الفصل السادس عشر

2K 52 0
                                    

الفصل السادس عشر
............
اطمئن عماد أن توزيع البضاعة يتم بشكل جيد , وابتعد دون أن يشعر به أحد ..
متجها نحو الطريق الصحراوي , نصب عينه وجهة محددة .. الحدود ..
بعد اتصاله الأخير مع منذر , أراد أن يتأكد من ثبات الرجال الذين أرسلهم في مواضعهم ..
مر في طريقه , من قرب موقع غريب لم يره حين قدم قبل أيام ..
أوقف سيارته قليلا ونزل منها ليرى ما يحصل , لم يقترب كثيرا  , عن بعد رأى أن الخيام تنصب والناس كثر , يبدون من البدو ..
لم يفهم ما يحصل , لكن وجودهم هنا أزعجه , فطريقهم من هنا !
عدا ذلك , فالطريق من هنا قليل القدم .. لذلك اختاروه , فالمنطقة حدودية ..
قطب بانزعاج , وترك السيارة مبتعدا عنها , يبحث عن ممرات قريب , لا تظهر شاحناتهم منها لو مرت ..
شتم بعنف وهو يرى أن أي طريق قد يظهر لهم وهذا ليس من صالحهم أبدا ..
ولم يقاوم فضوله أكثر , واقترب من الرجال الذين ينصبون الخيام , بل كما يبدو يحضرون لشيء لا يعلم ما هو , ألقى التحية بصوت قوي
*كيف الحال يا رجال ..
توقف بضعة رجال عن العمل , ينظرون له بارتياب , حتى ديسم نظر له بريبة ليشير للرجال بمتابعة العمل ..
وتقدم منه يسأل بتقطيبة مستغربة
*بمَ نخدمك ؟
ارتفع حاجب عماد مستغربا اللهجة القوية ذات اللكنة الغريبة التي يتكلم بها الشاب ذات النظرات الصقرية ..
شد كتفيه مصدرا طرقعة جلبت ابتسامة سخرية لشفتي ديسم , وهو يراه يجول بنظراته في المكان حولهم ولعملهم حتى
*فقط أتساءل ما الذي يحصل هنا ..
تنهد ديسم بقرف منه , لم يرتح له لا يعرف السبب , لكنه لا يبدو طبيعيا ولا يبدو من مجلس المدينة أبدا ...
ضيق عينيه وأجاب مبتسما
*نقيم مهرجانا هنا ..
وبمكر أضاف بعد لحظات خاصة مع نظرة الصدمة التي ظهرت في عيني عماد وسارع لإخفائها , لكن ملامحه التي تجهمت لا تبشر بالخير ..
*وبأمر من مجلس المدينة ولدينا رجال من أمنها ..
وكما توقع , زاغت عيني الرجل بغير رضا وعلى الفور ابتعد يتمتم بكلمات غير مفهومة , تاركا ديسم خلفه ينظر له بعدم راحة , من فوره أخرج هاتفه , بينما اتصل برقم نيمار يخبره بالأمر الذي لم يرحه ..
كان ليندم لو لم يفعل ذلك .. لا يبدو أن هناك شيء طبيعي يحدث , فمما علم من مجلس المدينة أنه وبفعل المهرجان ستزدهر المنطقة وربما يستثمر الأرض أحد الرجال , فهي شبه مغمورة , كما أن التوسع العمراني يحتاج لجلب القدم نحو هذا المكان ..
ثم نسي كل شيء عنه , يعود للخيام التي ينصبها ..
متأكدا وأن كل شيء على ما يرام وكما خطط له مع لمك ..
دلك جبينه بقلق , ما زال لا يعلم ما الذي حصل مع لمك بعد ما تركه آخر مرة , في كل مرة يتحدثان يغرقان بأمور التنظيم للمهرجان ..
خاصة وأن فاتنة حامل !
كيف حصل زواجها في تلك المعمعة دون أن يحتفلوا بها بشكل لائق ..
ستجن غنجة عندما تعام بحملها , فهي وراجية صديقتيها الوحيدتين ...
نفخ بينما سارع ليساعد أحد الرجال بشد حبل الخيام ..
......................
شتم بعنف ينطلق بسيارته مسرعا نحو الموقع المخصص للتسليم , وما أن وصل حتى استعمل هاتفه على الفور , لم يكن مسعدا لأن يرد عليه مهاب ببرود , يسأله عن سبب رغبته بالتحدث مع منذر , ليهدر فيه
*وما شأنك أنت ؟
لكن مهاب لم يسمح لنفسه أن يتوتر , يجلس في مطبخ القصر يحظى بوجبة تليق  به وقد أصبح ساعد منذر في كل شيء ..
يستحق الثقة كما يصفه منذر ..
التوت ابتسامته بسخرية ليرد بذات البرود
*شأني أن منذر طلب مني ألا أوجه له أي هواتف حاليا ...
وبتلاعب أضاف بتمهل
*لذا يمكنك أن تخبرني بما تريد قوله حتى أبلغه به ..
أبعد الهاتف عن أذنه وعماد يشتم , يذكره أنه هو من وضعه في ذاك المكان , يعتقد أنه بكلامه هذا يحجمه .. لكنه انتظر حتى أنهى كلامه وصراخه ليقول بلهجة باردة أتقنها , بعد معرفته بمنذر
*الآن اهدأ وأخبرني بما تريده أن يعرف ...
وكذلك شتم عماد , لكنه هذه المرة قال
*أخبره أن الطريق لم يعد آمنا .. فالغجر يقيمون مهرجانا في طريق الشحنة المعتاد..
ارتفع حاجبي مهاب , يشكره سرا , وهذا هو ما أراده بالضبط ..
أن يحصل على معلومة قيمة كهذه ..
وانتظر للحظات يكمل فيها عماد بعد صمت برهة
*يجب أن نجد طريقا آخرا ..
وبمكر سأله عن موقع الطريق المعتاد , وقد تعرف على المكان ببساطة , فهو من أهل المدينة قبل أي شيء ..
نظر للمرأة التي أحضرت له وجبة فاخرة , مع الكثير من الفواكه وابتسم لها بغرور يليق بمكانته الحالية ..
تقمص الدور بنجاح , من يرى صراعه مع نفسه لا يصدق أبدا ..
بل من يراه الآن لا يقدر حتى على المقارنة مع مهاب القديم وكيف كان ومهاب الجديد وما أصبح عليه ..
رفع حبة فاكهة يقضمها بشرود , يرفع ساقيه على كرسي مقابل له ..
متجاهلا لنظرات الانزعاج من المرأة ..
يرغب حقا أن يعتذر منها لتصرفاته الصلفة لكن هذه التصرفات هي ما جعلت منذر يثق به ..
التوى فكه , لتهتز عضلة ما في وجهه بقرف من الشخصيتين المتناقضين اللتان يعيشهما .. ترى .. هل سيقدر على العودة كما كان ..
لم يكمل الفاكهة ولم يتذوق الطعام حتى ..
لقد حان الوقت لزيارة المستودعات .. كم كان من السهل خداع منذر ..
فبعد مراقبة مكثفة للمستودعات التي يستخدمها تمكن من كشف الكثير من الأخطاء واستغلها لصالحه وخلال الزيارات المتكررة مع منذر كان يلقي ملاحظات باهتة متظاهرا بالملل ..
كانت الجدية ترافق دائما وجهه , فلم يحدث أن سمح لأحد برؤيته يبتسم إلا إن كانت بسخرية أو غرور أو حتى ابتسامة باردة ..
لينتبه أن منذر أخذ بملاحظته , مرة بعد مرة وحصل على غايته بالفعل ..
أصبح ذراع منذر المؤتمن ..
لم يخبر منذر بالأمر , تركه في الصالة ..
ألقى نظرة غليه , بينما هو غارق في أوراق اللعب مع مجموعة من الرجال ..
أشار له بيده أنه سيخرج , انتبه لو ليومئ برأسه موافقا ...
فغادر على الفور يهمس في سره
( نعم ابق أنت مع أوراقك السخيفة ودعني أقوم بعملي لأعود لعائلتي )
.........................
( تزوجيني ... الآن )
لا زالت هذه الكلمات ترن في أذنها لا تصدق أبدا أنه يقولها ...
عيناه تنضحان  بالتحدي وعينيها حائرتان تبحث في ملامحه عن مزحة أو شيء ما همست تبتلع ريقها بصعوبة
*نيمار ..
قاطعها على الفور بقوة , غير آبه للحيرة فيها فقد تعب حقا من إثبات حبه وإخلاصه في كل مرة
*نعم أو لا ..
تحركت شفتيها دون أن تجيب ليستحثها بنفاذ صبر
*جاوبي صفاء ..
ودون أن تدري , تذكرت كلمات روز .. من كان يصدق أن روز يوما ما قد تقدم نصيحة مفيدة , لا تريد أن تخسر نيمار .. تحبه بجنون ..
*نعم .
همست بدمعة يتيمة نزلت من عينها , ليمسك كفها بقوة
*جيد , هيا لنعقد القران ..
اتسعت عينيها بذعر , تسمع كلماته ولا تصدق لتحاول فهم ما يقول
*ماذا .. ماذا تقصد نيمار ...
فعليا .. كان يسحبها خلفه , حتى دفعها لسيارته دون أن يجيبها بعد , وركب مكانه بقوة لينطلق وهو يرد ببرود دون أن ينظر لها حتى
*كما سمعت .. سنعقد قراننا , وحينها ..
التفت لها بنظرة جانبية غاضبة أرجفتها
*حينها تجرأي على فعل ما كنت تفعلينه ..
عبست , تنظر له بعيون لائمة , لتعي ما يقوله .. يعقد القران !
تتزوجه الآن !
بعيدا عن عائلتها دون علمهم أي جنون هذا , هتفت على الفور
*توقف عن هذا الجنون يا نيمار ..
لكنه لم يلاد عليها تركها لذعرها وهي تحاول معه
*هل تسمع نفسك ! أنت تهددني قبل أن نعقد القران حتى !
حينها ضرب المقود بعصبية واضحة يهدر
*طبعاً أهددك .. تبا صفاء أنا أحبك .. أحبك .. أحبك ..
ومع كل أحبك كان يضرب المقود لتهتز السيارة في طريقها ..
يكمل وصوته يقصف بقوة
*أحبك بجنون وأنت لا شغل لك سوى تكدير هذا الحب ..
أوقف السيارة بتهور على جانب الطريق , حتى يتسنى له إكمال ثورته دون كارثة
*نعم أهددك , وافقتِ على الزواج مني .. وسنتزوج ..أسمعت سنتزوج , ولن أسمح لك بالجنون أو بدفعي مرة أخرى لخسارة فرصتنا ..
لكن منظرها المتردد جعله يشعر بغيظ أكبر وغضب متصاعد أكثر , ليطفئ المحرك , يصر على أسنانه يهمس بشر حتى لا تجد فرصة لتتهمه أنه لم يمحنها أي فرصة .. شتم في سره وهو الذي أراد استغلال هذه الموافقة في ربطها به ..
ودون أن ينظر لها , نفث كلماته
*الآن صفاء .. أمامنا دقائق لنصل وحتى يجهز الشيخ كل ما يلزم لعقد القران سأسألك لآخر مرة , هل تريدين أن نتزوج أم لا ..
وقبل أن تنطق , مد كفه الضخم ليسحف كفها الناعم , وأصابعه تعبث في خاتمها حتى انتزعه متحدثا بشر
*حتى إعلانك زوجة لي , لن يعود هذا الخاتم لإصبعك ..
شهقت من الصدمة ...
لا تصدق أن من أمامها الآن هو نيمار .. نيمار !
.............................
بعد أسبوعين كاملين ...
دارت غنجة في أرجاء البيت الذي أخذه لها لمك هي وغالية , تشعر بسعادة لا توصف .. ستسكن في المدينة أخيرا ..
كان هذا حلمها دائما ..
غالية من كانت تعترض , ألقت نظرة عليها وهي تتبعها بضعف في الأنحاء ..
اقتربت منها تسندها مبتسمة والسعادة مرتسمة على وجهها لم تحاول إخفائها , ولو حتى لأجل غالية التي كان الخروج من المضارب صعبا عليها ..
*غالية أنا لست مرتاحة لحالتك , هذه الضربة على رأسك أضعفتك كثيرا ...
ساعدتها حتى جلست على الأريكة الضخمة , تنظر لابتسامتها الذابلة تسأل بإصرار
*ألن تسمعي مني لنغير الطبيب ؟
لكن غالية اكتفت من النظر لها بصمت , تقرب وجهها بكفها تقبلها على خديها بشوق غريب , بطريقة غنجة تتعجب منها في الفترة الأخيرة
*كل ما أريده هو أن أبقى بقربك ..
اتسعت ابتسامة غنجة , لتتركها وتنهض تفتح ذراعها على اتساعهما تدور سعيدة , بينما ضفيرتها تدور معها
*أنا سعيدة غالية .. سعيدة جدا .. وأخيرا !
لا زالت تذكر حماسها للأمر مذ ذكره لمك أمامها , صحيح أن الأمر قد تم بمساعدة مالك وروز وقد اختارا بيتا مقابلا لهم ..
لا تعرف كيف تدبروا الأمر , لكنه استغرق وقتا ونجح ..
غرفة لها خاصة بها !
هل هذا حلم ...
وعادت لغالية تقول بحماس
*اقرصيني .. هل هذا حلم ..
ثم قفزت مبتعدة على الفور
*لا لا لو كان حلما لا أود أن أستيقظ منه ..
ترقرقت الدموع في عيني غالية , فنهضت بضعف , لازمها خلال الفترة الماضية وهمست مرهقة
*ابنتي ... صغيرتي .. أريد أن ارتاح لبضع دقائق فقط ..
قطبت غنجة بعدم رضا من حالة الكسل المرافق لها في الآونة الأخيرة , لكنها اقتربت على الفور منها تساعدها حتى وصلت الغرفة التي أخبرها لمك أنه يعدها لغالية ..
كانت مفاجئتها مثل غالية بالغرفة الفاخرة ..
لم تكن تحلم حتى في أكثر أحلامها جنونا أنا قد تدخل غرفة كهذه !
همست بانبهار
*يا لها من غرفة رائعة ..
لكن غالية التي لم تكن تحب كل هذه الفخامة , حنت لخيمتها .. لسنوات عمرها التي تغيرت مؤخرا , لوسادات الريش التي كانت تصنعها , وللأغطية الصويا على أيديهن .. كل هذه الفخامة لم تكن تذكرها .. إلا بمَ سرقته !
نعم كانت مجرد سارقة ..
غصت بالدموع , تتمدد على سريرها وغنجة تساعدها , وهمست باستياء
*تبا للمدينة الجو خانق ..
نظرت غنجة حولها , رأت جهاز التكييف , نظرت له ببلاهة فهي لا تعرف حتى كيف يعمل , ولم تفكر كثيرا وهي تتجه للنافذة تفتحها , ولم تكن أبدا مستعدة لكمية الضجة التي دخلت منه ..
لتسرع غالية وتطلب منها إغلاقه ..
تغمض عينيها بإرهاق تنشد النوم ..
النوم .. وكم كثر نومها أخيرا حتى غنجة همست بحنق
*غالية أنت تنامين كثيرا هذه الأيام ..
لم ترد غالية ..
لم تكن قادرة على ذلك .. والألم يضربها عميقا , والقهر يستوطن حنجرتها حتى عجزت عن النطق واكتفت بإغلاق عينيها , لتنحني عليها غنجة تقبل جبينها , وعينيها ينظران لها بحيرة , فحالتها لا تبدو جيدة أبدا ..
لا تعرف حتى كيف وقعت ..
لكن المهم أنها بخير ومعها وحققت حلمها ..
عادت الابتسامة لتنير وجهها وخرجت من الغرفة تغلق الباب خلفها بهدوء ...
واتجهت على الفور نحو المطبخ , لطالما سحرتها مطابخ المدينة بأناقتها ورقيها ..
ولم يكن مطبخ هذه الشقة أقل فخامة ..
ضحكت من نفسها وهي ترى كماً من الأدوات الكهربائية  .. وكلها بلا استثناء لا تجيد استخدمها ..
حتى الفرن الكهربائي , لمسته بانبهار .. لمست الثلاجة الضخمة ...
والغسالة الكهربائية ..
انحنت لتنظر لها تدخل يدها في الحوض تكتشفه بعيون مندهشة فدار بسلاسة لتسحبها على الفور مع صرخة خافتة خائفة وقد اعتقدت أنها خربت شيئا ما فيها ..
لكنه توقف بعد لحظة , وبتردد كررت الأمر ..
لتضحك بجنون , تتركها وتذهب للحوض الرخامي الرائع , مع كمية الخزن الكثيرة والتي كانت مليئة بالكثير الكثير من الأدوات المطبخية ..
بدت حقا كطفلة تستكشف البيت لأول مرة !
بدت .. موجعة ..
غافلة بسعادتها عن النار التي تشب في صدر غالية وتعذبها ..
تحرقها ببطء مع كل صيحة فرح منها ..
أيعقل ؟
أيعقل أن غنجة نست كل ما قدمته لها غالية لمجرد حصولها على شقة فاخرة ..
هل نست الليالي التي حملتها على كتفيها كي لا تتركها تسير أثناء التنقل , أنسيت كم من الأولاد ضربت فقط لكي تجعلها تضحك بعد البكاء ..
والكثير الكثير ..
ماذا تتذكر , أتذكر حينما عادت الجميع لأجلها , صراخها في وجههم أنه يحق لابنتها أن تختار ما تريده لتلبسه , معارضتها للمشاركة بالمهرجان ..
رفضها أن تتعلم حتى مجرد الطهو حتى لا تتعب ..
تسجيلها بالمدرسة لمجرد أنهم في أحد المدن رأوا طلاب المدارس ..
أم بذلها الكثير حتى تمكنت من جعلها تحصل على الثانوية ..
صراعها مع مجلس القبيلة من أجل الجامعة ..
همست تبكي بحرق
( أنسيتِ يا مهجة الروح كل هذا من أجل المدينة )
وغرقت بالبكاء قهرا وحسرة وشوقا .. وحبا حتى ..
إلى أن جاءها النوم دون أن تشعر ..
وغنجة تكتشف غرفتها التي جعلتها تطلق صرخة مجنونة وتصفق بكفيها ..
وهي تتخلص من حذائها لتصعد السرير المريح تنط عليه بغباء !
غرفتي .. غرفتي ..
كررت تلك الكلمة بلهفة تنظر لكل ما حولها بسعادة غامرة ...
حتى ارتمت عليه ..
مفكرة بصوت لاهث من المتعة والقفز
*غالية محقة .. لنرتاح قليلا , فلدي بيت كامل اكتشفه ببطء أكثر ...
وأغمضت عينيها دون أن تشعر حقا برغبة بالنوم , فقط ترتاح من المجهود الذي بذلته ..
وحين يئست من النوم , نهضت بعزم لتفرغ حقيبتها وحقيبة غالية .. أو صرتيهما بالأصح ..
وبعد وقت طويل ..
أخذها التعب حقا لتنام على سريرها تغمض عينيها ..
بينما النعومة والدلال اللذان احتواهما بها الفراش أشعرها وكأنها أميرة ..
..............................
جلس لمك على الدرجات المؤدية للبيت الذي دخلته غالية وغنجة للتو ..
وافق على فكرة مالك , لم يكن أمامه خيار آخر ..
نعم كان يجب أن يفعل  هذا , حتى تعتاد غنجة عليهم , على محيطها الجديد , حيث يجب أن تنتمي ..
رغم صعوبة الأمر ...
القبيلة كلها سترحل عن المدينة ما إن ينتهي المهرجان ..
التوت ابتسامته بمرارة ..
فهذه المرة أيضا , لن تشارك غنجة به !
كم اعترض على الأمر وراهن نفسه أنه سيجبرها على المشاركة , كم قرر أن يلغي تلك الخاصية التي تتمتع بها ..
لكن .. مجرد أسابيع قليلة , ولن يبقى لها أي علاقة بهم ..
ترى هل ستبقى غالية حية حتى ذلك الوقت ؟
تنهد بتعب من التفكير .. تعب حقاً تعب من كل شيء ..
حواسه كلها تأهبت في لحظة , حينما سمع صوت الباب المقابل لشقة غنجة يفتح ...
كان مالك ..
الذي نظر له باستغراب متسائلا على الفور
*لماذا تجلس هنا ؟
لم يرد لمك , ثبت نظراته للفراغ أمامه ..
فاقترب مالك منه  بحذر ..
ليجلس قربه على الدرج , يحاول رسم ابتسامة على شفتيه ..
معترفا بصعوبة
*أعتقد أنه رغم ذلك ...
سرح بأفكاره لحظة ولمك ينتظر ما سيقوله ليكمل بتنهيدة
*أعتقد أننا ندين لكم بالشكر ..
ارتفع حاجب لمك بعدم راحة .. ولم يعلق بشيء ..
ومالك يهز رأسه يتكلم بهدوء وكأنه فكر بكلامه طويلا
*رغم كل شيء , صنعتم من روان شابة قوية , مقاومة ..
اهتزت عضلة في وجه لمك الذي قال بصوت خافت
*كانت مميزة .. ولا زالت ..
صمت الاثنان .. ينظران أمامهما .. غارقان في الأفكار ..
تغير كل شيء , كل الموازين قلبت تماما ..
قطع لمك الصمت ليقول بأمل ...
*أخذت شقة هنا كذلك .. اشتريتها على أطراف المدينة ..
نظر له مالك مستغربا
*لماذا ! اعتقدت أن عشيرتكم سترحل ..
أكد له لمك بتفكير عميق
*نعم هذا واقع الأمر , لكن من الصعب أن نغادر ونترك خلفنا غنجة .. يجب أن أبقى , حتى تجدني قربها كلما أرادت ..
ونظر له لتتواجه الأعين بلحظة صراحة
*صحيح أنها ليست منّا , لكنها لا زالت جزءا من حياتنا , أختي إن صح التعبير وحقَّ لي ..
لم يكن لمالك سوى الإعجاب به ..
يشعر به , فقد كانت ردة فعل غنجة على اقتراحهم مفجعة حتى للشيخ رجب , يقسم أنه رأى الدموع في عينيه , وهي توافق بفرح على الاقتراح ..
ربما كان شعورهم حينها أشبه برغبة صريحة منها بالابتعاد عنهم ..
أيصح التعبير بالقول أنها نسيت كل شيء معهم مقابل العيش في المدينة ..
هل ستكون ناكرة لقوم قدموا لها كل شيء ..؟
لا يستطيع تخيل الأمر أو تفكير .. ترى لو أخبروها الحقيقة , ما الذي ستكون عليه ردة فعلها ..
سأل من باب فتح الحديث لا أكثر
*وماذا ستعمل ..
بفخر وابتسامة واسعة أجاب لمك على الفور
*اشتريت ورشة لصيانة السيارات ..
والتفت نحو مالك يخبره عن موقعها بالضبط , ليدخلا في حديث عن كيفية إدارتها وما ينتويه لمك , ليسأل بإحراج
*لمك .. لا تعتقد سؤالي تقليل من شأنك .. لكن .. لكن أين تعلمت صيانة السيارات...
حينها ضحك لمك من قلبه
*لا , لا تقلق , لدي شهادة في مكانيك السيارات ..
هذه المرة تفاجأ مالك بحق , وظهر ذلك على ملامح وجهه , فأكد له لمك القول
*كنا نحتاج للخبرات في قبيلتنا .. نحتاج من يفهم بالطب , من يفهم بالبيطرة .. نحن مدينة متنقلة , كان يجب أن نجد من بيننا من يستحق أن يتابع القبيلة كي لا نفقد أحدا أو حيوانا وحتى سيارة ..
عبس مالك يتساءل
*ولكن ليس لكم أوراق ثبوتية ؟!
مال لمك برأسه , فكلام مالك صحيح لكنه فقط أضاف
*بعضنا فقط .. من تعلم لديه أوراق ثبوتية ..
هز مالك رأسه بتفهم
*وغنجة من بين المتعلمين ..
ضحك لمك بخفة يصارحه
*ليس من عادتنا تعليم البنات , ولك أن تتخيل ما حصل عندما قررت غالية أن تدخل غنجة للمدرسة ... كان الأمر صعبا حقا .. مع التنقل المستمر وتغيير المدارس ..
وسكت .. سكت بغصة وهو يرى أن كل ما تم تقديمه لها سرقت بهجته مجرد شقة!
شقة يجلس على درجها منذ أوصلها هي وغالية قبل ساعات ..
لذلك نهض على الفور ,  ينفض بنطاله رغم أنه لا حاجة لذلك , فالمبنى راقٍ جدا ونظيف , ونهض مالك معه كذلك ..
صافحه برجولة يخبره
*يجب أن تعلم أنني باق في حياة غنجة ولن أخرج منها ..
رد علي مالك ببرود ودون اهتمام
*كل ما يهمنا هو أن تبقى معنا وبقربنا حتى نرى متى نخبرها الحقيقة ..
حاول لمك تلطيف الجو ممازحا مالك فآخر ما يريده أن يكسب أفراد هذه العائلة أعداء له ..
*لكن حقيقة اسم غنجة أجمل من روان ويليق بها ...
وابتسم مالك حقا يردد خلفه
*غنجة ! بربك من أين أتيتم بهذا الاسم ..
ونزلا الدرجات ليخبره لمك ضاحكا أنها بالفعل اسم على مسمى وسيرى ذلك بنفسه في الأيام المقبلة , وأمام المدخل دعاه لزيارة ورشته البسيطة , هو الآن يضيف لها بعض التعديلات اللازمة .. وعلى الوعد ..
ذهب كل منهما بطريق ..
.................................
راقبت ميرا ما يحصل بقلب مرتجف , وكل ثانية تنظر لعائشة تتساءل في سرها , هل هي بكامل قواها العقلية ؟
لا ... من المؤكد أنها تعاني من خطب ما في عقلها وإلا ما كانت لتكون هنا الآن ...
وحتى هي ربما تعاني من خطب .. فكان يجب أن تعارض بشكل أكبر وتمنعها عن ارتكاب هذه الحماقة ..
أي امرأة هذه التي تذهب بنفسها تخطب عروسا لزوجها ..
كانت تنقل نظرها بين تميمة وعائشة ..
كم الاختلاف بينهما كبير !
عائشة جميلة جدا , مجرد أن تنظر لوجهها تجد نفسك تقيمها بالجميلة ...
ولكن تلك .. تميمة ؟؟
كلما نظرت لها تجد شيئا جميلا فيها !
بيضاء , بوجه مدور وشعر أسود قصير يحيط بوجهها , ملامحها ..
لا يمكن وصفها , فعينيها عاشقتين !
كلما نظرت لهما تجدهما يبرقان بلمعة غريبة مبتسمتين ..
حتى احمرار وجهها لذيذ ..
ونظرت مجددا لعائشة .. هل هي واعية لما تفعله ؟
تخطب لزوجها فتاة جميلة !
لم تكن حاضرة لتسمع حديث مناف وعائشة صباحا , لكنها بالطبع لاحظت طبعه النزق , و عصبيته الواضحة , حتى أنه رفض أن يحضر معهم ..
أخبرتها عائشة أنهم ما إن يحصلوا على الرد حتى يبدأوا بإجراءات الزواج ..
فكرت ميرا بابتسامة ملتوية متواطئة
( ربما مناف مستعجل للعروس الجديدة )
لم تشعر بنفسها إلا وهي تضحك , فارتبكت وسارعت لإخفاء ضحكتها ..
لتنظر لها عائشة بلوم , ولكن ليس بيدها ..
فشر البلية ما يضحك !
تتساءل فقط , كيف ستتحمل عائشة تلك الليلة التي سيتزوج فيها مناف ويدخل غرفة أخرى مع امرأة سواها , والأسوأ أنه يجهز غرفة ثانية بالبيت لها !
وبلؤم فكرت أنها لو كانت هي مكانها , فستختار شيئا من اثنين ..
إما أن تنفصل عنه , أو ليبقى بلا أولاد .. ليست مستعدة للتضحية براحة بالها وأعصابها في سبيله ..
واستدركت بفزع تمتم
( لا سمح الله , لا سمح الله )
استمعت لشرح عائشة الفائض والزائد عن الحد للوضع الذي تمر به , وظروف رغبتها بزواج مناف ..
بدت الفتاة بداية مترددة , لكنها نظرت نحو عائشة بعجب ما بعده عجب ..
لا تصدق أنها تخطب ... زوجة الرجل تخطبها لزوجها ..
لطالما رأتها وتعرف مناف , فهي تسكن ذات المنطقة ..
لكن لم يخطر ببالها الأمر أبدا ..
وعلى وعد بالخير غادرت ميرا وعائشة ..
لم تنطق ميرا بحرف طوال الجلسة .. شابكت ذراعها بذراع عائشة التي تحسنت بشكل جيد ...
قليل من التعب فقط إن عرضت نفسها للإجهاد ..
وبعد صمت لا بأس به ..
سألتها بفضول
*عائشة .. ما هو شعورك في هذه اللحظة ؟
انتفضت عائشة من السؤال , وغرقت بأفكارها ..
ما هو شعورها ؟
لا تظن أن هناك كلمة تقدر على وصف شعورها في هذه اللحظة ..
لا .. مؤكد لا يوجد ..
لكنها أجبرت نفسها على رسم ابتسامة فاشلة تهمس بغصة ميزتها ميرا رغم محاولتها اخفائها
*لا تسألي .. الأمر عادي ..
لكنه ليس عادي .. ليس عادي أبدا ..
وظلت تكرر هذه الكلمة لنفسها باستمرار ..
يجب أن تعطل شعورها في هذه المرحلة .. حتى .. حتى الغيرة ..
لكن كيف وهذا الوحش ينهش صدرها ,  من الأحمق الذي يظن الأمر هينا ..
شتمت بسرها وهي التي لم تفعلها قبلا .. مفكرة بقهر
من الأحمق الذي قال أن التظاهر بعدم حصول شيء يخفف منه !
لمَ تشعر إذن بالموت قهرا !
للحظة خائنة , كم تمنت .. تمنت من كل قلبها أن ترفض تميمة الأمر !
ماذا فيها لو رفضت ..
لترفض , حتى مع كل ما قدمته لها من أسباب لتقنعها ..
لتتذكر فقط أنه متزوج ولترفض ..
استغفرت الله بهمس , وهي ترى أن ميرا غرقت بالرسائل مع مازن كعادتها مؤخرا..
ولا مت نفسها بضعف على هذه الأفكار ..
تتذكر أنها هي من أصرت ..
رفض مناف الأمر كثيرا و لكنها أصرت ..
فإن كان هناك أحد يجب أن يلام فهو هي نفسها ..
.................
ليلا ...
دخل الغرفة , ليجدها نائمة .. تخلص من قميصه , وهو ينظر لجسدها المكوم على السرير دون حركة , حمد الله أنها أصبحت بحال أفضل بكثير , تملك القوة لتتخطى أزمتها الحالية .. التوى فكه يراقبها , بينما هي لا تتحرك حتى ..
تمثل النوم .. عرف ذلك , فهي من عادتها أن تنام بليونة أكثر ..
ليس كجسدها المتخشب الآن ..
تركها مع نفسها ولم يضغط عليها , وأخذ ملابس نظيفة , واتجه نحو الحمام ليريح جسده بالماء الدافئ ..
مازن يرغب بتعجيل الزواج , غدا سيسأل ميرا عن رأيها في الأمر ..
أنهى حمامه , ولبس بجامته البيتية المريحة وعاد لها ..كانت على حالها فابتسم بتعاطف معها وهمس , يرفع الغطاء عن جزئه من الفراش , تأخر اليوم , يعلم ذلك , لكنه تأخر عامدا ..
*عائشة , لا داعي لهذا التيبس , سيتشنج جسدك ..
لم ترد , أكملت ادعائها ..
فضحك بخفوت
*هيا عائشة , أعرف أنك لست نائمة ..
حينها تنهدت بصوت مسموع , فنام على جنبه يستند على ذراعه ينظر لها ..
ولم تخيب ظنه , لفت جسدها ببطء وحذر حتى نامت على ظهرها , تنظر للسقف دون أن تنظر له مباشرة , ووجها المرهق واضح عليه أثار بكاء .. طويل الأمد ..
مد كفه ليمرره برفق على صفحة وجهها ..
على تلك الخدود المحمرة من البكاء ..
*لمَ كل هذا ..
لم ترد , و لم ترف بجفونها , فإن رفّت , ستهبط من عينيها الدموع شلالات ..
*عائشة ..
بحزم حانٍ ناداها , فنظرت له , فابتسم ...
ولم يملك إلا أن قال
*والآن وقد جئت للتنفيذ , ألن تتراجعي ..
غصت بدموعها , كلها يصرخ ( نعم .. نعم لنتراجع )
لكنها هزت رأسها بلا , و همست بغصة تخنقها ترسم ابتسامة فاشلة على ثغرها
*إنها جميلة , تناسبك .. أعتقد أننا سنكون مرتاحون معها ..
ارتفع حاجبه يركز على عينيها الكاذبتين , لقد رأى بهما الرفض , فلم تكابر ..
مال ببطء عليها حتى اقترب وجهه من وجهها و همس بصوت أجش
*أحبك .. لا تحملي نفسك فوق طاقتك .. لا داعي لكل هذا .. صدقيني أنا لا يهمني سوى أن أكون معك ..
ارتبكت .. و اهتزت عينيها لتنزل دموعها
*لكنني أريد رؤية أطفال في هذا البيت , حتى لو لم يكونوا مني على الأقل هم أطفالك ..
و لم تكمل هذرها الباكي ..
لتشعر بشفتيه على شفتيها برقة , يلثم برفق و تمهل , مستشعرا ملوحة دموعها ..
حتى هدأت ..
حينها همس يقبل وجهها في مكان منه حتى عينيها المتورمتين
*كم أحبك .. أحبك يا عائشة .. طالما تريدين ذلك .. كوني قوية لأجلي , لأنني ما إن أشعر أنك لن تتحملي , حتى أخرج من الأمر برمته , و لن أهتم لأحد حتى لتلك التي تقولين عنها جميلة ..
شهقت بقلق لتقول مرتعشة
*لا تفعل ذلك مناف , تلك الفتاة لا ذنب لها ..
تمدد قربها مقتربا منها أكثر , و ضم بحنان جسدها المتوتر لجسده الدافئ ..
مريحا رأسها المتعب عند صدره يملس لها شعرها
*ارتاحي الآن , ارتاحي ودعي كل شيء يمر بطبيعية ربما كان قضاء الله شيئا آخر و رفضت الفتاة حينها سينتهي كل شيء ولن نفكر به مرة أخرى ..
ورفع وجهها قليلا ينظر لعينيها
*اتفقنا ؟
هزت رأسها بنعم , بينما لسانها حالها عاجز جدا ..
عاجز عن الدعاء بنعم .. وعاجز أكثر عن الدعاء بلا ..
لتدفن وجهها عند نبضات قلبه , ويده تستريح عند جرحها الوليد متسائلا
*هل يؤلمك ؟
هزت رأسها تنفي ..
*لا .. أنا بخير الحمد لله ..
لهج لسانه بالدعاء , وهي تستريح عند قلبه ..
حيث مكانها دائما و أبدا ..
......................
دخلت تميمة غرفتها  المشتركة مع أختها الصغيرة بعد حديث طويل مع أمها ..
كانت بحاجة لهذا الحديث لتخرج من الأفكار المتخبطة التي أدخلتها بها عائشة ..
كم جبارة هي تلك المرأة ..
أختها غارقة في النوم كما رأت ..
جلست على كرسي صغير أمام التسريحة تنظر لوجهها بجمود ..
أمسكت المشط لتسرح شعرها القصير متسائلة في نفسها
*هل تتزوجين رجلا متزوجا يا تميمة !
لكن كيف .. كيف تمكنت عائشة من الجلوس معها والحديث عن زوجها وطلب يدها , ومع هذا مستعجلة لسماع الرد ..
تريد أن تفرح به !
و كأنه طفلها و تسعى لتزويجه .. تذكرت صورته التي أرتها إياها على الهاتف ..
تجمدت يدها و المشط في شعرها
همست لنفسها في المرآة ..
*كم هو جميل .. رجل بحق ..
هزت رأسها على الفور تلوم نفسها , و نهضت ملسوعة
( ما الذي تفكرين به ! )
لكن .. ما الضرر في ذلك .. وعادت تنظر لنفسها في المرآة , بلغت السابعة والعشرون ولم يتقدم لها أحد بعد ..
ربما كانت فرصتها للزواج , لتنشئ أسرة . . عائلة و أطفال ..
ولتخفف الحمل عن والدها , فلا يزال عنده غيرها ثلاث بنات وصبيين , هي الكبرى بينهم , ولا تعمل شيئا لتخفف عنه , أو ترفع الضغط عن كاهله ..
فلم تفلح بدراستها ولم تتوفق في إيجاد عمل ...
عادت وهمست لنفسها
( وما ذنب تلك المرأة لتسرقي زوجها وترمي عليها تبعات فشلك ! )
مشتتة .. لا تعرف كيف تتصرف ..
جلست على سريرها متوترة تتذكر حديثها مع عائشة ...
حكت لها ظروفها وآمالها , وطلبت منها أن توافق !
أخبرتها بصراحة أنها اختارتها لسمعتها الطيبة في الجوار , هدوئها فهي لا تغرب بضرة تتشاجر معها على الدوام ..
قوية تلك المرأة !
تعدد لها مزايا زوجها . . تحثها على القبول ..
و تطلب منها أطفالا ..
حكت لها عن أمالها أن يرزقا بأطفال .. طلبت منها بضحكة مريرة أن لا تكون شريرة وتسمح لهم بمناداتها أمي ..
كانت تقولها بمزاح , لكنها لم تكن تمزح ..
تنهدت بتعب من التفكير ..
( كم هو صعب قول نعم ! )
دائما في لحظات ما نعم تكون أصعب من لا !
أنوثتها تطلب منها الرفض , تذكر نفسها أنها ستبقى دائما زوجة ثانية ..
سارقة .. أخذت رجلا من امرأته ..
بينما الواقع يفرض نفسه عليها ..
يخبرها أن توافق .. أن ...
أن ماذا !
هل تبرر لنفسها رغبتها بالزواج !
ودون أن تدري وجدت نفسها عند والدها ..
تأخذ رأيه , ونصيحته ..
لتعود غرفتها بعد أن توضأت , تصلي الاستخارة ..
وستترك كل شيء على الله ..لن تقرر إلا بعدها ..
ونامت بعدها بعمق .. رامية الأفكار التي أرهقتها جانبا ..
فلا تعلم ما الذي سيخبئ لها الغد , ربما غيرت عائشة رأيها عن الأمر وربما لن تعجبه هي ..
زوجة ثانية !
كم مؤلمة هذه الكلمة .. ليست زوجة بالطبع ..
إنما ... ثانية ..
........................
تحركت ناهد بعدم راحة مكبلة بالذنب ..
لا ذنب لها , لكن ذاك الإحساس إنها من عجلت موت المرأة يؤلمها ..
نظرت للجدران شبه مطمئنة ..
على الأقل , ارتاحت كونها تعلم أن روان قربها ..
نعم لم تعرف شيئا بعد , لأن مالك أراد ذلك , لم تفهم لأي شيء يخطط مالك ولكنها وافقته على ما قرره ..
فمن الواضح أن له وجهة نظر خاصة في الأمر ..
*نامي .. كفى قلقا ..
طلب منها مروان ذلك , لتنتفض تنظر له متظاهرا بالنوم يحدثها دون أن يفتح عينيه حتى .. همست بغيظ وقد أفزعها صوته المفاجئ الذي انطلق فجأة بعد الهدوء الذي كان ..
*ألن تكف عن هذا ..
فتح عينا واحد ينظر له بحاجب مرتفع بنعاس
*بل ألن تتوقفي أنت عن إقلاق نومي !
تأففت منه , ودارت حتى اندست قربه على الفراش غارقة في التفكير
*لا أستطيع .. كيف وهي معي ولا أقدر على مصارحتها ..
حذرها بصوت ناعس حازم
*إياك أن تفعلي شيئا يخرب ما يريد مالك فعله ..
وبغيظ ردت
*فقط لو أفهم ..
ضحك منها يوليها ظهره يرغب بالنوم
*ولن تفهمي حبيبتي , نامي و ثقي بابنك ..
وأدار وجهه لها يكمل بجدية مضحكة
*فهو بالنهاية مجرد ناهد ذكرية النسخة !
اتسعت عينيها بعجب , و هو يوليها ظهره يهتز جسده بالضحك لتلكمه على كتفه
*لست ظريفا ما الذي تعنيه ..
حينها مل حقا ورغبته بالنوم تتزايد , فاستدار لها ليسحب جسدها بقوة يمددها حتى نامت  على ظهرها ومد جسده من فوقها ينحني ليطفئ النور بجانبها هامسا
*أريد أن أنام , ومالك ليس سوى نسخة منك إن أراد شيئا حصل عليه ...
............................
نهاية الفصل

شببت غجريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن