استمتع بالمهارات..

89 9 1
                                    

المهارات متعة حسية.. لاأعني بها اﻷجر اﻷخروي فقط.. لا وإنما هي متعة وفرح تشعر به حقيقة..
فاستمتع بها.. ومارسها مع جميع الناس.. كبيرهم وصغيرهم.. غنيهم وفقيرهم.. قريبهم و بعيدهم.. كلهم.. مارس معهم هذه المهارات.. إما ﻻتقاء أذاهم.. أو لكسب محبتهم.. أو ﻹصلاحهم..

نعم إصلاحهم..
كان علي بن الجهم شاعرا فصيحا.. لكنه كان أعرابيا جلفا لايعرف من الحياة إلا ما يراه في الصحراء..
وكان المتوكل خليفة متمكنا.. يغذي عليه ويراح بما يشتهي..

دخل علي بن الجهم بغداد يوما فقيل له:إن من مدح الخليفة حظي عنده ولقي منه اﻷعطيات..

فاستبشر علي ويمم جهة قصر الخلافة..دخل على المتوكل.. فرأى الشعراء ينشدون ويربحون.. والمتوكل هو المتوكل.. يطوة وهيبة  وجبروت.. فانطلق مادحا الخليفة بقصيدة بطلعها:

يا أيها الخليفة..

أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
***
أنت كالدلو لا عدمتك دلوا
من كبار الدلا كثير الذنوب

ومضى يضرب للخليفة اﻷمثلة بالتيس والعنز والبئر والتراب.. بعدما كان يشبه بالشمس والقمر والجبال!!
فثار الخليفة.. وانتفص الحراس.. واستل السياف سيفه.. وفرش النطع.. وتجهز للقتل.. فأدرك الخليفة أن علي بن الجهم قد غلبت عليه طبيعته.. فأراد أن يغيرها.. فأمر به فأسكنوه في قصر منيف.. تغدو عليه أجمل الجوازي وتروح بما يلذ و يطيب..
ذاق علي بن الجهم النعمة.. واتكأ على اﻷرائك.. وجالس أرق الشعراء.. وأغزل اﻷدباء.. ومكث على هذا الحال سبعة أشهر..

ثم جلس الخليفة مجلس سمر ليلة.. فتذكر علي بن الجهم.. فسأل عنه،فدعوه له.. فلما مثل بين يديه..

قال:أنشدني يا علي بن الجهم..

فانطلق منشدا قصيدة مطلعها..

عيون المها بين الرصافة و الجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
**
أعدني لي الشوق القديم ولم أكن
سلوت ولكن زدن جمرا على جمر

ومضى يحرك المشاعر بأرق الكلمات.. ثم شرع يصف الخليفة بالشمس والنجوم و السيف..

فانظر كيف استطاع الخليفة أن يغير طباع ابن الجهم..
ونحن كم ضايقتنا طباع ﻷوﻻدنا أو أصدقائنا فهل سعينا لتغييرها.. فغيرناها؟..
ومن باب أولى أن تقدر أنت على تفيير طباعك.. فتقلب العبوس تبسما.. والغضب حلما.. والبخل كرما..
وهذا ليس صعبا.. لكنه يحتاج إلى عزيمة و مراس.. فكن بطلا..

ومن نظر في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يتعامل مع الناس بقدرات أخلاقية.. ملك بها قلوبهم..
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتصنع هذه اﻷخلاق أمام الناس.. فإذا خلا بأهل بيته.. انقلب حلمه غضبا.. ولينه علظا.. لا.. ما كان بساما مع الناس،عبوسا مع أهل بيته..  ولاكريما مع الخلق إلا ولده وزوجه.. لا.. بل كانت أخلاقه سجية.. يتعبد لله تعالى بها.. كما يتعبد بصلاة الضحى وقيام الليل.. يتحسب ابتسامته قربة.. ورفقه عباده.. وعفوه ولينه حسنات..

إن من اعتبر حسن الخلق عبادة.. تحلى بها في جميع أحواله.. في سلمه وحربه.. وجوعه وشبعه.. وصحته و مرضه.. بل و فرحه و حزنه..
نعم.. كم نت الزوجات تسمع عن أخلاق زوجها.. وسعة صدره.. وابتسامته وكرمه.. ولكنها لم تر من ذلك شيئا.. فهو في بيته سيء الخلق... ضيق الصدر.. عابس الوجه.. صخاب لعان.. بخيل ومنان..

أما هو صلى الله عليه وسلم فهو الذي قال:((خيركم خيركم ﻷهله، وأنا خيركم ﻷهلي))

وانظر كيف كان يتعامل مع أهله..
قال اﻷسود بن يزيد:سألت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟

فقالت:يكون في مهنة أهله.. فإذا حضرت الصلاة يتوضا ويخرج للصلاة.. وقل مثل ذلك مع الوالدين..

فكم هم أولئك الذين نسمع عن حسن أخلاقهم.. وكرمهم وتبسمهم.. وجميل معاشرتهم لﻵخرين.. أما مع أقرب الناس إليهم.. وأعظم الناس حقا عليهم.. مع الوالدين و الزوجة و اﻷوﻻد فجفاء و هجر..
نعم.. خيركم خيركم ﻷهله.. لوالديه.. لزوجه.. لخدمه.. بل وﻷطفاله..

في يوم مليء بالمشاعر.. يجلس أبو ليلى رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي الحسن أو الحسين يمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. فيأخذه صلى الله عليه وسلم فيقعده على بطنه.. فبال الصغير على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم..

قال ابو ليلى:حتى رأيت بوله على بطن رسوال الله صلى الله عليه وسلم أساريع..

قال:فوثبنا إليه.. فقال صلى الله عليه وسلم: ((دعوا ابني.. لا تفزعوا ابني))

فلما فرغ الصغير من بوله.. دعا صلى الله عليه وسلم بماء فصبه عليه..
فلله دره كيف تروضت نفسه على هذه اﻷخلاق.. فلا عجب إذن أن يملك قلوب الصغار و الكبار..

رأي..

بدل أن تسب الظلام..

حاول إصلاح المصباح..

استمتع بحياتكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن