عبد الله بن المقفع - الأدب الصغير والأدب الكبير

907 9 1
                                    

إعداد النسخة للهاتف

الدكتور : عبد القادر شريف بموسى

الأدب الصغير

بسم الله الرحمن الرحيم

قال ابن المقفع: أما بعد، فإن لكل مخلوقٍ حاجةً، ولكل حاجةٍ غايةً، ولكل غاية سبيلاً. والله وقت للأمُور أقدارها، وهيأ إلى الغايات سبلها، وسبب الحاجات ببلاغها.

فغايةُ الناسِ وحاجاتهم صلاحُ المعاشِ والمغاد، والسبيل إلى دركها العقل الصحيح. وأمارةُ صحةِ العقلِ اختيارُ الأمورِ بالبصرِ، وتنفيذُ البصرِ بالعزمِ.

الأدب ينمي العقول

وللعقولِ سجياتٌ وغرائزُ بها تقبل الأدب، وبالأدبِ تنمى العقولُ وتزكو.

فكما أن الحبة المدفونة في الأرضِ لا تقدر أن تخلعَ يبسها وتظهر قوتها وتطلع فوق الأرضِ بزهرتها وريعها ونضرتها ونمائها إلا بمعونةِ الماء الذي يغورُ إليها في مستودعها فيذهب عنها أذى اليبس والموت ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقةُ العقلِ مكنونةٌ في مغرزها من القلبِ: لا قوة لها ولا حياة بها ولا منفعة عندها حتى يعتملها الأدبُ الذي هو ثمارها وحياتها ولقاحها.

وجل الأدب بالمنطق وجل المنطقِ بالتعلمِ. ليس منه حرف من حروف متعجمه، ولا اسم من أنواع أسمائها إلا وهو مروي، متعلمٌ، مأخوذٌ عن إمام سابقٍ، من كلامٍ أو كتابٍ.

وذلك دليلٌ على أنّ الناس لم يبتدعوا أصولها ولم يأتهم علمها إلا من قبلِ العليمِ الحكيمِ.

فإذا خرجَ الناسُ من أن يكونَ لهم عملٌ أصيلٌ وأن يقولوا قولاً بديعاً فليعلمِ الواصفونَ المخبئون أن أحدهم، وإن أحسن وأبلغ، ليس زائداً على أن يكون كصاحب فصوص وجد ياقوتاً وزبر حداً ومرجاناً، فنظمه قلائد وسموطاً وأكاليل، ووضع كل فص موضعهُ، وجمعَ إلى كل لونٍ شبهه وما يزيدهُ بذلك حسناً، فسمي بذلك صانعاً رفيقاً، وكصاغة الذهب والفضة، صنعوا منها ما يعجبُ الناس من الحلي والآنية، وكالنحل وجدت ثمراتٍ أخرجها الله طيبةً، وسلكت سبلاً جعلها الله ذللاً، فصار ذلك شفاءً وطعاماً، وشراباً منسوباً إليها، مذكوراً به أمرها وصنعتها.

فمن جرى على لسانه كلامٌ يستحسنهُ أو يستحسنُ منهُ، فلا يعجبن إعجاب المخترع المبتدعِ، فإنه إنما اجتناهُ كما وصفنا.

الاقتداء بالصالحين

ومن أخذ كلاماً حسناً إن غيره فتكلم به في موضعه وعلى وجهه، فلا ترين عليه في ذلك ضؤولة. فإن من أعين على حفظِ كلامٍ المصيبين، وهدي للإقتداء بالصالحين، ووفق للأخذِ عنِ الحكماء، ولا عليهِ أن لا يزداد، فقد بلغ الغاية، وليس بناقصهِ في رأيه ولا غامطهِ من حقه أن لا يكون هو استحدث ذلك وسبق إليه. فإنما إحياء العقل الذي يتم به وستحكم خصالٌ سبعٌ: الإيثارُ بالمحبةِ، والمبالغة في الطلب، والتثبتُ في الاختيارِ، والاعتيادُ للخيرِ، وحسنُ الرعي، والتعهد لما اختير واعتقد، ووضع ذلك موضعهُ قولاً وعملاً.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 01, 2010 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

عبد الله بن المقفع - الأدب الصغير والأدب الكبيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن