بعدما انتهي المواطن صفر من عمله،عاد إلي صومعته قبل أن يحل الظلام و تخرج الوحوش البشرية إلي الشوارع و تبدأ صراعاتها المسائية التي يشاهدها المواطن صفر من خلف زجاج قلعته الحصينة،بينما يتحسر علي تلك الأيام التي كان البشر فيها لا يزالون بشراً بحق قبل أن يتحولوا إلي هذه المخلوقات الهجينة.
استلقي علي سريره مسترخياً؛ليخرج و يطرد من عقله كل ما حدث له خلال اليوم من عبث،مشبهاً نفسه حينها ب(ألباس دامبلدور) في سلسلة أفلام (هاري بوتر) حين كان يصوب عصاه السحرية تجاه رأسه مخرجاً منها بعض الذكريات الخاصة بأحداث هامة في حياته ممثَّلة في خيوط زرقاء مضيئة و واضعاً إياها في قدر يحتفظ فيه بذكرياته و يمثل له ذاكرته.
ليت للإنسان القدرة علي انتقاء ما يود الاحتفاظ به في ذاكرته و ما يريد التخلص منه! لابد أن شيئاً ما بداخل المرء يقوم بالاختيار.
ثم نهض ليعد لنفسه كوباً من القهوة و جلس إلي مكتبه ليبدأ في كتابة يومياته المسائية..
جلس مفكراً و محاولاً الوصول إلي أي مغزي من وراء كل هذا العبث الذي يجري الآن،فلم يتوصل إلي أي نتيجة إلا أننا جميعاً كبشر ب"نهرتل"...
في هذه اللحظة وقعت عيناه علي كرته الأرضية الموضوعة علي مكتبه،فأطال النظر إليها متأملاً إياها حتي استدعاه تأمله إلي التفكير في مصير هذا الكوكب و نهايته،و في أوجه التشابه بين البشر و منزلهم الوحيد في هذا الكون،ألا و هو كوكب الأرض الذي لا ندرك نحن البشر-سكانه-أننا سنقضي عليه-أي علي أنفسنا-بأفعالنا التي تسببت في ظاهرة الاحتباس الحراري و التي بدورها ستغرق الكوكب بأكمله.
لا يوجد كائن من كان علي وجه الأرض لا يدرك مدي خطورة هذه الظاهرة،لكن ماذا يجب أن يحدث كي نستفيق و نتنبه لها؟!
هل يجب أن تحدث كارثة حتي نفيق من غفلتنا؟!
ثم انتقل المواطن صفر إلي عقد بعض المقارنات بيننا كبشر و بين منزلنا،كوكب الأرض...
فوجد أن المياه تغطي نحو 70% من سطح الأرض،و هي نفس النسبة التي تغطيها المياه من جسم الإنسان،كما أن السماء تمطر مثلما يبكي الإنسان،و تتبخر مياه البحار و الأنهار كما يعرق الإنسان أو يتبول!
في ذلك الحين أيضاً تبادر إلي ذهن المواطن صفر خبرٌ قد قرأه في إحدي الصحف بخصوص حدث هام و تاريخي بالنسبة للبشرية،و كان نصه :"أعلنت وكالة الفضاء ناسا عن حدث تاريخي متمثل في عبور المسبار الفضائي "ڤوياجر 1"خارج بوابة المجموعة الشمسية بعد رحلة دامت ل36 عاماً، ليصبح أول شئ من صنع الإنسان يصل إلي تلك النقطة البعيدة في الفضاء ، و يعبر نطاق المجموعة الشمسية مغادراً إياها إلي الفضاء المجهول الذي لم تطأه آلة من صنع إنسان من قبل،حاملاً معه عدة رسائل من كوكب الأرض إلي كائنات فضائية قد تكون تحيا حياتها الخاصة خارج نطاق مجموعتنا الشمسية بدون تلك الشمس التي لا نستطيع الحياة بدونها..."،و يكمل الخبر :"إد ستون،كبير العلماء ببرنانج "ڤوياجر 1"لسبر غور غور الفضاء،الرجل الذي يقف في الأساس وراء ذلك المشروع العملاق،و الذي آمن أحد أيام عام 1977 أثناء متابعة خطوات إطلاق المسبار من قاعدته الأرضية إلي الفضاء أنه سوف يصل يوماً ما إلي خارج نطاق المجموعة الشمسية ليمكننا من معرفة ما لم نكن نعرفه من قبل ،آمن الرجل بالحلم الذي منحه عمره بأكمله لتكتمل دائرة حلمه بعد 36 عاماً من العمل و الانتظار الذي لا يعرف الكلل أو الملل أو اليأس أو الإحباط...".
و فيما يخص مهمته بعد خروجه من نطاق المجموعة الشمسية،فهي تتمثل في تزويد الأرض بالمزيد من المعلومات و الصور و الأصوات الآتية من الفضاء النجمي البعيد غير المُكتَشَف بعد،هذا بالإضافة إلي تزويدها بعدة رسائل صوتية مُسَجَّلَة بعدة لغات للدعوة إلي الصداقة و السلام من سكان كوكب الأرض إلي من يهمه الأمر في الفضاء البعيد،كما أنها مزوَّدة أيضاً بمعلومات عنا و عن كوكبنا لمساعدة أي كائن فضائي يعثر علي المسبار في التعرف علينا و علي حضارة كوكبنا الأرضي العزيز.
حسناً،تخيل معي إذا تم تأكيد ذلك الاحتمال الشبه مؤكد بأننا لسنا وحدنا في هذا الكون،و أن ثمة كائنات فضائية أخري أطلقت مسباراً يبحث عنَّا،و أننا في نظرهم كائنات فضائية غريبة عنهم! إن ذلك سيحطم ثلاثة أرباع التابوهات التي اعتدنا عليها و تعاملنا معها كمُسلَّمات ...
و هنا يذكر المواطن صفر أغنية planet Earth لمايكل چاكسون:
What about sunrise ?!
What about rain ?!
What about all the things that you said we were to gain?!
What about killing fields ?!
Is there a time?
What about all the things that you said it's yours & mine ?!
Did you ever stop to notice all the blood we've shed before?!
Did you ever stop to notice this crying Earth...this weeping shore?!