2- بأعماق بحر الحِكاية أسرار

2.7K 92 18
                                    

••
لقد آن للقلبِ أن يُشفى ، وللعقلِ أن يُدركَ ما فاته ويُحاول اللحاقَ به ، وآن للعينِ أن تبصِر الحقيقة مهما كانت بشاعتـُها
فحقيقةٌ مُرة أجملُ بكثيرٍ من خيالٍ مُزيفٍ يفنى بطرفة عينٍ ليُصعِّبَ علينا قبُولَ الواقِع بعدئذ

أحياناً يكونُ من الأفضل أن تــُرفعَ الحُجُبَ عن بعض الذكريات برأسِك وإلا ظلت حبيسة المجهول حتى الموت
وخلفَ تِلكَ الحُجُب ، هناك قِصصٌ يرغبُ الكثيرون بسماع أحرُفٍ صادِقةٍ بدواخِلها ، والغوصَ بدهاليزِها عِشقاً لا كــُرهاً !!

•°•°

مساء ذات اليوم..

في مشفىً للأمراض العقلية

: لقد أفاقت "أوريل" من صدمتِها !! .
قال الطبيبُ مُتعجِباً لتضيفَ إحدى المُمرضتَين اللتان تقِفان مُحاذاة مكتبه
: بعد مُضيِّ أكثر من ثلاثين عاماً ، أنا مذهولة ! .
وتشارك الأُخرى بكلمتَين
: إنها لمُعجِزة ! ! .

استرسلَ الطبيبُ الأربعيني مُفسِراً حالة المريضة حسبَ المعلومات التي جمعها عنها ولم تخلو نبرته من الذهول وكذلكَ تعابير وجهه
: بالفِعل مُعجِزة ، فقد كانت حالتُها نادِرةٌ وميؤسٌ منها حينئذ أحضروها إلى هنا مُنذ ثلاثة عقود ، كانت مُحتجزةً حرفياً في فترةٍ زمنيةٍ مُعينة وهيَ فترة إنتِظارها لزوجِها الذي صدمها عدمُ رُجوعِه أو بالأحرى إستِحالة ذلك .

تعجبت إحدى الواقِفتَين وسألت
: ماذا تعني بمُحتجزة ؟! .
أجابَ بينما ينبُشُ بذكريات الماضي ويُفصِحُ عمَّ بجُوفِه
: حُبسَ دماغها بسببِ صدمةٍ قديمةٍ تعرضت لها ممَ أخنعها لأن توقِن وتذكر الأشياء التي ترغبُ بها وحسب وتــُعدِمَ وجودَ جُل ما لا تهتمُ لأمره من حياتِها ، لقد مَر الكثير من الوقت ، صِدقاً لم أتوقع أن تعودَ لرُشدِها البتة .

أعادت تِلكَ المُمرضة طرح سؤالٍ آخر
: وكيفَ تظن شخصاً بمِثل تِلكَ الحالة المُعقدة أن يستفيقُ من حالته ؟ .
: يبدو وأنها قد تعرضت لصدمةٍ أُخرى ، أين ذهبت برأيكما ؟ ، ماذا رأت أو من قابلت ؟؟ .
جَمَعَ قبضتاه واضِعاً إياهُما على ذقنِهِ وشردَ يُفكر في تساؤلاتِه المُحيرة

ضمت المُمرضة الشابة كفيها إلى صدرها بقلقٍ وخِشية
: لستُ أعلم فقد وجدتها تنتحِبُ بــ"حَلـَقـَةِ الحمائمِ" وحيدة ، دكتور.. هل تعتقدُ بأن خليلها قد عاد ؟! .
نفى استنتاجها كلياً مُومِئاً رأسه
: كلا ، هذا مُستحيل ، لا يُمكن أن يرجِع .

سحبَ الطبيبُ نفساً هائلاً بينما ينظر للواقِفتَين بحزم
: يجبُ أن نعرفَ كل شيءٍ صادفها مُذ خرجت من المُستشفى إلى حين رجوعِها حتى نحدد سببَ زوال الصدمة ، ولكن كيف ؟ .
تبسمت الشابة بتفاؤلٍ وأجابت مُباشرةً دون تردد
: أظنني أعرفُ شخصاً بمقدوره مُساعدتنا .

•°•°

"أوريل" بحُجرتِها ذات الألوان الفاتِحة تستقرُّ على كرسيها قِبالَ النافِذة المُطلة على حديقة المشفى

صفعة نــُكرانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن