《المقطوعة الثانية》: |وا نصيباه|*

509 72 244
                                    

بعدها بأيامٍ لم يحصها تقويمي الضائع، داعب الضوء جفوني ساحبًا منها خيوط النوم ليحيك وشاح وهجٍ ظننته للشمس، فلمّا أمعنت النّظر عبر النافذة القريبة وجدتها قذائف باليستية تتوق لعناق المشفى، تماماً كتلك التي دغدغت سقف منزلنا يوماً؛ فاحتضنت أنقاضه جثث أغلب السّاكنين تحميهم ويلات القصف عداي؛ انتقاماً لجدرانه التي شوهتها برسومي العبثية ربما.

فتطايرت لها كتل الإسمنت، وبقايا الغرف والتجهيزات، وريش الأسرّة المتساقط كأجنحة الملائكة محرمة الوجود على أرض الشّياطين. ومجددًا كل الأشلاء سحقت إلّا أنا؛ لفظني خضمّ الموت للمرة الثّانية قطعةً واحدة، وها أنا ذا رفقة بقايا محلولي المعلق في ضيافة السماء:

- غريب!
أين حروق الدّرجة الثّالثة؟
وكيف نمت أصابعي المبتورة مجدداً؟
ولماذا تتحرّك عظامي المكسورة بسلاسة دونما ألمٍ بعدما انحلت عنها الضمادات وحبيبات الجبس؟

تأملت جسدي باستغراب عقب انقشاع هالة الحطام الضبابية وتمزق أربطة رداء المجانين، لتحاوطني طائرات القصف مؤنسةً وحدتي، وبشكلٍ ما سمعت أوامر القائد بوضوح عن بعد:

- بحقّ الجحيم أنّى لإنسيٍ أن يُحَلِّق في الفراغ؟ صوّبوا رشاشاتكم واقتلوه؛ إنّه شيطان!

- مرحى، أيّتها الرصاصات؛
حدود ذراعاي لكِ وطنٌ فهلمّي بالأحضان والقبلات.

منتهزًا الفرصة، هتفت باسطاً ذراعاي بينما تتطاير الانفجارات حولي كمفرقعات الاحتفال، فخرقت البنايات من خلفي إثر قوة الاندفاع، إلا أن جسدي بقي محرماً على الأذى كجسد إبراهيم على النيران، أوليس عجيباً كيف ترفض الحياة  منحي أمنّيةً بسيطة كالموت!

لكنّني أيضًا أرفض الاستسلام لذا نهضّت مُجددًا، وإلى العراء هرعت أنادي فوق الأنقاض بعلو الصوت، مُحّطمًا أبعاد الصمت:

- يا مرمى النّيران أنا هنا إن كنت ضللت عنّي الطّريق، أم أنّ ذخيرتهم هي الفاسدة؟

- بئسًا اطلبوا الدّعم، تكالبوا عليه،
اغتالوا اللعنة قبل أن تغتالكم!

 العازف الأخيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن