دائرة القدر

308 36 20
                                    

في وادٍ سحيق بين جبلين عظيمين بعد أن نام البشر ، كان مستلقياً هناك على بطنه ، غارقا في دمائه ، فتح عينه السليمة بصعوبة بالغة ، وحاول رفع جسده بيده اليمنى لاعتلال أختها .
ما إن نظر إلى الشيء الذي استقر عليه بعد سقوطه حتى صرخ صرخة مدوية ، جذب بها انتباه الذئاب الجائعة .
مقبرة من الموتى هناك !!
جثث طرية..
وأخرى مزقها نهش الذئاب ونخر الدود !!
و هياكل عظمية... ملقاة يمنة ويسرة .

لحظاتٍ قليلة...
ويستوعب أنها المقبرة التي صنعها بنفسه .
تلفت حوله.. ليرى الذئاب التي بدأت تتراقص على أنغام عوائها فرحا بفريستها الجديدة !!
لم تفزعه مناظر الأموات التي بشمت بلحمها بطون هاتيك الذئاب الجائعة ؛ لأنه معتاد على رؤيتها !!

بل كان فزعه من تلك النظرات التي توجهها أعين الذئاب إليه .
لربما كان يستطيع تسلق الوادي لو لم يكن مثخناً بالجراح واحدى عينيه قد فُقئت إثر سقوطه المريع !!
في تلك اللحظة - وفي غضون ثوانٍ قليلة - مرت في ذهنه سلسلة الأحداث التي لطخ بها حياته .

***

في ظلام ليل دامس ، كان مستلقياً كعادته بين شجيرات صغيرة ، حيث كان يقتنص الأبرياء من البشر..
فيمر بجانبه شخص راكباً أتانه ، ما إن تصاعدت أصوات دبيب حوافرها حتى نهض واقفا أمامه .
- مرحباً !
قالها الراكب وهو ينزل عن حماره ، قابله هذا اللص بابتسامة خبيثة ، أتبعها بإخراج خنجرهِ.. قائلا ً:
-" ستسلمني كل ما تملك ، وإلا .."

لعق خِنجره وهو ينظر بشراسة وشراهة نحو الرجل الذي زارت جسده رعشة خوفً..
- " أرجوك ، لدي خمسة أطفال وزوجة ، وقد ذهبت لكسب المال لهم ، اتركني اذهب وسأعطيك نصف مالي " قالها هذا الضحية رغم أنه يعرف أن توسلاته لن تجدي نفعا .
- " الكل أو الكل "
قالها هذا الوحش البشري وهو يقترب منه! وكأنه يقول: الفظ أنفاسك الأخيرة!
أخرج الضحية خنجراً كان يخبئه خلف ظهره محاولاً الدفاع عن نفسه..
حاول أن يوجه طعنة في رقبة هذا الجاني ولكنه أخطأ الهدف ..
وأصابت خنجر الرجل طرف كتف الوحش البشري مخلفة بضع قطرات من الدماء لم يأبه لها ، بل أنزل يده كالصاعقة على رأس ضحيته ليطرحه صريعاً بعد صيحة أليمة أعلنت مفارقة روحه عن جسده .
قام بتفتيشه وأخذ كل نقوده وممتلكاته متوجها بعد ذلك نحو المدينة .
بعد رميه لذلك الجسد البريء في الواد السحيق الذي جعل منه مقبرة لضحاياه .

***

في اليوم الجديد
انطلق الوحش البشري ليمارس وظيفته اليومية القذرة في البحث عن ضحايا جدد يملأ بهم مقبرته المرعبة !!
لكن هذا اليوم مختلفاً..
شخص ضخم الجثة -ذو ملابس باليه وشعر طويل مغبر ، متجهم الوجه ، قاسي الملامح- يمر به في طريقه..
لقد كان هذا الوحش واثقا من شجاعته وبراعته في مواجهة ضحاياه إلى حد مواجهة مثل هذا الشخص الضخم !!
خرج أمامه وطلب منه إلقاء ما بيده والاستسلام له!!!
- " وهل ترى مظهري يدل على ذلك؟ " قالها الضخم مقهقها ضاحكا ً.
" لا أحد يمر من هنا أبداً، إنه أجلك، حانت نهايتك " أجابه اللص بتكبر!!

مشى الضخم مقهقهاً متجاهلاً ما قيل له!!
ليثير غضب هذا اللص فيقوم بتوجيه خنجره إلى صدره .
بيد أن شيئاً لم يكن في حسبانه قد وقع!!
بسرعة خارقة يمسك هذا الضخم يده التي تحمل الخنجر!!
- فيبدو هذا الوحش البشري أمامه كالحمل الوديع -
ثم أخذ الخنجر منه وطعنه في ساعده فبطنه...
_ " يجب أن تعرف من تجابه !! "
صاح في وجهه بصوت يهز أرجاء المكان .

ثم دفعه بقوة ليتدحرج ويهوي إلى أسفل الوادي مع صديقه الحميم : الخنجر .
ثم أكمل الضخم طريقه وكأن شيئاً لم يكن!!

***

استفاق من استذكاره لهذا المشهد المهين المريع ،
تلفت حوله باحثاً عن خنجره ؛ ليجده تحت قدم أحد الذئاب !!
توجهت ثلاثة من الذئاب نحوه معلنة مصيره الذي أيقنه تماماً -وكأنما هو انتقام الهي منه لجميع الأبرياء الذين تفنن في قتلهم- ، وقبل لحظات من التهامه : أدرك ما الذي حدث فردد في نفسه :
" قٙتٙلتُ فقُتِلْتُ
وعذّٙبْتُ فعُذِّبتُ
وكنتُ ذئباً فأكلتْني الذئاب!!
إنها
دائرة القدر!! "

تمت


دائرة القدر || ون شوت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن