الزمان/ الثامن من يوليو من عام ألفين وأربعة عشر
المكان/ موقع زيكيم العسكري
كانت تقديرات القيادة العسكرية للمقاومة في غزة قبل ثلاثة أيام من إندلاع حرب العصف المأكول قد رجحت مواجهة مع العدو.
فصدرت الإشارة إلى قائد وحدة الضفادع القسامية، أن جهزوا أنفسكم، لتكون صفعة على وجه الإحتلال، وعلى قفا من يقف خلفه من الدول العربية، ولتدمي أنف كل من ينتظر هزيمة غزة ورفعها الراية البيضاء.
أعد المجاهدون الخمسة مع قائدهم أمتعتهم، أعدوا الأكسجين والأحزمة المتفجرة، وملؤوا خزائن البنادق، ومضادات الدروع، والعتاد الثقيل، بأكياس تمنع تسرب الماء.
ثم خرج الخمسة في رحلة تجريبية، في حدود شاطئ قطاع غزة، وكانت المفاجئة أن أصيب أحدهم بالتهاب رئوي، وأرسلت القيادة استحالة مشاركة الأخ إبرهيم أيضاً لإصابته إلتهاب في الأمعاء، بينما تم اعتماد محمد، وحسن، وبشار.
اعترض كل من خالد وإبراهيم وصمموا المشاركة.
قام قائد الوحدة بعملية تجريبية في الغطس لخالد وإبراهيم ونجح الاثنان، فتقرر مشاركتهما.
كان الخمسة قد وقفوا أمام الكاميرا يسجلون وصيتهم لأهلهم وشعبهم وأمتهم، منتظرين رحلة لا رجعة بعدها للأهل، رحلة إيمان عبأها القران، والحديث عن الجنان والعشاء مع الرسول العدنان.
تسلم محمد هاتفا محمولا من قائد الوحدة بعد أن عانقه بحرارة وقال:
- في هذا الجوال كاميرا فيديو، يتم ارسالها عبر الشبكة المعادية "أورنج" إلى المركز عندنا، حاول ألا تتصل كثيرا.
-متى التحرك إن شاء الله؟
- قبل غروب الشمس بثلاث ساعات، لتصلوا مع الغروب لتفادي أشعة الشمس التي قد تكشف خروجكم من الماء، خذوا وقتكم الباقي في الذكر والتسبيح، ~الملتقى الجنان وساحة الجهاد عهدنا الشهادة الملتقى الجنان~.
في الوقت المحدد نزل إبراهيم ثم طفا على السطح، وغطس ثلاثة وبقي خالد يراقب، فشل إبراهيم في النزول تحت الماء ثلاث مرات لمرضه، فخرج باكيا، وقال خالد بحزم:
-عد يا أخي، لم يكتب الله لك هذا العمل، عد بسرعة حتى لا تعطلنا.
-أستودعكم الله سامحوني.
غطسوا تحت الماء وقاموا بالصلاة التي ربما هي المرة الأولى في تاريخ البشرية.
تحرك تماسيح البحر يرددون( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ).
وصل المجاهدون إلى موقع زيكم العسكري، قام خالد وإخوانه بإبلاغ القيادة بنجاح وصولهم.
اتجهوا نحو الشرق ووصلوا الشاطئ، أخذوا نفسا عميقا، بعد أن أغلقوا اسطوانات الأكسجين وانطلقوا اتجاه أشجار كثيفة، في غابة صغيرة، ذهب خالد لى طرف الغابة بينما بقى الثلاثة ينظرون في كل اتجاه، كانت الطائرة الزنانة ذات الطنين المزعج تذهب من فوقهم اتجاه غزة، وأنّى لها أن تلتقط صورهم، وقد أيقنوا أن الله قد جعل من بين أيدي أعدائهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشاهم فهم لا يبصرون!
أشار خالد إلى الثلاثة عن بعد وبين الأشجار، فتحرك الثلاثة بسرعة قال لهم بصوت هادئ:
- لقد تعاهدنا على أن نوقع أكبر عددد منهم صرعا، هذه هي الساعات الأولى لمعركة بدر، إذا نجحنا في هزيمتهم، سيهزم الجمع ويولون الدبر، المهم أن نلقى الله وهو راض عنا.
أشار إلى معسكر للجيش، فانطلقوا بسرعة لم يعهدوها، وأحاطوا بالجنود الجالسين، شلّتهم المفاجئة فتسمروا في مواقعهم!
أطلق الأربعة النار على الجميع صارخين الله مولانا ولا مولى لهم، وأفرغوا بعض مخازن أسلحتهم الأولى، ثم رجعوا إلى الغابة مسرعين وتوزعوا.
دسّ محمد يده في جيبه، وأخرج هاتفه المحمول الذي قد كان لفّه في كيس،نظر إليه خالد مستنكراً:
- كيف جئت به؟ إنه سيدل علبنا!
-أعطانيه أخونا قبل الغوص، سيكون لهذا الخبر أثره الكبير.
- سأتصل بأخي، وأبلغه ما حدث، ثم نتخلص من الهاتف.
-السلام عليكم، كيف حالكم، أنا بخير، اسمع لقد تمت عملية في منطقة هربيا زيكيم، وهاجمنا تجمعا للجنود، نعم أنا متأكد من ذلك، هل تسمعني؟
- باكيا، الله أكبر الله أكبر، نعم أسمعك، الملتقى الجنان الملتقى الجنان.
ألقى الهاتف في حفرة صنعها بقدمه ثم استمع هو وبقية اخوانه لصوت دبابة قادمة.
نظر خالد، فشاهد غبارا يأتي من الشمال، قال بصوت حازم:
-أنا بمفردي سأذهب إليها.
لحق بها خالد ثم وصل إلى مؤخرتها ووضع عبوة ثم رجع مسرعا ثم فجر الدبابة دون أن تطلق أي رصاصة أو أي قذيفة.
نظر الثلاثة إلى الدبابة المشتعلة، ثم سجدوا على الأرض وعيونهم دامعة، وأفواههم مبتسمة، يزيدهم خشوعا.
وصل خالد وشاركهم مشاهدة الدبابة المشتعلة.
مرّت دقائق، وبدأت أرتال من الدبابات والعربات المصفحة وحاملات الجند، تظهر على الشارع وهي تطلق النار في كل اتجاه ثم اقتربت واحدة قال حسن:
-هذه حصتي يا خالد اتركها لي.
قال بشار
- أفضل أن ننتظر حتى يتجمع عدد أكثر وأكثر وعندها....
- اسمح لي أنا لن أنتظر أريد أن أدخل الجنة في هؤلاء.
أطلق حسن قذيفة مضادة للدبابات فانفجرت ناقلة الجند سادت حالة من الارباك والخوف الذي يخلع القلوب صرخ حسن بأعلى صوته:
- الله أكبر.. الله أكبر.. وخرّ ساجدا.
قال خالد:
- الآن يجب أن نغير مواقعنا، لأن ذخيرتنا على وشك النفاذ.
- هل سننزل الماء؟
-لا بل نقاتل حتى نلقى الله شهداء لقد ختمتنا جلستنا في هذه الدنيا الملتقى الجنان.
تحرك الأربعة من الغابة من نقطة إلى أخرى يتلاحمون من نقطة صفر الطائرات والدبابات والزوارق تلاحقهم، حتى سكنت الأجساد وفاضت الأرواح إلى بارئها.
طارت الأخبار إلى رئيس وزراء الدولة المعتدية، الذي صرخ:
امنعوا تداول أخبار هذه المصيبة، أربعة اشخاص يدخلون الأرض المحصنة ويقتلون هذا العدد الكبير ويفجرون الدبابات أربعة أشخاص فقط، لو كانوا عفاريت ما فعلوها.
عرض العدو في حماقة له مخازن المجاهدين فارغة لوسائل الإعلام، لم يجدوا قنبلة يدوية واحدة، فقد كان كل واحد منهم يحمل أربعة قنابل، كانت قوالب المواد المتفجرة فارغة تماما، ولم يدركوا أنهم بذلك ارتكبوا خطأً كبيرا، كيف تم إفرغ هذه الذخائر؟؟