الفصل الرابع والعشرون
نظرت نانسي بشرود عبر نافذة السيارة في طريقها إلى الجامعة .. وهي تشعر بنفسها مستنزفة تماما هذه الأيام .. منذ مواجهة ريم لها بالحقائق عن محمود .. وشجارها معه .. وهي تعيش ولا تعيش في ذلك المنزل الكئيب .. حتى مكالمات لينا الفرحة لم تساهم في منحها البهجة والسرور
وكيف لها أن تفرح .. بتعامل محمود البارد معها وكأنها هي المذنبة .. كان يخرج صباحا قبل استيقاظها ولا يعود حتى وقت متأخر .. بالكاد كان يتكلم معها أو حتى ينظر إليها .. وهي كانت تشعر به كل ليلة عندما يعود إلى البيت .. ويندس إلى جوارها في السرير حاسبا إياها نائمة .. بينما هي على وعي كامل بكل تحركاته وحتى بأنفاسه وهو يتقلب إلى جوارها قبل أن يستغرق في النوم .. لم تعد تحب الخروج من غرفتها .. وبالكاد كانت تتناول الطعام الذي تحضره لها حنان .. كانت غاضبة .. وحزينة .. ومتألمة من الشكوك التي زرعتها فيها ريم بكلامها .. ريم التي توقفت فجأة عن التحدث مع نانسي ومحاولاتها الحثيثة في إفساد حياتها .. وكأنها قد أدت رسالتها ولم تعد بحاجة لفعل المزيد .. قد تكون كاذبة .. وقد يكون كل ما قالته مجرد تلفيق لا أساس له من الصحة دافعه الحقد والحسد .. وقد يكون واقعا
كيف ستعرف نانسي الحقيقة بعد أن تخلت عن فرصة الاستماع إلى محمود .. محمود الذي تخلى تماما عن محاولاته لإرضائها
وكأن شهر العسل القصير الذي قضياه معا لم يحدث قط .. وكأنه لم يعترف لها بحبه يوما .. هل خسرت محمود نهائيا هذه المرة ؟ .. نزلت من السيارة أمام بوابة الجامعة .. وراقبت مأمون وهو يبتعد مانعة نفسها من اللحاق به وأخذها معه .. فمن المفترض بها أن تعود برفقة محمود اليوم .. كيف ستراه .. وترافقه .. وتشاركه السيارة .. كيف ستنظر إلى وجهه وهي ترى بعين الخيال ريم بين ذراعيه .. تنعم بما نعمت به هي من العاطفة ؟
لم تستطع حضور محاضرته .. لم تستطع النظر إليه أو تلقي نظراته الباردة كلما التفت نحوها .. لم تستطع رؤية زميلاتها المهووسات به يلتهمنه بأنظارهن متجاهلات كونه متزوج .. وكأن زواجه يشكل فارقا بالنسبة إليه
جلست في الكافيتيريا باكتئاب تنتظر مرور الوقت .. ولم تشعر إلا بماهر يطل عليها برفقة ندى قائلا بقلق :- نانسي .. لقد انتظرناك طويلا .. لماذا لم تحضري المحاضرة ؟
رفعت نظرها الذابل إليه وهي تتمتم :- أشعر بصداع شديد .. ففضلت البقاء هنا
جلس كما جلست ندى التي قالت :- هل تحتاجين إلى أي شيء ؟ ربما من الأفضل أن تعودي إلى البيت
قال ماهر بحزم :- سأوصلك .. هيا بنا
هزت رأسها بأسف قائلة :- لا أستطيع .. سأقابل محمود بعد قليل لنعود معا
وقفت قائلة وهي تحاول أن تطمئنهما بابتسامتها :- سأكون بخير .. لا تقلقا
لم تفتها نظرة ماهر المتشككة .. فهو يشعر منذ فترة بأنها تعاني بصمت رافضة مشاركة أحد في معاناتها .. كالعادة كان ماهر أفضل من يفهما في العالم .. أما كان وضعها أسهل لو أنها وقعت في حبه هو ؟
.. جرت قدميها جرا إلى الخارج حيث رأتها مجموعة من زميلاتها .. ألقين عليها التحية وبدأن بسؤالها عن حياتها بفضول .. قالت إحدى صديقاتها :- من المثير أن تكون الفتاة زوجة لرجل كالدكتور محمود .. أخبريني يا نانسي .. هل تقيمين كما يقول البعض في قصر منيف يعود لعائلته ؟.. كم أنت محظوظة
أسرعت أخرى تقول بخبث :- ومن يبالي بالمنزل بحق الله .. أراهن على أنه عاشق من الطراز الأول .. أليس كذلك يا نانسي ؟ هيا .. لا تخفي الأمر علينا
آخر ما تريد نانسي استعادته هو ذكرى حب محمود العاصف .. فتمتمت معتذرة منهن بهدوء .. وتركتهن متجهة نحو مكتب زوجها .. صعدت الدرج ببطء .. وذبول كالشاة المساقة إلى الذبح .. سمعت صدى الأصوات الصادر من مكتبه قبل حتى أن تصل إليه .. كان محمود هناك .. يجلس خلف مكتبه بوقار وقد أحاطت به ثلاث من زميلاتها تطرحن عليه الأسئلة المختلفة .. بينما يجيب هو عنها بهدوء .. وقفت نانسي بعيدا وهي تراقب نظرات الفتيات الولهى المعلقة به .. بينما بدا هو غافلا تماما عن هوس طالباته به .. وحدها نانسي أحست باحمرار وجوه الفتيات تأثرا عندما ضحك لتعليق إحداهن .. عندها .. لم تستطع التحمل أكثر .. وقد تغلب غضبها وغيرتها على حزنها .. فدخلت إلى المكان بغطرسة تليق بنانسي راشد .. ووقفت تنظر إلى المشهد الدائر أمامها ببرود شديد .. فور أن رأينها الفتيات .. ارتسمت نظرات الحسد والحقد على وجوههن وهن يعتذرن من محمود ويغادرن المكتب .. بينما وقف هو متناولا معطفه قائلا ببرود يماثل نظراتها :- جاهزة ؟
أومأت برأسها بتوتر وهي تراقبه يحمل حقيبته ويقفل باب المكتب فور خروجهما .. سارت إلى جانبه بصمت عبر أروقة الكلية أمام أنظار الجميع .. رغم كل شيء .. لم تستطع منع إحساسها بالفخر لكونه زوجها هي .. كما لم تستطع منع نفسها من الاعتراف بالأمان الذي تحسه معه .. إلى جواره هي آمنة .. ولن يصلها أحد على الإطلاق .. ولن يجرؤ أحد على أذيتها .. تكره هذا الإحساس بحاجتها الماسة إليه .. وكأنها لن تستطيع العيش بدونه لحظة واحدة .. هل هي ضعيفة إلى هذا الحد ؟ إلى حد الصمت على إذلال زوجها وخيانته لها بسبب حبها الشديد له ؟
في سيارته الفارهة .. قال ما إن انطلق بالسيارة ببرود :- لماذا لم تحضري المحاضرة اليوم ؟ أين كنت تتسكعين بدلا من الاستماع إلى نقاط مهمة قد تنفعك في الامتحان ؟
تمتمت بجفاف :- لقد شعرت بصداع مفاجئ
قال بجفاف :- صداع .. أم أنك كنت تلهين مع زملاءك
قالت بنزق :- لقد رأيت ماهر في المحاضرة اليوم .. وهذا يعني أنني لم أكن أتسكع مع أحد
انقبضت أصابعه حول المقود وقد أغضبته إشارتها إلى مدى عمق علاقتها مع ماهر .. قال بصرامة :- لا تتوقعي مني المساعدة عندما تجدين نفسم في مأزق مع قرب الامتحانات وأنت عاجزة عن دراسة ما فاتك
قالت بغل وصورة الفتيات الهائمات المحيطات به لا تفارق خيالها :- اطمئن .. لن أطلب منك المساعدة .. فقد رأيت بنفسي في مكتبك ما تقوم به من أعمال خيرية
نظر إليها بطرف عينه وهو يقول بصرامة :- شعورك بالغيرة ليست مبرر أبدا لوقاحتك يا نانسي .. احذري
أغضبها تخمينه الصحيح لشعورها القاتل بالغيرة .. فمطت شفتيها قائلة بازدراء :- أنا اغار ؟ وممن ؟ لا يا دكتور محمود .. يمكنك أن تحظى بتالكم الذي تريده من المعجبات الحمقاوات والعشيقات الذائبات في هواك .. انا لا أهتم لو عاشرت نصف نساء المدينة .. النساء اللاتي يكتفين بانتظار إشارتك عن بعد استعدادا لتلبية رغباتك .. يتمنين أن ينظرن ولو من بعيد إلى منزلك المقدس المحرم عليهن .. ذلك المنزل الكئيب الغارق في الكراهية والحقد .. والذي أكره كل زاوية فيه .. يحسدنني على نيل شرف اختيارك لي كزوجة غير عارفات للحقيقة المرة وراء استاذ الجامعة المحترم
أطبق فمه بقوة كابتا ردا غاضبا على استفزازها .. اكتفى بأن قال من بين أسنانه :- إياك ان تتكلمي عن منزلي بتلك الطريقة يا نانسي.. فأنت لا تساوين قيمة أصغر حجر فيه .. وما كنت تستحقين أبدا ان أدخلك إليه كزوجة لي على الإطلاق
قالت بحدة :- أرجوك .. وكأنك حقا تعاملني كزوجة .. أنت تعاملني كما تعامل عشيقاتك الكثيرات المستميتات في حبك ناسيا شيئا واحدا .. وهو أنني لم أرغب يوما بأن أكون زوجتك .. وأنني أكره ذلك اليوم الذي اقترنت فيه بك .. وربما كنت أحسد تلك الفتيات اللاتي حرمن من معرفة أي انسان أناني وانتهازي انت .. الفتيات اللاتي كنت تكتفي بلقائهن العابر في شقتك تلك التي تأبى ذكرها .. شقة العزوبية التي ما زالت تقوم بمهامها رغم زواجك مني
بالكاد تمكن محمود من تفادي سيارة اعترضت طريقه قادمة من شارع جانبي .. تأكدت نانسي من إحكام حزام الامان حولها وثد تذكرت بان محمود يتجنب دائما الجدال اثناء القيادة .. وقد عرفت الآن السبب .. فغضبه الشديد في هذه اللحظة يكاد يدمر ما تبقى من سيطرة لديه على نفسه .. حتى على سيارته .. قال من بين أسنانه وهو ينظر أمامه :- ألا أعاملك كزوجة يا نانسي ؟ ربما كنت حقا مخطئا منذ البداية عندما جعلت منك زوجة لي دون غيرك من النساء.. كان من الأفضل ان أختار الطريق الأسهل واحصل على ما أريده منك مقابل مساعدتي لك .. وأخرجتك من حياتي إلى الأبد
طعنتها كلماته في الصميم .. وجعلتها تنظر إليه قائلة بوحشية :- أتمنى لو انك فعلت .. لما كنت اضطررت للعيش معك وتحمل نزواتك ..
كلماتها الوقحة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير .. قال بغضب عاصف :- احذري مما تتمنينه يا نانسي
انحرف فجأة بالسيارة مغيرا الطريق .. فنظرت عبر النافذة قائلة بتوتر :- إلى أين تأخذني ؟
وجهه الوسيم كان مكسوا بناع محكم من القسوة وهو يقول بصرامة :- إلى اين تظنين ؟ .. إلى الشقة التي تبجحت أمامي بمعرفتك عنها .. المكان الذي آخذ إليه أمثالك .. ما دامت معاملتي لك كزوجة لا تعجبك .. فستعرفين حالا كيف تعامل العشيقة .. أنت ستكونين منذ الآن عشيقتي الخاصة .. جاريتي المسؤولة عن فعل أي شيء لإسعادي
صاحت بانفعال :- هذا لن يحدث أبدا
ثال :- لقد طفح الكيل .. لأشهر وأنا أحرص على مشاعرك وأحاسيسك وأحتمل ما يفوق طاقتي من عجرفتك وكبريائك .. وغرورك الزائد .. وقاحتك وقلة احترامك فاقا الحد .. وقد حان الوقت لتدفعي الثمن .. ولتعرفي بالضبط مكانتك الحقيقية
أوقف السيارة امام مبنى جميل الشكل مكون من ثلاثة ادوار في أحد الأحياء الراقية ... خرج من السيارة وسحبها كم ذراعها ليخرجها مرغمة من مكانها .. قاومته بيأس وهو يجرها عبر البوابة المعدنية المزخرفة وهي تقول بعنف :- اتركني يا محمود .. أنا لا أريد ان أذهب معك
ولكنه كان غاضبا بشكا لم تره عليه إلا مرة واحدة .. عندما أخذها بالقوة لأول مرة .. اتسعت عيناها ذعرا عندما أدركت نواياه .. فتحولت مقاومتها إلى محاولات عنيفة للإفلات منه .. قبضته القاسية لم تتركها .. وفرق القوة بينهما جعل صعوده بها الدرج إلى الطابق الثاني مهمة سهلة للغاية .. فتح باب الشقة بمفتاح خاص .. ودفعها إلى الداخل .. نظرت حولها مرتجفة دون ان ترى إلى المساحة الواسعة للشقة المرفهة .. كانت حديثة الأثاث بديكور عصري جميل .. التفكير بالنساء اللاتي قصدن هذه الشقة مرارا برفقته جعلت دماؤها تفور .. وعقلها يكاد يجن .. وقف امامها كالجدار المنيع مانعا إياها من الوصول إلى الباب .. بالبريق الغاضب في عينيه .. والتصميم في ملامح وجهه .. قال بصرامة :- اذهبي إلى غرفة النوم .. وحضري نفسك لإرضائي صرخت وهي تنكمش مذعورة :- أنت مجنون .. للابد ان تكون مجنونا .. أخرجني من هنا فانا أريد العودة إلى البيت
خلع معطفه وسترته وهو يقول بحزم :- أنت لن تتحركي من هنا حتى تمنحينني ما أريد يا نانسي .. ستذهبين إلى غرفة النوم .. وتخلعين ملابسك .. وتنتظرينني كأي عشيقة محترفة .. وإلا اقسم بأنك ستندمين أشد الندم على عصيانك لي
تجمعن دموع الخوف في عينيها وهي تنظر حولها بعجز .. ثم تنظر إلى جسده الضخم الذي فاحت منه العدائية والتصميم .. وركضت نحو الباب دون تفكير في محاولة منها للفرار
إلا انه امسك بها بسهولة .. وحكلها بين ذراعيه نحو غرفة نوم واسعة بسرير عريض مغطى بمفرش أنيق أزرق اللون .. أنزلها أرضا فأسرعت تنزوي في نهاية الغرفة وقد تدفقت دموعها وهي تصيح بهستيريا :- إياك أن تلمسني .. أنا لا أحب أن تلمسني
عيناه الجائعتان مشطتا جسدها المغطى بالملابس البسيطة .. قال لها بجفاف :- سألمسك يا نانسي .. وأنت ستحبين لمستي . تمتنين لها أيضا .. اخلعي ملابسك
في تلك اللحظة .. انهار جدار القوة الذي كانت نانسي حريصة دائما على إحاطة نفسها به في وجه الازمات .. ووجدت نفسها تنهار هذه المرة بكل ما تشعر به داخلها من وحدة وألم وضعف شديد .. تعالى نشيجها وهي تقول بانهيار :- أرجوك لا تفعل هذا بي .. ليس بهذه الطريقة .. ليس مجددا
لم تؤثر به دموعها مثقال ذرة .. قال بصرامة :- أنا لن أرغمك يا نانسي .. فليس هناك من يغتصب عشيقته .. انت ستاتين إلي .. وستفعلين ما أريد.. وبالشكل الذي أريد .. كما تفعل أي جارية لسيدها
سرعان ما كانت ازرار قميصه قد حلت تماما .. فخلعه عنه وهو يكرر بصرامة :- اخلعي ملابسك يا نانسي
تراجعت إلى الخلف وهي تنظر إليه مصدومة .. غير قادرة على التفوه بحرف أمام قسوته التي لم تعهدها .. بصدره العاري ووحشية نظراته .. كان يبدو لها مخيفا جدا .. أشبه بالوحش الكاسر الجاهز للانقضاض على فريسته .. عندما لم تصدر عنها اي حركة .. قطع المسافة بينهما وأمسك بتلابيب قميصها ومزقه بحركة حادة مبعدا إياه عن كتفيها .. وقبل أن تتمكن من الابتعاد عنه جذبها إليه .. والتفت أصابعه حول شعرها بقسوة وهو ينظر إلى عينيها الدامعتين بخوف ..وفمها المرتجف ..وهو بقول بصوت خافت :- ستكونين لي هذه المرة يا نانسي .. ستكونين لي حتى لو اهتزت جبالك رفضا
أحنى رأسه يلتهم شفتيها بوحشية بينما جرت يداه فوق جسدها المرتعش بقسوة .. ثم دفعها بخشونة نحو السرير مجردا إياها مما تبقى من ملابسها
في النهاية .. حصل محمود على ما أراده بالضبط .. حصل على خضوع نانسي الكامل .. تحت تأثير الصدمة .. وبفعل قسوته عليها التي جرحت كيانها بلا رحمة .. تمكن محمود من إطفاء شعلة القوة التي حافظت عليها لفترة طويلة داخلها .. كانت له ما أراد .. وفعلت كل ما أمرها به .. بجسد لا روح فيه .. وقد خلا لقائهما هذه المرة من الكلمات الرقيقة واللمسات الحانية التي أغدقها عليها في الماضي .. محمود الذي احبت وعشقت اختفى وحل حله وحش ضاري لم تعرفه من قبل .. كل ما اراده هو إشباع حاجاته بلا عاطفة او حب .. تركها في النهاية شبه محطمة عندما ابتعد عنها أخيرا .. رقدت نانسي كالخرساء وهي تنظر إليه يرتدي ملابسه بكل هدوء وهو يقول ببرود :- ارتدي ملابسك .. سأوصلك إلى البيت فلدي موعد مهم يجب أن الحق به
وكأن هذه الكلمات كل كانت تحتاجه بالضبط لتفوق على الواقع .. وتدرك تماما ما حدث للتو .. تصاعدت محتويات معدتها فجاة إلى حلقها فتحركت بلا تفكير نحو باب جانبي مؤدي إلى الحمام .. شعرت وكأنها نفرغ جسدها من روحها وهي تفرغ معدتها الفارغة أساسا في الحوض .. قبل ان تنهار على الأرض باكية وهي تتمنى ان تختفي في هذه اللحظة في أي جحر بعيد وتموت .. سمعت محمود يقول :- هل انت بخير ؟
نظرت إليه عبر دموعها .. ولاحظت وجوك وجهه الشاحب .. والقلق يعصف في عينيه وهو ينظر إليها من حيث يقف عند باب الحمام .. إذن .. فحبيبها محمود ما زال موجودا هناك .. في مكان ما تحت قناع القسوة الذي يرتديه في هذه اللحظة .. وقفت بصعوبة دون ان ترد عليه .. وغسلت وجهها الذابل بالماء البارد .. ثم التفتت لتجده قد اختفى .. عادت إلى الغرفة وارتدت ملابسها بآلية .. ثم ضمت قميصها الممزق إلى صدرها وهي تفكر بالطريقة التي ستخرج فيها بهذا المظهر .. انتفضت فجأة مجفلة عندما أحست بمعطف محمود يحط فوق كتفيها .. وسمعت صوته الجامد يقول :- ضعي هذا عليك
لولا حاجتها لما يوفره لها معطفه من سترة لرمته بعيدا عنها هربا من رائحة عطره التي غمرتها .. ساد الصمت بينهما طوال الطريق إلى البيت .. وبمجرد ترجلها من السيارة .. انطلق هو بها مبتعدا وكأنه لا يحتمل قضاء لحظة أخرى برفقتها .. دخلت المنزل بخطوات متثاقلة .. وحمدت الله على أن احدا لم يكن موجودا ليشهد معالم ذلها وانحطاطها .. وقد شعرت بأن محمود قد وسمها بمعاملته القاسية مدى الحياة
عندما دخلت إلى غرفتها أخيرا .. تركت المعطف يقع أرضا حول قدميها .. ودخلت فورا إلى الحمام .. تخلصت من ملابسها .. ووقفت تحت سيل المياه الساخنة تاركة إياها تلسع جسدها بلا رحمة .. وكأنها تمحي عنها آثار قسوته وحبه الجاف .. أخذا تبكي بلا انقطاع تحت المياه الحارة .. تبكي حبها الضائع .. وكرامتها الضائعة .. وكبريائها الذي انتهى على يدي محمود .. تبكي والديها الذين رحلا وتركاها وحدها بلا قريب أو معين .. تبكي وحدتها وحاجتها الشديدة إلى صدر حنون يحتويها
ارتدت قميص نومها وتكومت فوق السرير ترتجف من الحمى .. لا .. لم تكن حمى جسدية .. بل حمى نفسية أحست بأنها لن تنتهي .. دخلت إليها حنان بضع مرات بالطعام وقد اخافها وضعها المزري .. وامتناعها عن الأكل .. ورفضها للتحدث عما حدث وتركها حطاما وبقايا لما كانته
أطل الليل .. وازداد ارتعاش نانسي .. سيعود محمود بين لحظة وأخرى .. سيعود لترى نظرة الاحتقار في عينيه .. ستستمع إلى كلماته المهينة مجددا .. التفكير به يلمسها ويهينها بنفس الطريقة كادت تصيبها بالهستيريا .. وعندما احست أخيرا بوصوله في ساعة متاخرة من الليل .. ادارات ظهرها وتظاهرت بالنوم .. بينما كان قلبها يخفق بقوة كادت تفضحها .. سمعت تحركانه العنيفة .. حفيف ملابسه وهي تلقى أرضا بإهمال .. كانت اعصابه متحفزة تماما كأعصابها .. دخل إلى الحمام وغاب لفترة سمعت خلالها صوت المياه فتخيلت جسده الكامل الرجولة تحت المياه الغزيرة مما جعل الشوق اليائس يجتاحها .. كيف لها ان تحب رجلا وتشتاق إليه وتكرهه في الوقت ذاته ؟
حبست انفاسها عندما غادر الحمام .. ودس نفسه في السرير إلى جوارها .. لوقت طويل لم تجرؤ نانسي على النظر إليه حتى تأكدت من انتظام انفاسه .. استدارت ببطء .. ونظرت إلى وجهه النائم المواجه لها .. كان وجهه شاحبا ومرهقا .. وقد ظهرت الخطوط بين حاجبيه وحول فمه .. هل يتعذب كما تتعذب بسييه ؟
تأملت ملامحه الوسيمة .. ووجدت نفسها تتذكر الأيام السعيدة التي قضياها معا .. والحب الصادق الذي غمرها به ..
ما الذي حدث لينتهي الحلم ويبدأ الكابوس البشع الذي تعيشه .. تدفقت دموعها وهي تهمس بألم .. لو تعرف كم أحبم .. لو تعرف كم أكرهك .. لو تعرف فقط ما تسببه لي من ألم يا حبيب القلب
كتمت فمها بيدها كي لا يعلو نشيجها .. وأغمضت عينيها في محاولة منها لإيقاف سيل الدموع اللانهائي .. لم تعرف كم من الوقت استمرت في البكاء .. إلا انها عندما فتحت عينيها اخيرا .. شهقت بخشونة عندما رأت محمود ينظر إليها عبر الظلام وقد كسا الوجوم وجهه وبرقت عيناه الداكنتان وهكا تتفحصان كل دمعة تقطر منها .. منذ متى كان مستيقظا ينظر إلى بكائها المهين ؟
قبل أن تفكر .. هتفت بصوت مختنق :- أكرهك
اهتزت عيناه وكأن تصريحها قد ضربه بقوة بين ضلوعه .. ثم قال بصوت أجش :- أنا أيضا أكرهك
بانكسار وثقل .. استدارت نانسي بعيدا عنه كي لا يرى فورة دموعها الجديدة .. إلا انه أمسك بكتفها فجأة .. وسحبها إليه دون أن يترك لها الفرصة للاعتراض .. وخلال لحظة كانت محاصرة بين ذراعيه .. ووجهها مدفون في صدره الدافئ .. إحساسها بحنانه الذي طال شوقها إليه جعل حذرها يطير مع الهواء ..ووجدت نفسها تجهش بالبكاء بلا تحفظ هذه المرة
مرر يده عبر شعرها الناعم وهو يهمس في أذنها بصوت معذب :- انا آسف يا حبيبتي .. أعدك بحمايتك ورعايتك .. ثم اعود لأؤذيك مجددا
ازداد نحيبها قوة .. وكأن همساته تخرج كل الضغط الذي عانت منه خلال الأشهر الأخيرة .. انهالت قبلاته على رأسها وشعرها .. ثم أبعد وجهها ليقبل عينيها الدامعتين ووجنتيها المبتلتين .. رغم كل ما تشعر به من تعب نفسي .. كانت لمساته الحانية وقبلاته كل ما احتاجت إليه كي تستسلم لحبها وشوقها إليه
إنه حبيبها محمود يعود إلى الحياة مجددا .. يمنحها ما تحتاج إليه من حب وحنان .. فهل تستطيع الاعتراض ؟
عندما تناول شفتيها بين شفتيه .. وقبلها بعنف يائس .. تشبثت به وبادلته قبلاته بالضراوة نفسها .. وقد ألغت صوت العقل تماما من حساباتها .. فما يهما الآن هو حاجتها الماسة لان تشعر وبو كذبا بأن الرجل الذي تحب هو لها .. لها وحدها
أنت تقرأ
رواية عندما تنحني الجبال ..بقلم بلو مي
Romanceقالت بجفاف :- أريد أن أعرف إلى متى سيستمر زواجنا برقت عيناه بغضب .. مال رأسه نحوها وهو يقول ببرود :- عندما أتزوج .. فأنا أتوقع أن يدوم هذا الزواج .. أنا لا أتسلى يا نانسي احمر وجهها بحرج وهي تنظر بعيدا عنه .. إلا أنه مد يده عبر الطاولة وأمسك بذق...