مع حلول الظلام، خرجت مايسي تواجه هواء الليل البارد..والقمر لا يزال يرتفع ببطء..وقد بدا ابيض كالعظام تتخلله بضع غيمات بيضاء، من خلف المنتزه على كتف التل.سارعت خطواتها...وعند الزاوية ترددت اذ لم يكن هناك اي ضوء سوى المنبعث من مصابيح الشارع الطويل امامها...وتناهى اليها صوت الموسيقى وقرقعة الكؤوس من مقهى قريب..ونظرت الى البعيد، نحو البيوت البيضاء المرتفعه امامها...كانت تتوقع ان تجد كورد مسافراً..لكن سكرتيرته قالت انه عاد فجأة وانه لا يستطيع رؤيتها سوى هذا المساء،وليس في مكتبه بل في منزله
توقفت مايسي عند الباب..فالوقت لم يحن بعد.ولا زال بإمكانها تغيير رأيها..لكنها اجبرت نفسها على فتح الباب..احست بمعنوياتها ترتفع قليلا وهي تصعد السلم نحو الرواق المسقوف العريض، وضغطت على زر الجرس...لا بد انها كانت غبيه لحكمها المسبق على كورد لمجرد ذكريات الطفولة. فهو الان رجل،ولابد انه تغير، بالتأكيد، وإذا استطاعت ان تشرح له..فقد يساعدهما.
فتح الخادم الباب:
" آنسه هاريس؟ ".
وادخلها الى ردهة واسعة مضاءة.
" سيكون السيد باكلير معك بعد لحظات،انتظري هنا اذا سمحتِ..هل آخذ عنك معطفك؟ ".
قادها الى غرفة استقبال كبيرة، وانسحب بصمت..ونظرت مايسي بقلق حولها..لا بد ان كورد رجل غني جداً؟ سجاد صيني..اثاث اثري..احد الجدران مليء برفوف الكتب من الارض الى السقف..ستائر قرمزية قاتمة بلون الدم تظلل النوافذ التي تطل على المنتزه..وتحركت ببطء الى الداخل لتقف قرب النار المشتعلة في المدفأة
" آنسه هاريس ".
استدارت مجفلة...ثم تجمدت.تحدق عبر الغرفه غير مصدقة هذا الرجل الذي نطق اسمها،دخل الغرفه بصمت..يقف على بعد خمسة امتار منها تقريبا.يداه في جيبي بنطلون بذله رسمية وأحست بالدم يتصاعد الى وجهها..ثم قالت متلعثمة:
" لست افهم..لابد من وجود خطأ ما ".
فقطع الرجل الغرفه دون ان يبتسم ليقف على بعد خطوه منها:
" ليس هناك اي خطأ..لقد التقينا هذا الصباح، ام انك نسيتِ بسرعة؟ "
" اعرف..لكن..لا بد ان هناك سوء فهم ما ".
ابتسامته كانت متجهمة:
" ما من سوء فهم..ربما يجب ان نتعارف..فأنا كورد باكلير ".
ترنحت مايسي..ولم يحاول الامساك بها.لكنها وجدت الطاوله خلفها فأستندت اليها للحظات، تحدق فيه..بالطبع! كيف يمكن لها ان تكون غبيه؟لو لم تكن متوترة الاعصاب ومشغولة التفكير،لما ارتكبت تلك الحماقة. صحيح ان عيني ليو رماديتان ايضا، إلا انهما لم تحملا هذه البروده قط. فمه كان دائما ضعيفا، وكأنه فم فتاة، وليس قاسيا لدرجة الوحشيه مثل فم هذا الرجل.والصوت،كيف يمكن لها ان تنسى الصوت الخالي من المشاعر،حاد،جميل لكن خشن..فهو صوت محام لامع على كل الاحوال..لقد نظر اليها هكذا مره..بنفس الطريقه
الذكرى اعطتها الشجاعه.فأستوت في وقفتها وخطت الى الامام،تقول بهدوء:
" سأذهب اذن..لا فائده من بقائي الان ".
" أتظنين هذا؟استطيع القول، من وجهة نظر شقيقتك.ان في بقائك اكثر من فائدة، آلا تظنين ذلك؟ ".
تحرك بكسل، دون تردد، حتى اصبح يسد عليها طريقها..فاضطرت لرفع بصرها إليه فقال:
" ترغبين في تفسير دون شك؟ فالنساء عادةً يطلبن هذا ".
اكمل طريقه ليجلس الى كرسي قرب النار، دون ان تترك عيناه وجهها.كانت كلماته تؤلمها، فاستدارت اليه تدافع عن نفسها:
" الا تظن انك مدين لي بتفسير؟ ".
فهز كتفيه:
" ربما..وهكذا كلانا مدين..اليس كذلك؟ ".
ببطء اختارت كرسيا قبالته، وجلست.كان المقعد مغطى بالمخمل الأحمر وهي تجلس انفتلت تنورتها السوداء لتشكل هاله فوق اللون الاحمر..فابتسم:
" هل اخترت هذا الزي خصيصاً؟ ".
" لست ادري ما تعنيه ".
" بل اظنك تدرين بالضبط ما أعني انه رزين محتشم..اسود اللون،كثياب الراهبه.هل ظننت انني قد أتأثر به؟ ".
" لم افكر بشيء من هذا مطلقاً ".
" لكنني واثق انك فكرت، فكما يبدو لي، انك فكرت بدقه بهذا اللقاء ".
" لقد فكرت باللقاء..ولكن ليس بمظهري ".
" حقاً؟هذا مختلف عن تفكير بنات جنسك!فهن لا يتصرفن هكذا عادةً ".
" لقد جئت الى هنا اطلب عونك ".
" طلب عوني؟ هذا الصباح قلت عني انني لا اساعد رجلاً يحتضر في الشارع. انها صوره حيه، ولو ان الوانها مبالغ فيها لكنها مناسبة. هل تودين شرب شيء؟ ".
" لا..شكرا لك ".
" كما تشائين ".
ثم وقف قرب المدفأة، عمداً كي تضطر الى رفع نظرها اليه وابتلعت ريقها بصعوبة..بما انه لن يساعدها،وهذا واضح، فالأفضل ان تتكلم..ومالت الى الامام.
" لماذا لم تقل لي هذا الصباح..من انت؟ ".
" لأنني لم اختر ذلك".
" كان بأمكاني ان اوفر وقتي، والكثير من سوء الفهم ".
" ممكن ".
" كان يجب ان اعرفك.لكن..مضى زمن طويل لم نلتقِ فيه، وأنت لا تشبه ليو ابدا ".
" لا..لقد اخترت الذهاب اليه..لكنك دائما كنت مغرمه بليو ياكايسي..ومذ كنت صغيره ".
" لقد ذهبت اليه،لأنني ظننت انه سيفي بوعده لابيغال ويساعدها ".
" وعندما،كما ظننت، لم يفعل،جئت راكضه اليَ.ماذا كنت ستعرضين علىّ..ان تخبريني قصصا عن اخي؟ ".
" اذا كان هذا ضروريا..لست اهتم بما فعل..فاهتمامي الوحيد هو مساعدة ابيغال..ومسح كل اثر لما فعلت ".
" بداءاً هذا غير صحيح..فكما عرفنا هذا الصباح، انتِ تهتمين بما تفعلين.واهتمامك بأختك له حدوده..اليس كذلك؟ ".
وأحست مايسي بالخوف يتصاعد في داخلها من جديد..لن يعيد طلبه الان..بالتأكيد.
ضمت يديها معا امامها بتوتر،واجبرت نفسها ان لا تجفل،ولا تشيح بنظرها.
" اجل..له حد واحد..كما تحب ان تسميه ".
فأبتسم ورفع يده يمررها على خده حيث صفعته:
"كم انت متزمته! اتظنين انني سأخدع بكل هذا ؟هذا الثوب..تصرفك هذا الصباح ؟اوه لا..بالنسبة للتمثيل كان تمثيلك رائعاً.لكنه لم يقنعني! ".
فوقفت:
" هذا لا علاقة له بموضوعنا..كورد..ارجوك ".
لاحظت انه اجفل لذكرها اسمه مجرداً، وبدا على فمه دليل الاشمئزاز..فتقدمت منه وكررت:
" ارجوك..اعرف انك تكرهنا.اعرف انه لاشئ يدفعك لمساعدتنا..لقد اخطأت آبيغال..".
فقاطعها:
" مافعلته يسمى اختلاساً..كما يشمل السرقه.قمت ببعض التحقيقات بعد خروجك..اي بعد ان بُلغتُ بالقضية ".
" اعرف هذا! واعرف انه يجب معاقبة ابيغال..لكن الا ترى؟لقد نالت عقابها..لقد اعياها القلق فمرضت وهي تدرك فداحة ذنبها..".
فضحك بازدراء:
" هذا لأنها تخشى افتضاح امرها..لا تكوني ساذجه مايسي..لو لم اظهر أنا فهل كنت تتصورين حدوث ذلك لها؟ابيغال كانت ستستمر بكل سعادة في اختلاس مال المرأة المسكينة قدر المستطاع..هي ليست نادمه..انها خائفة ".
" هذا غير صحيح! لقد فعلت ما فعلت بتهور وطيش وندمت عليه، حتى قبل ان تطلب الجرده بوقت طويل...".
" طيش؟تصرف شيكات تزيد قيمتها عن اربعة ألاف دولار في ثلاثة أشهر وفي فترات محسوبة بدقه؟وتسمين هذا طيشاً؟ ".
" لقد..احتاجت المال! ".
" لماذا؟هل كانت تتضور جوعا؟هل لديها طفل تريد اعالته؟الم تستطيع دفع ايجار الطبيب ؟الم تقدر على شراء الطعام؟لا تتذرعي بهذا؟لقد عرفت نساء في اوضاع مماثله لِما ذكرتها أُرسلن الى السجن ثلاثة اشهر،وانت تحاولين اخراج ابيغال من المأزق دون عقاب؟لماذا بحق الجحيم يجب ان تنجو بفعلتها؟اتسمين هذا عدالة؟ ".
فاخفضت رأسها:
" لا..ليس عدالة! ".
" ماذا تسمينا اذن؟ ".
" لست ادري..العفو، الرحمة سمها ما شئت..".
" اتعلمين ماذا اسميها؟اسميها الرشوة للنجاة.شقيقه لديها ما يكفي، رقيقة الإحساس تظن نفسها قادرة على تخليص اختها او مسح كل ما فعلته، او جعل صحيفتها نظيفة..انه نظام خاص للأغنياء وآخر للفقراء. اللعنه على كل هذا..انه يسقمني".
نظرت اليه مايسي بهدوء، تحس بالدموع تقتحم عينيها.والقلق والخوف على ابيغال يتصاعد في نفسها،وقالت:
" حسناً..ما الذي تريد حصوله؟ ".
" اريدها،كما غيرها ان تواجه عاقبة عملها ".
" أتدمر حياتها؟انها لم تتجاوز العشرين من عمرها..ارجوك كورد..ألا ترى هذا؟ لقد اخطأت، لكنها تعرف خطأها الان.ولن تكرر مافعلت..ولديها فرصة مع شخص يمكن ان يجعل حياتها سعيدة، لتعويضها عن كل آلام الماضي.ما حصل كان ذنبي جزئيا..لو انها مرت بطفولة عادية ".
ودوت ضحكته ساخرة فصاحت به بحده:
" لا تضحك!انت تكلمني عن الحرمان عن اشخاص ".
يائسين ليس لديهم معنويات للحياة..حسنا هناك انواع اخرى للحرمان!آبيغال لم تعرف امها كثيرا، وبالكاد ترى ابيها، ولم تحظ بالحب وهي طفله..وإذا كانت حمقاء غير مسؤوله بعض الأحيان فهناك اسباب..ألا تفهم؟
" لا..لست افهم. فلا تقصي علي قصصا باكية، فهي لم ينقصها شيء ".
" بل كان ينقصها الحب ".
لاحظت تغييرا في تعابير وجهه.وظنت انها شاهدت شيئا مختلفا، نوعا من العطف في عينيه الرماديتين الباردتين..وسرعان ما تلاشى احساسها حين تقدم منها بسرعة لاوياً فمه:
" كانت تريد الحب؟ ".
مد يده وامسك ذراعها بعنف ليشدها اليه ويقول:
" سأقول لك شيئا مايسي..اتعلمين بمن تذكريني في هذه اللحظات؟ وبمن ذكرتني هذا الصباح،عندما انحنيت فوق الطاولة بنفس التعبير الآمل المتوسل الظاهر على وجهك الان؟ لقد ذكرتني بأمك..".
" بأمي؟ لكنني".
" اوه اعرف انك لا تشبهينها..لكنك مثلها، الست هكذا مايسي؟حيث لا يظهر ما في داخلك سوى في عينيك.يا إلهي..كم اكره عينيك! لا استطيع تحمل رؤيتهما، ودفعها بعنف عنه، واكمل...".
" لقد رأيت هذه النظره لدى أمك عندما جاءت زاحفه الى امي تختلق الاعذار والأكاذيب اللعنه! ياإلهيَ!".
وغطى وجهه بيديه:
" لن انسى تلك النظره مادمت حياً..قالت لها "سامحيني..سامحيني..لقد تسببت بتحطيم زواجك..وأنا اسفه جدا على ولديك وعلى زوجك وما فعلته معك ".
كان يقلد ساخرا صوت امها..ولهجتها الايطالية الغريبة حتى ان مايسي تذكرتها..وكأنها معهما في الغرفه..تقدم منها ثانية وامسك بخصرها، يضغطه بين ذراعيه ليكمل:
" كانت تتوسل لغاية في نفسها،واستخدمت ذلك التوسل كما تستخدمينه الان..يا الهي..لقد عرفنا عنها كل شئ..طفولتها في الازقه، عشاقها الكثيرين،ثم الرجل الذي احبها وساعدها..ابي، الذي ترك زوجته لأجلها تخلت عنه بعد ستة اشهر،بعد ان حققت الدمار في عائلته...".
" توقف !انت تقلب الحقائق..هذا غير صحيح".
" وماذا تعرفين انت؟ ".
" كنت لا ازال طفله! وكانت ابيغال رضيعه! وليس لها علاقة بما حدث..ليست مسؤوله عن اي شئ! كل ما ستفعله..هو القاء انتقامك عليها..وتكلمني عن الحق والعدالة..هذه ليست عدالة..انها الكراهية! ".
ساد صمت رهيب في الغرفه. وللحظات ظنت انها اثرت عليه..وان كلماتها خرقت قوقعة ذكرياته..لتلمس خزان غضبه.وبدا محيرا، لأول مره، فاستدار عنها..وقال باختصار وظهره لها:
" ربما..ربما! ".
ترددت قليلا، ثم امسكت بكم سترته، فلم يستدر، وقالت:
" كورد..ارجوك! ".
بدا صوتها المصدوم غريبا على اذنيها حين تكلمت بصعوبة.
" استطيع التحدث عن كل ما اذكره وكما اشعر به فقط..فانا لم اكرهك يوما..انا اسفه..انا اسفه تماما لما تشعر به لكنني ارجوك ان تنساه الان وتساعدنا ولو مره واحده "..
وتنهدت:
" اذا لم تساعدنا..فلا مكان لي غيرك الجأ اليه..ارجوك..لا استطيع سوى الطلب..التوسل..".
فاستدار..وقال ببرود:
" لقد طلبت هذا في الصباح ".
" اطلبه مجددا ".
ودفع يدها عن ذراعه:
" وقلت لك الثمن! ".
" ماذا ؟لا يمكن ان تعني ما تقول!انا..لقد ظننت ان في الامر مزاح..او نوع من...اللعب..".
" ليست لعبه..وعليك ان تقرري من الذي سيدفع الثمن عن عائلتك انت ام شقيقتك..عليكم تسددون بعض الديون ".
" وعدتك..بإعادة المال".
" لست اتحدث عن المال..سمها عدالة قاسية سمها ما شئت! فانا اعتقد ان هذا يوازن معادله قديمه..الا تظنين هذا؟ ".
" معادله قديمة ".
وساد الصمت مجددا، ليحدقا ببعضهما..وأحست مايسي بشئ يرتفع ثم يتحرك في قلبها، شيء قديم جدا..قوي جدا..اخافها جدا، فقالت:
" لا افهم ماتعني ".
" بل تعرفين ما اعنيه بالضبط..اليس كذلك مايسي؟ ".
حاولت التراجع عنه، لكن قبل ان تبتعد كانت ذراعاه قد التفتا حولها، ليحضنها دون جهد، لم يجبرها..بل امسكها بحيث لا تستطيع الحراك..ثم بلطف مدهش رفع رأسها اليه كي ينظر الى عينيها الواسعتين الخائفتين.وسألها:
" اهناك رجل في حياتك مايسي؟هل يشكل هذا خيانة لأحد ".
" لا ".
" لا تكذبي! ".
" لا اكذب! ".
" حسنا ".
انفرجت شفتاها لترد عليه لكنه احنى رأسه ليدفن وجهه في شعرها. يداه دافئتان ناعمتان، ارسلتا رعشه عنيفة في كل جسدها...فلم تقاوم وأحست بيديها عالقتين بينها وبينه..متوترتان..ثم مسترخيتان..وتنهد كورد، بطريقه لم تسمعها من قبل. وأحست بتوقه الغريب لها..وأخذت مشاعرهما تتواصل وكأنها تيار كهربائي، تسللت قوته الى داخلها دون مقاومة، تطالب بالتجاوب...وسمعت نفسها تتأوه، فشد عليها أكثر، يمرر يداه على ظهرها الى ان وصلت احداهما الى شعرها الطويل الكثيف،ورفع وجهها اليه كما ترتفع الزهره نحو النحله لترتشف رحيقها.
كان عليها ان تقاوم..ان تبعد رأسها عنه..فلم تستطع. شيء ما استيقظ في داخلها شيء مدفون منذ زمن ظنت انه انتهى...قوه هائلة قفزت في داخلها اتيه من أعماقها، كالرسالة اندفعت الى دمها، قلبها، ثم الى ذراعيها.. وسمعته يقول وكأنه يبعد عشر سنوات:
" مايسي..اتذكرين؟ ".
كانت تحس اكثر مما تسمع..بشرة وجهه الخشنة على خدها الرقيق..احست بمشاعر وكأنها في مكان اخر..ذات مره..في مكان ما..وهو يتلمسها عادت الذكرى اليها والصورة، ومعها كاد ان يتوقف قلبها..ومعها توقفت سعادتها..وتصلب جسدها...
وطغى عليها العار والخجل..وسمعت نفسها تطلق صرخة مخنوقة، وانقبضت يدها لتدفعه عنها بكل قوتها:
" لا! لا اذكر! ".
تحررت منه.فوقفا وكأنهما متصارعان، يتنفسان بقوة، وعيناهما مسمرتان وكأنهما منفصلان عن العالم..عيناه كانتا متوسلتين، اما مايسي، فكانت ترتجف وكان عينيها قد بردتا فجأه.
" لا..لن اتذكر! ".
" مايسي.. ".
مد يده اليها فضربتها..احست بقلبها يصغر ويتشدد ويمتلئ نقمه.
" ابتعد عني، ولا تلمسني ثانيه! ".
فتراجع ورأت القساوه تعود الى وجهه..وقالت له:
" في المرة القادمة..المرة القادمة التي تقف فيها في المحكمه..يا إلهي كم اتمنى عندئذ ان تتذكر هذا..واتمنى ان لا تنسى طالما انت حي! لا حق لك ان تقف هناك...اتسمعني؟ فما من احد يمكن لك ان تقاضيه اكثر من نفسك. ايها المبتز، الكاذب، الكريه المستغل لضعف الاخرين..انت لا تطاق..انت تقرفني..اتفهم هذا؟انت...".
ورأت فمه يلتوي بنصف ابتسامه.
" صحيح؟لو كنت مكانك لما قلت هذا.ثم ان خبرتي كبيره بمثل هذه المسائل ".
" هذا كذب! ".
" لا..انا لا اكذب..ما كنت اريده اردته انت ايضا..لم فعلتِ ذلك؟اين هي طهارتك المدعيه؟ ".
" اللعنه عليك كورد!اتركني! ".
لكن قبضته اشتدت أكثر، وفجأه تدفق الخوف مع الدم الى قلبها..خوف قديم اعمى غير منطقي..وفقدت كل السيطرة على نفسها..وبأندفاع حيواني، فاحنت رأسها لتتمكن من عضه، فتذوقت طعم الدماء الساخنة على شفتيها ولسانها.وسمعته يصرخ من الالم.وتركها على الفور متراجعا الى الوراء..تملكها الخوف مما فعلت فتراجعت بدورها وسمعته يضحك:
" ايتها الثعلبه الصغيره!ماذا ستفعلين بعد هذا؟اتضربين عيني بمخالبك؟ ".
التفتت لتركض بكل حماقة دون ان ترى،لتصطدم بالطاولة خلفها..بصرخة مدوية حاولت التوقف، لكن الوقت كان قد فات..وانقلبت الطاولة..الزهرية الخزفية الصينيه القديمه، المكحله الزمردية الاثريه،ارتمت على الارض وتحطمت..بعد التحطيم..ساد صمت رهيب بدا وكأن له رنين في اذنيها.وحدقت الى الارض بخدر ذهني.الى الشظايا الذهبية القرمزية البيضاء والزمردية..المسحوق الجاف للكحل الاسود تناثر كذلك.والزهور البيضاء التي كانت في الزهرية تحطمت.صاحت:
" اوه..لا ".
انحنت محاوله فعل شئ..لكنه منعها..
" اتركيها..لا يهم..كل شيء معرض للتحطيم ".
" انا اسفه...".
ماتت الكلمات على شفتيها ليقينها انه من السخافه الاعتذار الان.واستدار عنها برزانه ليضغط على زر جرس قرب المدفأه.
" سينظف الخادم كل شئ...وسيحضر لك معطفك ".
" كورد..".
فاستدار عنها،ثم فُتح الباب فقال:
" الآنسة هاريس تود الذهاب ".
" حاضر سيدي ".
" اوه..مايسي..ارجوك..ادرسي طلبي..اريد قرارا محددا نهائيا..هل نتفق بعد ثلاثة ايام؟عندها سأعرف ما سأفعل..في كلتا الحالتين ".
وابتسم لها ابتسامه مثلجه.
ولم ترد، بل خرجت بسرعه الى الردهه، وساعدها الخادم على ارتداء معطفها بشكل رسمي.ولم يبد عليه انه لا حظ ارتجافها.
" عمت مساء انسه هاريس ".
" عمت مساء ".
واقفل الباب.
وهي تسير نحو منزلها..توقفت والهواء البارد يلفح وجهها وقالت لنفسها كلمات صامته:
" لقد احببته يوما..احببته كثيرا ".
مواجهة نفسها بما تعرفه وتكتمه لسنوات اراحها..ثم وبكل تعمد تركت الفكره تتلاشى من جديد وكأنها قطعه النقود تغرق في ماء عميق اسود.لمعت ثانية،ثم اختفت.
يجب ان تدفع المال، بغض النظر عما سيحدث، واذا حصلت ايه فضيحة ستتحملها الى النهاية، ثم بما بقي معها من مال ستأخذ ابيغال الى بلاد بعيده لا يعرفانها ولا يعرفهما فيها احد.حيث ستتمكنان سويه من النسيان.
أنت تقرأ
نداء المستحيل
Randomهذي رواية من روايات احلام وضعتها بين ايديكم واعدت كتابتها واضفت لها بعض الصور اتمنى ان تعجبكم هي لكاتبة ﻗﺪﻳﻤﺔ اسمها فانيسا جيمس ﻟﻬﺎ ﻋﺪﺩ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ . ﺑﺲ ﺭﻭﺍﻳﺘﻬﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍ ﻷﻧﻪ ﻟﻬﺎ ﺭﻭﺍﻳﺘﻴﻦ ﻣﺘﺮﺟﻤﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﺃﺣﻼﻡ احداها ﻧﺪﺍﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ_كانت له_ ال...