(هو)

485 63 31
                                    


♪ الجزء الثاني :-

تشابهت الأيام والتواريخ، ودوائِر المعاناة المفرغة بالنسبة إليها، اليوم مثل الأمس وكذلك سيكون الغد..لا شيء تتوق إليه..سوى ساعات المساء.

سوى حروفٍ تسحبها من أرض الواقع..تهديها مشاعرًا ما عادت تُحسُّ بها في حياتِها اليومية..《محبة..صداقة..أُخوة..ذكريات..سعادة وحزن》

جميعها تجسدت على شكل نصٍ كتابي، ما إن ينتهي حتى تسكب قلبها في رسالة وتضغط زر الإرسال.

ولكن هذا اليوم بالذات كان مختلفًا عن غيره!

طرق بابها..مرة..مرتان..والثالثة..دخل غاضبًا، والدها وهو يصرخ، فقد ارتكبت جريمة نكراء، تدنت علاماتُّها ولم تنل في اختبارات نصف العام المرتبة الأولى، ليس بسبب الإهمال بل المرض، ولكن مَنْ ذا الذي سيسمعها.

أطلق العنان لأحكامه، مقيدًا لعقله في ثورة غضبه تلك التي زادتها هي ببرودها وصمتها المطبق، دفعها..دفعها بعنفٍ لتسقط علي الحاسب خلفها، فيتحطم إلى قطعٍ صغيرة...أشلاء..مبعثرة.

خرج بعدها صافعًا الباب خلفه هادرًا بوعيده، ظلت تلملم أجزائِها بصمت وقد قيّدت دموعها بأصفاد كبريائها، همست لنفسها علها تهدئ خفقات قلبها الهائج: "أنتِ معتادة على هذه المعاملة، كل شيء سيكون بخير."

 ..بخير؟

متى؟ متى سيأتي هذا اليوم؟

فمنذ أعوامٍ طويلة والحال على حاله! لا تذكر متى وصلت هذه المرحلة من التعاسة، كما لو أنها لم تذق يومًا غيرها لتعرف الإجابة، في محاولة يائسة لتذكر الماضي السحيق، جلست على الأريكة وأراحت رأسها للخلف معلقةً ناظريها بالسقف وهي تفكر بأقرب ذكرى تشرح وضعها الحالي، تعطيه شيئًا من المعنى.

...

كنتُ طفلة لم يتجاوز عمرها الثلاث أعوام، ألعبُ بدمية صغيرة ذات ضفائر شقراء وأعين بلورية خضراء اللون، أذكرُ أنه بين ليلة وضحاها تغير منزلي..وتغيرت حياتي..دون درايتي بذلك، لكن مرور السنوات لم يمحُ إحساس أن هناك خطب ما بداخلي، جزءٌ مني كان يعلم يقينًا معنى الإنتماء وعلم يقينًا أننيّ لا انتمي لهذا المكان، مرفوضة، غريبة، وحيدة.

يتيمة. هي المفردة التي تُعرفنيّ ولم أعرفها حينذاك.

هكذا كبرت وسط حشدٍ من الأسئلة بلا إجابات ووالدين يتهربان من الحديث عن الماضي، يرفضان التطرق إليه مهما ألححت، كانا ينهرانني عندما اتحدث عنه، كما لو أنني ارتكتب خطيئة كبيرة. لهذا توقفت عن السؤال واستكنت لذاكرتي المشوشة ولكن دون فائدة، كلما أوشكت على تذكر ما حدث..ينقطع فلم الذكريات عند حد معينٍ، كما لو أن عقلي يرغب في حمايتي منها، ظلت تلك القطعة الناقصة من حياتي تُؤرقني، وفقط عندما استسلمت لكوني لن أعلم أبدًا الحقيقة، حدث الغير متوقع.

Behind ThE ScreeNs♪حيث تعيش القصص. اكتشف الآن