❈[Ⅱ]❈

572 97 79
                                    

بأحد الأيام الهادئة، جاءت القافلة الصغيرة القادمة من الجنوب، سار على جانبيها الغجر بوجوههم التي لم نر مثيلًا لها قبلًا؛ على عكس قوافل الجوالة التي تأتي مرتين بالعالم، كان لرجال هذه القافلة بشرة داكنة ، تمامًا كالقمح .

بساحة السوق رست قافلتهم و خرجوا، قضوا يومين بالسوق حول عربتهم، يقرأوون الطالع مقابل حفنة من الفضة، و يشترون الأحجار الكريمة و الجلود من الباعة،

طوال هذه المدة لا احد تمكن من معرفة موطنهم الأصلي أو من أين أتوا، لكن عربتهم الخشبية التي قدموا بها ما انفكت تلفت انتباه كُل من اقترب من ساحة السوق.

كانت مُغطاة برسوم غريبة، لرجال و عمالقة بأجساد بشرية و رؤوس قطط، صقور، كِباش، و أسود؛ نعم كانت العربة غريبة لكنها لم تماثل غرابة صلاة هؤلاء القوم،

لم تسمع أولثار قبلًا بمثل هذه الصلاة ولا هذه اللغة، اعتاد رئيس القافلة الغجرية ارتداء غطاء للرأس، سميك أسود ذو قرنين و قرص عظمي غريب بين هذه القرون، لم ير أحد وجهه لكن بالطبع لم يحاول أحد الاستفسار .

صاحَب هذه القافلة فتى واحد فقط، فتى صغير بلا أب ولا أم، بلا شئ سوى قط أسود صغير يؤنس وحدته؛ رجح أهل أولثار أن الأوبئة أخدت عائلته كما بدى من قروح وجهه، و ترك له القدر هذا الكائن الصغير الأسود ذو الفراء ليكون له عون بالمستقبل،

••❈••

لَم يبك الفتى قط، بل لم يتوقف على الابتسام طوال الوقت وهو يداعب القط بمجلسه أمام عربة الغجر، سُمع اسمه بأحد المرات، وكان أسمه " مينا " .

صباح اليوم الثالث لمَجِيء القافلة، اختفى قط مينا الصغير؛ صرخ الفتى و انتحب وهو يبحث دون جدوى عن قطه، إلى أن تطوع رجلين من القرية – بعد تردد – بإخباره عن أمر الفلاح العجوز و زوجته، وعن الأصوات الآتية من كوخيهما منذ زمن بعيد، استمع الفتى باكيًا،

ثم توقفت دموعه فجأة واكتنفه الصمت، ابتعد عن الرجلين وعن القافلة إلى مساحة خاوية من السوق، جثا ورفع يديه شطر الشمس، ثم بدأ بالصلاة بلغة لم يسمع بها أحد قبلاً، تراجع أهل أولثار مراقبين الفتى، ثم فرَّوا حين بدأت السحب تجتمع راسمة أشكال غريبة عملاقة، بدت الأشكال ضبابية في البداية،

ثم اتضحت قرونها و أجسادها الضخمة التي انبجست من بطن السحاب، لم يتزحزح الفتى و لم يخبوا صوته إلى أن انقشع السحاب و اختفى كل شئ كما بدأ ..
بهذه الليلة غادرت القافلة أولثار، لم يرها أحد تغادر ولا هم عرفوا بأي طريق حتى ذهبت،

لكن ما جذب انتباه أهل القرية أن كافة القطط بالقرية اختفت كذلك؛ من كافة البيوت و الشوارع اختفت قطط بأشكال و احجام مختلفة، الشاحب منها و الداكن، الصغير و الكبير، الرمادي، الأبيض، البرتقالي، والأسود، لا مواء ولا جسد ذو فراء كان بوسعهم رؤيته داخل أو خارج المنازل .

••❈••

أقسم " كرانون " العجوز عمدة القرية، أن رجال القافلة السود أخذوا كافة القطط انتقامًا لما أصاب قط مينا، لعنهم غاضبًا، لكن " نيث " القاضي الهزيل قال أنهم إن رغبوا في لوم أحد، عليهم لوم الفلاح وزوجته، على الأرجح هم من اخذوا القطط،

بالضبط كما سرقا قط " مينا " دون أي اعتبار لأي احد؛ صدَّق " كرانون " على كلمات " نيث " لكنه لم يحاول إطالة الحديث عن الفلاح و زوجته، كان خائفًا كما هو حال الجميع أن يضطر لمواجهة الزوجين الشيطانيين .

الوحيد الذي شهد أنه رأى القطط  كان "أتيل " إبن صاحب الخان، أقسم " أتيل " أنه رأى كافة القطط قبل بزوغ الفجر تزحف جهة الكوخ القديم، أقسم أنه رآهم مجتمعين بدوائر صامتة حول شجرة السنديان وحول شرفة الكوخ المُتربة، تردد الجميع في تصديقه، ليس لأنهم حسبوه كاذبًا، بل لأنهم خشوا أن يكون محقًا .

نام أهل أولثار هذه الليلة حانقين، صمموا على إيجاد طريقة لمواجهة الفلاح وزوجته، لكنهم حين صحوا كان المواء قد عاد إلى أرجاء أولثار، وعادت كافة القطط  تجوب الشوارع من جديد وكأن شئ لم يكن،

بدت كافة القطط مُتخمة وناعسة، لكن ولا قط واحد كان مفقود؛ الغريب في الأمر أن القطط ظلت ترفض تناول الطعام أو اللبن ليومين كاملين، و اكتفوا بالاستلقاء بهدوء جوار النار أو تحت الشمس .

مضى أُسبوع كامل قبل أن يلاحظ أهل أولثار أن لا أضواء تأتي من منزل العجوز و زوجته، بل لاحظوا كذلك أن لا أحد رآهم مُنذ الليلة التي اختفت فيها القطط، وبعد مرور أسبوع آخر قرر العُمدة أخيرًا التغلب على خوفه و إرسال أحد إلى الكوخ لاستطلاع الأمر،

••❈••

استقر الأمر في النهاية على أن يذهب بنفسه مصطحبًا الحداد و صانع السِلاح إلى الكوخ كشهود .

حين انتهوا من كسر الباب الخشبي تراجع " شانغ " الحداد و تقيأ جوار الكوخ ، تقدم العمدة و " ثول " صانع السلاح ليروا المشهد عن قرب، خوى الكوخ المظلم من أي شئ ذو قيمة، إلا هيكل عظمي لزج لرجل مات مستندًا إلى طاولة الطعام،

و هيكل آخر مازالت بعض قطع اللحم عالقة به لزوجته الممددة أرضًا، و عدد ضخم من الخنافس السوداء التي تفرقت حين سقط الضوء عليها إلى جانب الكوخ المظلم .

تحدث الجميع لأيام، صلى الجميع لأسابيع، عاد مشهد " مينا " و السماء يغتصب كوابيس المواطنين،

ثم جاء القانون أخيراً ،

" بقرية أولثار الواقعة خلف النهر، مُحرم على البشر قتل القطط ."

النهاية

◈ النهاية ◈

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
🎉 لقد انتهيت من قراءة قطط أولثار 🎉
قطط أولثارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن