🌺من جديد

58 7 11
                                    

على إحدى مقاعد الدرجة الثانية أجلس وقد بلغ الحر مني مبلغه أن تصببت جبهتي عرقاً وهذه الملابس الريفية الفضفاضة وحقيبة الجلد القديمة المرقعة والحذاء الذي قد لا تميز لونه من لون الطين المغطي له..... هل يليق هذا بفتاة تتجه إلى العاصمة
كنت انظر خارج النافذة وقد بدأ الريف يتلاشى قل عدد الأشجار وذاك النسيم الدافئ يختفي كلما اقتربنا أكثر من وجهتنا ....

********
".......يا انسة. ...ياانسة استيقظي لقد وصلنا. .."
فتحت عيني ببطئ ، يبدو ان التعب قد نال مني وسافر بي إلى عالم أحلامه بعيدا عن ارادتي ..

تركت القاطرة لاسمع صافرة القطار وقد انطلق مخلفا وراءه تيارا هوائيا قويا رفع ثوبي و أسقط قبعتي ذات الطراز الريفي كانت قبعة من القش أطرافها واسعة مهترئة ..قد بدى عليها القدم حيث زينتها بعض الشرائط الوردية وكم أكره هذا اللون ....

..من دون إذن مني تركت حقيبتي ورحت أركض وراءها وكلما اقتربت منها كلما رفعها الهواء عاليا

وأخيرا امسكتها ولكن ....لحظة أين انا بالظبط

جعلت اتفقد المكان حولي بناظريّ
كان المكان واسعا تحيط به أشجار عالية  ..صوت حفيفها لا يكاد يفارق مسامعي.. خيوط الشمس الذهبية المتسللة من بين  الأغصان الكثيفة والهدوء الغريب الذي من الصعب أن تجد له معناً...

حسنا علي فقط أن اهدأ. ..."اهدئي فقط.."همست لنفسي ..اخرجت نفسا عميقا تبعته كل مخاوفي وزال بعده توتري وقلقي... 
حاولت الرجوع من حيث أتيت اتخذت الطريق الوحيدة السالكة وبعد خمس دقائق من المشي بلا وجهة ....لحظة ولكن كيف. ...نعم لقد عدت إلى نقطة البداية. ..
لم أستطع التماسك أكثر وبدأت أجري هنا وهناك وأي طريق سلكت فإن كل الطرق ويال سوء الحظ أدت إلى ...روما
استسلمت وجلست بعد أن انهكني التعب ...
استجمعت أنفاسي المتضاربة من شدة التعب ووقفت ...."هل من أحد هنا. ...هنا ..هنا.."صرخت بأعلى صوتي ولم أسمع سوى صداه يخبرني بأنني قد ضعت.....
حسنا وما عساي قد أفعل الآن. ...نعم فقد فات الأوان..
استسلمت للواقع واستلقيت على العشب الرطب غطيت وجهي بتلك القبعة الغبية التي لولاها لما كنت هنا. ..مانعة النور من بلوغ بصري. ...وسافرت إلى المكان الذي ينسى المرء فيه نفسه. ...
                **********     
"جورجيا. ..جورجيا يا ابنتي. ..لا تسني. ..اخوك. .انت. ...الحريق....انتقمي..انت....الانتقام.....انتقمي انتقمي..."لا اريد اتركني هيا.."الحريق ...انت..ذاكرتك
                **********
استيقظت على رائحة غريبة بدت مألوفة بالنسبة لي لتصرخ بي امرأة بدت وكأني قد رأيتها من قبل "وأخيرا اسيقظتي. ...." صمتت قليلا بعض أن لاحظت الاستغراب الذي بدى على ملامحي  "يا عزيزتي لقد خفت عليك كثيرا. .."اكملت بعد أن اعتدلت انا في جلستي ثم شدتني نحوها لاستقر في حضنها ولكن هذا العطر أين. ..أين
لحظة. .."خالتي. .." صرخت بعد أن تذكرت. .إنه عطر البنفسج المفضل لدى عمتي أو كما اناديها انا خالتي اعلم أنكم تتساءلون كيف لي أن أدعو عمتي بخالتي لكن....لا تستغربوا فهذه هي انا. ..ولكن ملامحها تغيرت كثيرا ووجهها. ..أين إشراقته التي عهدتها...

"..لكن أين انا..."قلت بعد أن تركت حظنها وتفقدت المكان الذي بدى وكأنه أحد غرف المشفى
"كيف جئت الى هنا. ... "اكملت بعد أن تذكرت ما حدث بالأمس
"لا اعلم يا عزيزتي لقد وجدناك في الغابة وكان جرحك ينزف. ..أقصد جرح رأسك ونقلناك إلى هنا. .إلى المشفى..."قالت بتردد ولكن..رأسي إنه لا ينزف إلا ...إلا إذا 'عاد المفقود ' لكن ما هو المفقود. ..الغريب أنني لا أتذكر طفولتي لمذا يا ترى...
"سوزي... سوزي ..هل تسمعينني"قطع صوتها الهادر حبل افكاري  "اه نعم.. آسفة ..هلا اعدتي ما قلته يا خالتي "أجبت نداءها بتردد
" لقد قلت بانك فقدتي الكثير من الدماء وعليك البقاء في المشفى الأيام الأربعة القادمة هذا ما قاله الأطباء "قالت بنبرة متذمرة ....
لحظة سأبقى في المشفى أربعة أيام. ..يا لكي من قبعة حمقاء  قبعتي ..نعم. .قبعتي " أين قبعتي "صحت بصوت فاجئ خالتي "ه..هاهي لا تقلقي "ردت بتوتر وعانقت انا قبعتي أنها الذكرى الوحيدة من جدي...جدي لما تركتني...
خرجت خالتي بعد أن ودعتني و ضللت انا احدق بالسقف إلى أن  نمت نوما عميقا.....

************
  اسمعي يا ابنتي. .
-نعم جدي العزيز
-لا ينزف جرحك هذا "قال وهو يشير إلى مؤخرة رأسي "إلا إذا. ..عاد المفقود
-عاد المفقود ولكن ما هو المفقود "قلت باستغراب "
-عندما يعود  ستعلمين كل شيء مع مرور الوقت
-حسنا "قلت بنبرة طفولية متذمرة وانا اقبض وجهي بطريقة مضحكة ليبتسم هو
و اركض انا إلى البستان والتف حول نفسي ..النسيم يداعب خصلات شعري البنية الناعمة ..زهور  البنفسج تغطي المساحات وأقف انا في وسطها كالزهرة الضائعة ..
******
"ما الذي كنت  تعنيه بكلامك يا جدي "قلت بصوت هادئ عميق وهادر..
ثم وقفت من مكاني واتجهت إلى حديقة المشفى ..

كانت مملوءة بالناس بعضهم يجلس على الكراسي المتحركة والبعض الآخر يستخدم العكاز ...أحقا ياثر فيهم المرض إلى هكذا درجة
بعثرت شعري ببلاهة بعد أن لاحظت أن الجميع كان ينظر الي باستغراب وقد ترجمت ملامحهم أفكارهم. ...مالذي تفعله فتاة كهذه هنا. ..أهي حقا مريضة....طبعا هذا ما كان يجول في خواطرهم من اسئلة..
تجاهلتهم وسرت إلى أن وجدت نفسي أمام شجرة ضخمة اغصانها متشابكة واوراقها خضراء نظرة عليها من اعشاش الطيور ما لم ارى على شجرة مثلها من قبل ...
تسلقتها. ...وقد وصلت قمتها. ...
مسحت العرق عن جبيني....ثم وقفت على غصن بعد أن هززته لاتاكد من ثباته فأنا لا اريد ان أذوق عذابا أكثر مما ذقته في سجون المشفى المظلمة.. نظرت إلى السماء....
الغيوم بيضاء منتشرة هنا وهناك والشمس تنشر اشعتها بقسوة... لا تكاد تسمع إلا غناء الخنافس العالي.....
ثم وجهت نظري إلى الأسفل لأرى وجوه المرضى المصدومة وافواههم المفتوحة... جعلتني أتذكر اليوم الذي دخلت فيه ذبابة فمي.....

*************
انا الان أقف أمام البوابة...بعد أن طردت من المشفى
"فتاة ريفية متهورة بلهاء........... طردت من المشفى "قلت ببلاهة لتضحك خالتي التي تقف إلى يميني على طفوليتي....

خرجنا لامسك قبعتي واتنفس بعمق وكأني لم افعل ذلك من قبل بينما يداعب النسيم الساخن شعري المتلألأ تحت أشعة الشمس الساطعة ....

"حسنا. ..والآن يا عزيزتي ستبدأين من جديد..."قالت خالتي لانظر نحوها بعدم فهم لتضع يدها على فمها محاولة كتم ضحكتها فتردف قائلة "ستفهمين كل شيء مع مرور الوقت "...لا أدري ولكن متى سيأتي هذا الوقت الذي يتحدث عنه الجميع .....الوقت الذي ساتلقى فيه الجواب الشافي لكل اسألتي...

-----------------------------------🌺
أتمنى البارت القصير يكون عجبكم
-رأيكم
-استمر ولا احذف الرواية
-توقعاتكم واسئلتكم
                   🌺-إلى اللقاء-🌺
            

جورجيا🌺زَهرَة مَفقُودَة🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن