الفصل الرابع

13.4K 584 12
                                    


بعدمرور وقت ليس بالطويل تناول محمد كتاب من أحد الحقائب ثم جلس إلى المقعد وقرب من الشموع وبدأ في القراءة ، وفجأة وجه أنظارة ناحية أروى وتمتم بكلمات غير مفهومة ثم قرب إبهامه من نيران الشمعة حتى أحرقت إصبعه تماماً ،ولم يبدي أي مظاهر بالألم .
ولكنه ماإن فعل ذلك حتى هدئ قليلاً ثم أعاد نظرة تجاه الكتاب ، ولكن بعد فترة قصيرة نظر ناحيتها مرة أخرى وتمتم بكلمات غير واضحة ثم قرب سبابته من الشمعة لتحترق سبابته بالكامل دون أي محاولة منه لإظهار الألم.
إبتلعت أروى غصة وكتمت صرختها من الهلع ، فقد ترسخت في ذهنها شيئاً واحد فقط ألا وهو أنه شيطان أو جني أي كائن غير البشر ، فمن يكون ذاك الشخص الذي لديه المقدرة الخارقة لتحمل النار بهذه الطريقة.
تكررت فعلته مرات وفي كل مرة ينعكس ضوء الشمعه على عينيه لتثير الفزع في قلبها وتمنحها الصورة المترسخة في عقلها عن عيني الشيطان .
غفت أروى لا تدري كيف أو متى لكن ذعرها ، أوصلها لمرحلة الهروب والنوم ، أفاقت أروى على حركة غير عادية حولها وأصوت كثيرة .
فتحت عيناها لتكتشف نور الصباح وهذا الصوت ما هو إلا سقوط أشياء
كثيرة عجز محمد عن نقلها بيديه المحترقتين بالكامل .
إبتلعت ريقها و حاولت التظاهر بالهدوء ثم قالت
" صباح الخير " لم يجيبها وإستمر فيما كان يحاول أن يفعله ومحاوله لجمع الأشياء المبعثرة أرضاً .
فإنحنت أروى لتجمعها عنه متجنبة النظر لعينية ولكن ما إن إنتهت من جمع الأطباق والأدوات المبعثرة حتى سألته
" ماذا حدث ليديك " .
أشاح ببصره عنها للجهة الأخرى ولم يجيب ، فقالت أروى
" حسناً إن لم تكن ترغب في الإجابة لن أضغط عليك ، ولكن ماذا كنت تريد أن تفعل حينما أسقط هذة الأشياء أرضاً " .
نطق بكلمة واحدة فقط وبطريقة مقتضبة قائلاً
" الإفطار " ،
تأملته أروى بحذر ثم قالت
" سأحضره أنا ، فقط دلني على الأشياء التي تريد تحضيرها " .
إبتسم محمد برفق ، ونظر لها بحنان لم تشاهده في عين بشر من قبل ثم أشار الى خزانة صغيرة أسفل الفراش لتسحبها أروى ، وجدت فيها بعض البيض والزبدة وعلبة من العسل وبعض الخبز المحفوظ بطريقة جيدة .

جهزت أروى القليل وتناولت الإفطار برفقتة على أرضية الكوخ بصمت لم تتحدث ولم يحاول هو محاورتها ، ولكنه سلط نظره على وجهه ولم ينزل عينيه ولو ثانية وكأنه يريد أن يحفظ ملامحها .
بعد الإنتهاء من الإفطار قال محمد بنبرة حزينة مملوءة بالأسى
" هيا إجمعي أشيائك ورتبي ملابسك سأصطحبك لأعيدك للمنزل ، صرخت أروى ببهجة
" حقا!" ليجيها محمد
" ماذا كنت تعتقدين ، سأسرك هنا الى مالا نهاية" .
تناولت أروى ألة التصوير ، وعدلت من ملابسها ووضع حجابها ثم تبعته للخارج ، إعتلى محمد الحصان بمهارة بالرغم من يديه المحترقتين ، ومد يده لها ذعرت أروى من منظر الحرق داخل كفه .
ثم مدت يدها لتمسك بمعصمه ورفضت أن تلمس الكف المحترقة وضعها محمد أمامه وأمسك لجام الحصان بمهارة بالرغم من احتراق يديه ، شعرت اروى بذراعيه حولها .
حاولت الإبتعاد عنه قدر المستطاع ولكن لم يكن ذلك ممكناً ، لذا تحاملت على نفسها ، تحرك الحصان بسرعة ولم تعرف أروى الوجهة ، وهي حتى لم تفهم سر تسرع محمد للخلاص منها ، فقد أكد لها ليلة أمس أنه سينتظر إدارة الرحلة لتعود فتأخذها .
ولكنه صباح اليوم بدا شديد التسرع في التخلص منها ، هل لديه عمل ولا يريد عبء إضافي ، أم أنه ينتظر وصول أحدهم اليوم ولا يرغب في أن يراها أحد لديه ، هل هو صديق ، هل هو إمرأة ، وعند تلك النقطة تحديداً شعرت أروى بضيق وإختناق داخلها .
لم تستطيع تفسير شعورها ، لما عليها بهذا الشعور ، فهو شخص منفر غامض أفعاله مريبة ، هيئتة لا يبدو عليها الإطمئنان ،خرجت من أفكارها على صوت محمد يقول لها " وصلنا " .
تأملت المنطقة حولها مقفرة صحراوية لا تختلف كثيراً عن المنطقة الأخرى الا أن هنا يوجد حياة خيام وبشر وحيوانات أليفة ، وفجأة قفزت فتاة جميلة في ملابس بدوية صارخة ببهجة " محمد " .
إبتسم لها محمد بألفة ، وبدا سعيداً للغاية بلقائها تنحى بها جانباً بعيد عن أروى وتبادل معها حديثاً مرحاً لم يخلو من المزاح والضحك ، مما جعل أروى تشعر بالضيق .
بعد قليل إختفى محمد برفقة الفتاة بينما إنضم لهم شيخ تحدث معهم قليلاً ، ثم نظر لأروى نظرة تأمل وإبتسم لها بوقار مع إيماءة من رأسة لتحيتها ، فعرفت أنها محور الحديث بينهم .

أقوى من الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن