و كما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن تزامنت أخر سيجارة في هذه الليلة مع أول مذكرة أقوم بكتابتها بإختصار عن هذا اليوم الشبه عادي
كما كل يوم أستيقظ على صوت المنبه المرعب على السابعة صباحا كي أخرج لأصارع المستقبل و الوقت اللذان تحالفا ضدي منذ صغري ، لكن لابأس لا أزال أقاوم حتى أخر نفس يخرج مني
خرجت متوجها إلى إحتساء القهوة التي لا أبدأ يومي بدونها ، جلست في أحد الحدائق العامة في الحي أنتظر ذلك الصديق القديم الذي قد تأخر 20 دقيقة عن الموعد المحدد و قد بدأت أشعر بالقلق ، و فجأة ظهر شاب من الشارع المقابل و هو يقترب رويدا رويدا و ترتسم على وجهه إبتسامة بريئة يقول فيها لي أنا أعتذر عن التأخير ...
و بعض لحظات قليلة ها نحن في الطريق إلى مركز التمهين كي نستفسر عن مكونات الملف و الساعة تشير تقريبا إلى الثامنة و النصف صباحا كل التلاميذ في المدراس لا ترى إلا كبار السن من النساء و هن متجهات إلى السوق أو أشخاص يهرولون في السير لأنهم متأخرون عن العمل أو الكهول المتقاعدين يمشون على خطى متثاقلة و يحملون جريدة متجهين إلى مكان هادئ للجلوس ... خطوة بخطوة و نحن عند مدخل المركز .
... الساعة تشير إلى الحادية عشر و بضع دقائق تقريبا و قد خرجنا لتونا من المركز و أخذنا ما يلزم من الوثائق فإلتفتت إلى صديقي قائلا :
- ماذا نفعل الأن ؟
- فرد قائلا لا أدري ماذا تقترح
- فقلت لقد مرت مدة من الزمن و نحن لم نتجول في وسط المدينة و قد سمحت الفرصة الأن ، إذن لنغتنمها
- و كالعادة الطريق مزدحمة بالأشخاص و كأنهم لا يعملون و لا يدرسون الكل يتجول و يضحك ، شباب و كهول ، رجال و فتيات ، نساء و أطفال
نحن هو الشعب الوحيد الذي يكتظ الشارع به في أيام الأسبوع و يختفي الجميع في عطلة الأسبوع على عكس الغرب الذي يتنزهون في عطل الأسبوع و يختفون أيام الأسبوع للعمل و الدراسة ...- و أثناء التجوال مثل الباقي' لفت إنتباهي شابين في مقتبل العمر جالسين في وسط الطريق و يعزفون أحدهم على القيتار و الأخر على الموندول ، لم أستطع تمالك نفسي فعبرت الشارع نحوهم ، فأنا من عشاق هذا النوع من العزف ، الإستماع إلى القيتار يأخذني إلى عالم أخر الذي لم و لن أستطيع وصفه ،
مرت دقائق معدودات فتقدمت من أحدهم طالبا منه مقطعا إسبانيا ، فقام بتلبية رغبتي و عزف مقطعا إسبانيا و فاجأني بترديده لأغنية باللغة البرتغالية التي يتقنها جيدا ، مزيج عزف إسباني و لحن برتغالي لحظات لا تنسى و كالعادة قمت بتسجيل المقطع كذكرى أحتفظ بها .- أثناء العزف لفت إنتباهي شاب واقف يستمع إلى العزف و يظهر عليه أنه شبه متشرد بسبب حالته الجسدية و ملابسه البالية لكن يبدو أنه بكامل قواه العقلية و فجأة تقدم مني و طلب مني سيجارة فأعطيته و إغتنمت الفرصة و سئلته عن أحواله و من أي مدينة أتى ... فقال أنه لا يسكن العاصمة و قد تحمل فراق الأهل و الأحباب و قدم إلى هنا كي يعمل و يقي شر جوعه و عطشه بمال حلال ، فلم يكن لدي سوى الدعاء له بالفرج و التوفيق من عند الله .
بعد تجوال هنا و هناك ، ها هي الساعة تشير إلى الواحدة زوالا و هو وقت العودة للبيت و الغذاء و القيلولة و التخطيط ليوم جديد في هذا البلد العسير .