كالعادة، حلّ الظلام على سمائنا ضيفًا رفقة عروسه القمر وقد اختارت لزفافِهما ثوباً يتلاءم مع حُمرة برك الدّماء، الليلة داخل قاعة الوطن الضّائع يُقام عرسهما والدّعوة عامة، في جنح النزاع المسلح بتبريكاتٍ مُقدّمها الشّجن!
حمام السّلام الأبيض، أقبل خصّيصًا من أقاصي الأرض ليكون شاهدًا على العقد، فخاطَت عوادم القصف من ريشه أفخم بدلة سوداء، فحتّى غربان الشّؤم الداكنة لم تسلم من سموم الأجواء.
وعلى أنغام الوحشية، رفقةَ الصّواريخ وطلقات الرّصاص، تراقص المدعوّن، وتساقطوا الواحد تلو الآخر؛ فتطايرت الأشلاء ملء مأدبة الجشع علّها ترضي مصالح الزّعماء، واستلم الجميع دعوات موتهم، عداي.
- عائلتي!
انتفضت هلعاً إثر ملاحظتي الأنوار المنبعثة من حيّنا عن بُعد خلال نافذة بناءٍ مُهدّم، أين كنت أتناول كسرات خبز يابس صادفتها خلال رحلتي في البحث عن نفايات الأنقاض القابلة للبيع مقابل ثمنٍ زهيد؛ في ظل انقطاع الكهرباء الشبه دائم إثر استهداف محطة التوليد الرئيسة، توهج بهذه القوة لا يعدو كونه تذكرة عبورٍ للعالم الآخر!
- كونوا بخيرٍ رجاءً!
علا صوت المناجاة بأذناي على أناة الجرحى وعويل الهاربين من حولي بينما أهرول عائدًا، ناسياً قوت اليوم خلفي، ونبضات قلبي تسارع نبضات الألم بقدماي المهترئتين من التجوال بحثاً عن لقيمات الرزق طيلة النهار. ولم أكد ألتقط أنفاسي على عتبة الحي حتى أطبق مشهد احتراق الخيمة التي نصبناها قرب بقايا منزلنا المهدّم على صدري أكثر من الاصطدامات البشرية والسقطات المتوالية طوال الطريق.
- كلا... مستحيل!
وسط رماد الأنقاض الجديدة جثوت كبقايا الجدار الأخير الذي لا يزال قائماً، أبحث بأيادٍ واهية وموجات الصوت الشريد عن رائحة آل البيت؛ لم يَستوقف دأبي في ذلك سوى آنية أرواحهم الخالية من ملمحٍ للحياة سوى معالم الذعر والألم الأخيرة.
- آسف أبي؛ لن أزعجك بطلباتي مجدداً فخذني معك...
آسف أمي؛ سأكون مُطيعاً من الآن فصاعدًا فلا تهجريني رفقته...
شقيقتي الصغرى، سأكف عن مضايقاتي الطفولية فابقي معي، وسأقيم من أجلكِ أفخم حفلة شاي لم تشهدها أميرات الخيال!
أنت تقرأ
العازف الأخير
Science Fictionكالعادة، حلّ الظلام على سمائنا ضيفًا رفقة عروسه القمر، وقد اختارت لزفافِهما ثوباً يتلاءم مع حُمرة برك الدّماء!