت خورشيد شعورها القديم بالزهو عندما رأت الخشب اللامع المحمل على متن القوافل الاتية من الشرق , المراكب الوحيدة المسموح بدخولها , يومها ترجت الكاهن طويلا ليوافق على ان تسجيها داخل النار , لكنها حزنت كثيرا لحظه رأتها تتفحم مخلفة ورائها رمادا اسود داكنا .
لم تفهم ما المغزى وراء ذلك , فالتفتت نحو ارانو الكاهن و حدقت به فسألها مستفهماً
'' خورشيد لم نقدس النار برأيك '' استغربت من سؤاله الغريب ونظرت نحوه مرتبكة فأبتسم لها مشجعا '' لأنها مجد الحكمة '' رددت كما تعلمت دائما , لكنها دهشت ايما دهشه عندما هز الكاهن رأسه نافيا , سكب انتباهه الى قطعه الخشب المحترقة ونطق بخفوت '' لأن النار تكشف الحقيقة دائما '' رددت كلماته بصوت رتيب , ونظرت اليه بدهشة , ابتسم في وجهها ثم قال بنبرة حملت العطف والمحبة '' الحرية باهظة الثمن عزيزتي '' نظرت اليه وهو يستقيم مستغربه ثم ادركت كل شيء و صاحت غاضبه '' لقد اخبرتك اليس كذلك ؟ '' ثم حولت عينيها الى الارض و ذرفت الدموع قائلة '' ماذا يجدر بي ان افعل ؟ انا فقط لا استطيع '' غلفت وجهها بكفيها و راحت تنتحب باكية , احنى رأسه وهمس قرب اذنها , كلمه واحدة حددت مصيرها .
أنت تقرأ
شرارة شمس
Fantasíaنيران قلب محمل بالياسمين ابدا ستكشف الحقيقة التضحية طريق الخلاص وفوق الجبال يكمن مبتغاها خورشيد __________ القصة خياليه بالكامل تابعه لمسابقه العلامه