الخاتمة

3.2K 131 11
                                    


الخاتمة
...............
متى كانت حياتنا التي فرضت علينا دوما سيئة ؟
أحيانا تكون حياتنا التي لا نختارها أفضل مما قد نختاره ..
نحن البشر دوما نميل لنيل كل ما نريد ... رغم أننا  أحيانا .. لا نعرف ما نريد ..
........................
بعد سنوات ...
*عائشة .. هلا أخذت تيم عني ! بدأت أصاب بالدوار منه ..
أتت عائشة على الفور تلبي نداء تميمة وقد تثاقلت حركتها في حملها الثاني ..
حملها الأول كان مناسبة عظيمة احتفلوا بها  فرحا ..
والنتيجة كانت .. تيم !
أشقى طفل قد تلده امرأة على الإطلاق ..
مدلل , ونزق الطباع , عصبي كوالده .. رغم كون مناف ينفي باستمرار أنه لا يمكن أن يكون بهذه العصبية ..
ليتلقى ذات النظرة من زوجتيه .. تلك النظرة التي تقول ساخرة
( يا رجل كدنا نصدقك ! )
*ماما عيوش .. اشتري لي آيس كريم ..
تلقفته عائشة بحب تشبعه تقبيلا . . لكنها ردت بصرامة
*لكننا لن نشتري الأيس كريم ..
تمددت تميمة على سريرها ترفع قدميها المتورمتان لتقول بتعب
*لا أعرف سبب كل هذا التعب .. لم يحصل لي ذاك في حملي الأول ..
احتفظت عائشة بتيم معلق على خاصرتها ..
*لأنك هذه مرة تحملين توأمان ..
مسدت تميمة بطنها بحب , وقالت هامسة تدرك ان عائشة تسمعها
*وأنا لا زلت على رأيي ..
رفعت نظرها لها مبتسمة
*طفل لي وطفل لك ..
فتحت عائشة فمها لتعترض , لكن تميمة لم تسمح لها , مؤكدة أن مناف لن يعترض على هذا القرار , فهي تستحق طفلا خاصا بها يناديها ( ماما )
أضافت تميمة ضاحكة ..
*ثم أننا نربي هذا القرد معا وسنربي القادمان معا وسندفع مناف نحو الجنون ..
شاركتها عائشة الضحك متذكرة كيف يزعج تيم مناف بحركته و شغبه بينا يتركنه معه ليكملا شغل البيت و زيارة الطبيبة لمتابعة الحمل ..
*لا تقولي عن طم طم قرد ..
قال ذلك ترفع تيم أكثر لها تقبله بصخب على خديه حتى اعترض بغيظ من كثر الأحضان .. وظل يقاوم حتى أفلت منها وهرب جريا ..
ارتفع حاجب عائشة
*لو أن ميرا هنا لكانت جنت تماما وهي تراه يركض نحو غرفتها ..
رفعت تميمة جذعها قليلا تنظر حيث ذهب تيم
*لقد اتجه حقا نحو غرفتها ..
ضحكتا بتواطؤ معا ..
فميرا لم تعد تجرؤ على ترك طفلتها نائمة ولو لحظات في غرفتها القديمة .. ففي المرة الأخيرة التي فعلتها , دخلت لتجد تيم يدفعها كي تنزل لتلعب معه ..
ومازن من يومها يصر أن يبعدها عن طريق الشرير الصغير ..
ذا النزعة الإجرامية على حد قوله ..
فهو يعامل طفلته وكأنها قطعة من غزل البنات يخشى عليها من الذوبان
...............................................
نظر لها مالك بانزعاج ..
وعلى الفور غلت الدماء في عروقه .. ولكنه لن يتمكن من الجدال اليوم ..
لا لشيء .. فقط لأن اليوم هو يوم الذكريات كما تسميه..
نزلت على الدرج بفستانها القصير الذي يصل لركبتها .. عاري الكتفين إلا من شعرها الذي ازداد طولا وجمالا ..
أكثرت الكحل .. وكأنها عينيها تحتاج المزيد لتبدو أكثر جمالا !
لكنه عاد ليعبس بعدم رضا ..
ليتها كانت سهلة مثل روز ..
روز تلك المجنونة التي تمكن لمك ببساطة من جعلها نسخة أكثر أنوثة ورقة مستبدلا جنونها وتهورها بدلال لم يكن يتوقع أحد أنه موجود بها !
ولغيظه .. فهما قد تزوجا بينما لا زال هو يقنع غنجة بهذه الخطوة ..
بعد تلك الليلة التي قضتها مع لمك في زيارة خاصة بهما لما بقي من القبيلة ..
تغيرت تماما .. ليس تمردها .. لا . بل زاد حقيقة ..
لكنها بدت وكأنها وعت فجأة وكبرت ..
أصبحت إنسانة أخرى ..
الكل يعرف أن لمك أخبرها الحقيقة .. لكنها رفضت أن تعترف بها .. أو ربما رفضت تبعات اعترافها بها !
لكن ذلك لا يهم , فهي من يومها تعاملهم كعائلتها حتى لو تنطق بذلك ..
وصلت له لتسبل رموشها الكثيفة هامسة برقة وصوت خفيض اكتسب بعض اللكنة من المدينة , لرغبتها في التحدث مثلهم ليس إلا
*أنا جاهزة ..
قطب ولم يبتسم لها يشير أن تتبعه نحو السيارة ..
ليركبا وينطلق ..
قال بعد برهة بغيظ
*بعد أن ننتهي من يوم الذكريات سوف نذهب للسوق ..
ارتفع حاجبها تلوي جانب فمها بسخرية
*كأنني أعلم السبب ..
لم ينظر يركز على الطريق أمامه مؤكدا
*أجل تعلمينه وهذه المرة لن أقبل أي جدال أو سأترك المهمة للمك ..
التفتت له بحدة تهتف بغيظ
*لست طفلة صغيرة حتى تهددني بلمك !
لوى شفتيه يخبرها بالواقع
*لكنه الوحيد الذي يستطيع كبح جماحك من مجرد نظرة ..
استشعرت عتبا ولوما في كلماته لتقول مدافعة عن نفسها
*لطالما اعتبرت لمك أخي وكان مسؤولا عني ..
تنهد بعمق
*أعلم ..
جوابه المختصر أشعرها بالذنب , ولكن ليس بيدها !
تعودت .. وكم من الصعب نسيان العادات !
كيف تتغير في لمح البصر .. تقبلها ما هي عليه يستنزف كل قوتها ..
كم قضت ليالي تبكي وحدها .. ما كانته .. وما كانت ربما لتكونه ..
وكيف كانت لتكون !
ثلاث خيارات ..
ثلاثة تقضي الليالي تضم جسدها وتبكي بعنف  تسأل نفسها إلى أين كانت ستصل لو سارت فيهم ..
للحظات تشعر بالكره نحو غالية .. لكن لثانية فقط يقتلها الحنين ..
تشتاقها بشكل يوجعها.. قوتها.. حنانها .. طيبها ..
كل شيء فيها تشتاقه ..
تشتاق رجب .. الشيخ العجوز الذي أوصل لها ديسم خلال الفترة الماضية رسالة واحدة فقط منه وهي أنها ابنة قلبه مهما ابتعدت عنهم وأينما أخذتها الحياة ..
لمك هو وحده الحقيقة الذي ظلت بحياتها ولم تبتعد ..
ظل رغم أنه لم يكن مجبرا ..
ظل معها ليكون سندها .. تذكر يومها حين قال
( لا تضعفي .. أنت خلقت لتكوني قوية ومجرد حقيقة باهتة لن تغير ما أنت عليه .. امض قدما ولا ترجعي للخلف )
بكت على صدره .. كطفلة صغيرة ..
سمح لها بالصراخ الشتم .. حتى ركل التراب الذي كانت عليه الخيام وكأنها تنتقم منهم .. تركها تفرغ كل ما تشعر به قبل أن تهدأ ليعود بها يذكرها
( دعي غضبك كله هنا وأكملي ما بدأته )
همست مبتسمة لمالك الذي استغرب أنها لم تجادل
*كما تريد ..
قطب بعدم استيعاب وسألها مشككا
*حقا ..
مدت كفها بجرأة لتمسك كفه .. ابن خالتها !
هذا الشاب هو ابن خالتها ..
هو الشخص الذي حاولت أن تحبه ونجحت .. انجذبت له دون مقدمات ..
صحيح أنه متحفظ في مشاعره .. حتى للحظة ظنت أنه بارد المشاعر ..
لكنه يحيطها بالرعاية .. يشعرها بالكتفاء به عمن حوله ..
حتى ناهد تحاول جاهدة أن تدخل حياتها وتصبح جزءا منها وهي سمحت لها ..
ببساطة سمحت لها لأنها تريد هذه العائلة ..
لا تريد أن تشعر بالهجر من الجميع .. طالما وجدت من يحتويها كيف ترفض فرصة القدر الذي قدمها لها ..؟؟
مالت لجانبه تتسع ابتسامتها
*وإن لم أفعل ذلك لأجلك .. لمن أفعله ؟
ازداد عبوسه لتضطرب أنفاسه ..
هذه الشقية تلعب على وتر مشاعره .. حاول أن يركز على الطريق ليهمس بصوت أجش
*غنجة الزمي مكانك حتى نصل لوجهتنا !
ضحكت بدلال ولم تلتزم بما طلبه لتشد على كفه الضخم
*وإن لم أفعل حبيبي ..
حبيبي !
ترك كفها ليمسح وجهه هذه الجنية تنوي أن تفقده تركيزه .. وحياته !
الآن وبعد جهد مضن تقول حبيبي وهو يقود السيارة لا يقدر على فعل شيء وسط هذا الشارع المزدحم !
متى فقط يصل للطريق الريفي ليبتعد عن الزحام ..
حينها لتقل حبيبي بقدر ما تريد ..
التزمت مقعدها وهو لم يعلق بشيء ..
تعرف أنها صدمته فطالما قال هو لها هذه الكلمة , لكنها لم تقدر على قولها ..
كانت تخشى أن تجده كأي شيء أحبته في حياتها ..
فجأة قد رحل عنها ..
ترى لمَ لمك لم يأتي معها هذه المرة ..
أم أن زواجه من روز ألهاه عن هذه الذكرى ..
لقد رفض أن يقم حفل زفاف !
فقط هو وعائلتها .. دون دعوات .. إشهار زواج لا أكثر ..
ليأخذها لبيته .. البيت الذي نظفته هي وروز عدة مرات قبل الزواج وكانت ترى إعجاب روز بكل شيء مهما كان سخيفا يقوم به لمك ..
فعلا الحب يحول الأنثى لحمقاء ويحول الرجل لغبي ..
لكنها حتى لم تكن تتوقع أن يقع لمك في حب روز دونا عن كل الفتيات !
عضت شفتها تتذكر تلك الفترة التي أعلنت فيها خطبتهما المزعومة ..
تلك الخطبة التي اندثرت سيرتها لوحدها وكأنها لم تكن يوما ..
انتظرت على مدى الأشهر الماضية أن يصل خبر من والدها ..
علمت صدفة أن مروان يحاول الوصول له وقد غادر البلاد ..
ألم يمت ؟ كيف قالوا مات وكيف قالوا يحاولون الوصول له ..
لكن بعد هذه المدة التي مضت .. فقدت رعبها من الانتظار .. وبهتت رغبة اللقاء ..
تنبهت على صوت مالك الذي وقف بالسيارة ليقول
*وصلنا ..
انتفضت تنظر له , لتجده يراقبها بتمعن ..
سألت بخجل
*متى وصلنا ..
ابتسم يشير لها أن تنزل
*منذ أن بدأت الغوص بأفكارك ..
نزلت بالفعل ..
وككل مرة ..
قبضة غريبة تقبض على قلبها تشد عليه , تجعلها تشهق الهواء وكأنها تحترق !
لتأخذ عدة أنفاس مبتسمة ...
ذكريات الأشهر القليلة التي قضتها في هذا المكان تعادل ذكريات عمرها بأكمله ..
كانت الخيمة التي نصبت هنا .. هي نقطة فصل حاسمة في حياتها ..
انحنت لتحمل التراب في كفها ونثرته ببطء أمامها ..
لا تعرف حقا لمَ تعود في كل عام ..
ربما .. ربما تتمنى أن تعود يوما لتجد المكان يعج حياة وتجدهم ..
احمرت عينيها تقاوم الدموع ..
ومالك يراقب انفعالاتها متعاطفا .. تمنى أن يسحبها ويأخذها بعيدا ..
في كل مرة تأتي ولا تجدهم ..
يعرف أنها تفقد جزءا من مشاعرها المتخبطة .. تعود وقد تغير فيها شيء ..
وكأنها تصاب بالخذلان ..
مشت عدة خطوات .. ليبتسم ..
لا زالت تحفظ مكان خيمتها .. وها هي تقف حيث كانت تمد جزئها من الفراش وتنام .. ولا بد أنها تتذكر غالية ..
كل ذكرياتها تعاد في هذه اللحظة ..
وصلته رسالة على هاتفه من لمك تخبره أن مهاب أتم العمل الذي طلبه منه وأنهم في طريقهم لاستلام الدفعة الثالثة من السيارات ..
تنفس الصعداء براحة , فقد كان تمكنهم في عملهم يعتمد على هذه الصفقة ..
والحمد لله أنها نجحت ..
رفع نظره لها ليجدها تتجه حيث مكانها المفضل ..
تبعها على الفور , متخوفا .. فعلى عكسها التي لم تعد للذكرى أي أثر فيها ..
هو ظل يحتفظ بهذه الذكرى ويخشى في كل مرة يراها تتجه لنفس المكان ..
متذكرا المنظر الذي رأى كنج مذبوحا به ..
وقفت تصم نفسها وتنظر للمدينة أمامها ..
لأول مرة .. منذ أن جاءت قرر أن يقطع صمتها ليسألها
*هل أنت نادمة على ما أنت به غنجة ؟
لم ترد للحظات ..
تجيل نظرها في المكان ..
قبل أن تنظر له بعيون دامعة .. لكنها ابتسمت ..
*لا مالك .. لا أندم على أي شيء في حياتي ..
تنهدت بعمق , لتمسح عينيها برقة مراعية الكحل تسأله مازحة
*هل سالت السيول السوداء ؟
فهم ما تعنيه ليبتسم يهز رأسها بلا ..
مالك محق .. حان الوقت للمضي قدما ..
لا فائدة من الوقوف على الأطلال ..
ستبقى كلها ذكريات ..
مدت يدها ليتلقفها على الفور هامسة بغصة
*لنغادر ..
استغرب مالك طلبها ..
فكثيرا ما كانت تقضي اليوم هنا .. صامتة .. غارقة في الأفكار .. تضحك وتبكي ..
دون أن تشعر لا بمضي الوقت ولا بوجوده ..
لكنه لم يجادلها .. بل شد على كفها الرقيق ليمشي معها يعودا للسيارة ..
لكنها وقفت عندها ..
بعد أن الفت ليركب مكانه انتبه أن يدها لا زالت على الباب لم تفتحه ..
*غنجة ؟
ناداها متسائلا .. لترفع عينيها له ..
وببطء نظرت خلفها ..
كم من السهل القرار وكم من الصعب التنفيذ ..
وهمست تنظر للمكان النظرة الأخيرة .. مقررة عدم العودة ..
فلن يعودوا .. حان الوقت لتصدق أنهم رحلوا ليتركوا لها حياتها بعيدا عنهم ..
*لا أملك الندم يا مالك .. من الصعب جدا أن أشعر به ..
غصت بدموعها لتنظر له وقد فرت الدمعة التي قاومتها , فدار حول السيارة حتى وصل لها ليضمها من الخلف , يسند ظهرها على صدره ..
فأراحت رأسها على كتفه ..
ينظران معا نحو أرض الذكريات ..
لتقول مبتسمة
*حياتي غريبة حقا يا مالك .. شببت غجرية .. وسأشيخ حضرية ..
شد ذراعيه حولها يضمها أكثر ليهمس بحب
*لن تشيخي .. سنبقى شابين ..
ابتسمت تغمض عينيها تشعر بأنفاسه على جبينها ..
*مالك ... أنا أحبك ..
قالتها مجددا بهمس , ليتأوه يلف جسدها بين يديه
*كنت أعتقد أنك لن تقوليها مجددا ..
وأمسك وجهها بكفيه يرفعه .. ليلثم شفتيها ..
قبلة صغيرة .. ناعمة .. صغيرة جدا .. لكنها أوصلت لها كل حبه ..
ليهمس أمام شفتيها
*قولي نعم .. دعينا نبدأ حياتنا معا ونطوي تلك الصفحة للأبد ..
فتحت عينيها بعد أن كانت ترفرف من لمسة شفتيه ..
لتلتقي بعينيه ..
وتبتسم مرتجفة بمشاعر حب .. لم تسبق أن أحست به ..
لتومئ برأسها ..
*نعم .. لنمضي ..
......................
وستمضي ..
لا يهم ما كانت عليه حياتنا .. وما كنا عليه ..
نحن لسنا محكومون بالماضي ..
نحن ملزمون به , لكن لسن مقيدون ..
إن لم نخرج من قيوده التي قد تكبلنا لن نصل للغد ..
الأمل بالغد ..
يبقى موجودا .. مهما كان ما مررنا به ..
كلنا نعرف أين نولد .. لكن لا أحد فينا على الإطلاق يعرف كيف يموت ..
لسنا مجبرين على إنكار عمر كامل مررنا به , لأجل حقيقة قد تفقدنا ما لدينا .. ولن نجد بعدها شيء لدينا ..
ليس خطأ أن نثور ونغضب ...
لكن الخطأ أن نخسر ..
الخيط مع الحقيقة والذكرى بسيط .. إن قطعناه صعب وصله ..
فإما نبقه موصولا رغم الألم ..
وإما نقطعه ليصبح مشوها يصعب استرجاعه ..
حقيقة واحدة هي التي ترافقنا طوال العمر ..
أننا لن نكر فضلا لأحد علينا ..
مهما بلغ أذاه لنا ..
فناكر الفضل .. نذل ..
فهما كانت حججه في النكران ..
.........................................
شكر خاص لكل البنات اللي تحملتني وما توقعت النهاية تكون بهالطريقة ..
شكر من كل قلبي لمتابعتكم وآرائكم ..
مروى شيحه
18مايو 2017
تمت بحمد الله

🎉 لقد انتهيت من قراءة شببت غجرية 🎉
شببت غجريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن