One Shot|Pelé

1.5K 178 279
                                    

       
          "مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ حُلْماً طُفُوْلِيّاً..
                                         قَدْ يَسْتَحِيْلُ لِمَأْسَاةْ.."

~◇~◇~◇~◇~◇~◇~◇~◇~

باريس، القرن التاسع عشر.
الخامس عشر من يناير.

توقفت سيدة نبيلة أمام متجر القبعات في آخر الشارع وتحت ثلج لمع مع ضوء أعمدة الإنارة بينما يتساقط بروية فوق مظلتها المزركشة، تأملت زجاج الواجهة ذي الرفوف الخاوية المغبرة، والتي كانت يوماً ما مكتظة بأشكال القبعات، بألوان الأقمشة وأنواع الزينة المختلفة.

النظر لها وحده كان يسر العين ويبعث السرور إلى الفؤاد. تحسست القبعة فوق رأسها بينما تحدق في تلك الرفوف الخاوية. كانت قبعة أنيقة كبيرة، مزينة بالكثير من الحلي والريش، تتناسب مع فستانها الفيكتوري ذي الخصر الممشوق والورك المنفوش.

لقد كانت ترتاد هذا المكان بكثرة وتلك القبعة هي آخر ما ابتاعته من هذا المتجر العتيق. شردت بذاكرتها لتعود بالزمن للوراء، لتسع أشهر منعقدة. تذكرت تلك الليلة حيث قرر سكان الحي الذهاب بصاحب هذا المتجر وصانع تلك القبعات الشهير (أبراهام بان) لدار رعاية المسنين بعد أن تبين جنونه.

كانت تلك فاجعة كبيرة. من كان يتوقع أن (أبراهام) صانع القبعات الخالد ببنيته القوية وصحته المنيعة كالحصون، سيتحول لمختل عقلي في غضون شهر من الزمان؟!

رغم كونه في منتصف عقده السادس إلى أنه عُرف بين قومه بأنه من المعمرين الخالدين، قوته ونشاطه لم يكن من المعقول إطلاقها على عجوز في الستين.

منهم من ظن أنه قد لُعن ومنهم من أيقن أن للساحرة فولنسيت يد في الأمر، فلابد وأنها ألقت عليه إحدى تعاويذها لاصطياده حيوانات الغاب الصغيرة واستعمال فرائها في صنع قبعاته.

على أية حال كانت تلك خسارة القرن التاسع عشر، الجميع حزن لفقدانهم صانع قبعاتهم الموهوب وبالأخص الطبقات النبيلة كحال هذه السيدة الأنيقة.  

لم تمضي دقيقة على وقوف هذه السيدة أمام واجهة المحل حتى أتاها صوت طفولي من جانبها جفلت له وأعادها لأرض الواقع: "هل أخدمك بشيء، سيدة فلورانسيا؟".

صوته كان كالهمس. التفتت السيدة (فلورانسيا) لصاحبه، لترتسم ابتسامة عميقة وتتهلل زرقاوتيها بحب حين ترى الفتى صغير البنية، ذي الشعر الأشقر الريشي والعينين الزرقاوين كالبحر يحمل بين ذراعيه النحيلتين رزم متينة من الأوراق قد غطتها خربشات لقبعات و رسوم لحلي .

"بيلي، هذا أنت!، ما الذي تفعله هنا؟".

أجابته فلورانسيا متعجبة فالساعة الآن تشير للعاشرة مساءً ويفترض بهذا الصبي أن يكون في الفراش منذ فترة.

بيلي || Billyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن