1

52 7 18
                                    


في ظلام حالك تنيره بضع أنوار تتدفق من تلك الأعمدة الطويلة ، و انسدلت تلك الغيوم حوله لتعجز أنواره من أن تطغى و تنتشر، فيزداد الليل ظلمة .

هدوء لم يتوارى من فساحة المكان ، إلا من وقع أقدام خافتة ، يكاد يتصدر صوتها عنان السمع ، يتضح الصوت في كل خطوة يخطيها ، لينجلي عنه الظلام الذي غطى جسده .

جسد فتاة اكتسحت الهموم قسمات وجهها الهادئ، منحنية برأسها لتسقط تلك الخصلات الشقراء الطويلة ، و كأنها ستار يأبى الإفصاح عن الألم الذي اجتاحها .

خطوة تليها خطوة دون أن تدرك أين تأخذها أقدامها ، فقط تريد الإبتعاد من ألم واقعها المرير ، أرادت فقط ترك كل شيء خلفها ، كل تلك القذائف التي ترمى على قلبها ليتكسر كزجاج هش ، أرادت التمسك بشيء يعيد أملها بالحياة ، لكن من أين لها أن تجد تلك البقعة البيضاء المنيرة !

لفحات من نسيم بارد أيقظها ، ليعيدها إلى الواقع بعد أن غاصت في تلك أفكار و تكهنات لمستقبلها ، ليقع نظرها لذلك الباب الأسود الذي زُين بنقوشٍ بيضاء جميلة ، معلقٌ لا تدعمه الجدران ، و كأنه يطفو بالمكان .

اقتربت من ذلك الباب لتتردد أنامل يديها من إمساك مقبضه ، لكنها شعرت بالفضول الذي تملك قلبها، فأطبقت عليه ، ليفتح و يصدع المكان بصوت صريره العالي ، تفاجأت بوجود ردهة طويلة مظلمة تقبع خلفه .

إلتفت يمينا و يسارا لتفهم مالذي يحدث أمامها، هل هذا خيال أم حقيقة ؟ هل عقلها أصبح يهيء لها أمورا خارجةً عن نطاق المنطق حتى لا تفقه فهمه أبداً ؟!
تنهدت لتقرر بأن تجازف و تضع قدمها اليمنى ، فحدقت بصمت قبل أن تضع خطواتها الأخر . و ها هي أقبلت بالدخول بحذر ، تستكشف المكان لتفاجأ بوجود بابان أحدهما أبيضاً و الآخر أسوداً !

هل دخلتُ إلى متاهة ؟!!، تمتمت الفتاة متسائلة و هي مقطبة حاجبيها باستغرابٍ و صدمة !

سارت الفتاة إلى ذلك الباب الذي طُلي خشبه بسوادٍ حالك ، تجرأت يداها بأن تمسك بإحكام المقبض و تديره ليتردد صوت صرير عتيق ، و تصدم بأبواب أخرى خلفه متراصة بجوار بعضها البعض ، لكن ما يميزها تلك الأرقام التي نُقشت أعلاها

فقررت أن تختار أحد الأبواب و قد اعتلاه رقم اثنان، انطلقت لفتحه ، لترى أمرا أجفل في عيناها حزناً .

تلك المشاهد التي تتحرك أمامها أيقظ من ذاكرتها ماض قد تعبت بشدة لدفنه ، و ها هو يعود لظهور خلف هذا الباب ،

إنها ذكرى لذلك الشخص الذي حطمها ، و حطم قلبها و كسره لأجزاء متناثرة غير قادرة على جمعها ، ليس قلبها فقط ، بل و حطم ثقتها

إنه أباها ! الذي وكم انهال عليها ضرباً ، و هم بحبسها في القبو ليدع الظلام يداعب جسدها المرتجف.

أغلقت الباب بقوة لتمنع تلك الذكريات من أن تندفع أكثر مما يجب ، و تغلق ألم الحقد الذي تراكم في تلك الليلة ،
حدقت إلى الباب المجاور منه ليحتل الفضول قلبها، نقش رقم واحد أعلاه ، ليفيض عقلها بتساؤلات عدة حول ما يقطن خلفه.

خلف ذلك البابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن