1| مِن خَلف جُدران حصنه المنيع

3.7K 294 288
                                    







Chapter One

إنها نهاية الخريف؛
أيامٌ قليلة تفصله عن ذلك الموسم المخيف!
ستبدأ الثلوج باغتصاب الأرض مجددًا ناشرةً رياحها الباردة في أرجاء المدينة.

لطالما كره فصل الشتاء؛ ذلك الوقت الذي تندلع فيه حروب شتى داخل جسده الضعيف.. تغيّرات الجو، الصقيع المتجمد والجراثيم المتخيفة بين جزئيات الهواء كانت العدّو الأكبر لجهازه التنفسي.

نعم لقد خُلق برئة مُتداعية لاتستطيع الدفاع عنه ضد الأمراض، وموسم الشتاء كان أسوأ ساحة معركة لتلك الضعيفة!

هاهو الآن، في الرابعة والعشرين من عمره، جالس على كرسيّه الخشبي الصغير قرب النافذة.. تمامًا كما يفعل كل يوم؛
أشعة شمس الخريف شبه الدافئة تحطيه بشيءٍ من الطمأنينة.. وكأنها تقول 'لا بأس، سأقوم برعايتك لهذا اليوم.'

ينظر من وراء نافذته المغلقة بإحكام إلى العالم في الخارج
مجموعة من الأطفال يلعبون في فناء المستشفى؛
كهل كبير السن جالس على كرسيه المتحرك بينما تقوم فتاة بدفعه من الخلف، تقول له شيئًا ما ويضحك ذلك العجوز بسعادة ودفئ؛
ثم فتاة تقف بمفردها، تلبس رداء المستشفى الأزرق القبيح، وتمسك بيدها اليمنى عصا طويلة تحمل محلولًا موصلًا، تتحرك في مكانها بترقّب كما لو أنها تنتظر شخصًا ما..
أوه! إنها تبتسم الآن، وتلوح بيدها اليسرى في الهواء! شاب وسيم يجري باتجاهها ويحضنها بقوة! يقوم بالمسح على خصلات شعرها برفق كما لو أنها أكثر شيء يحبه في الحياة..
إنه حبيبها على الأرجح.

لطالما تساءل، لماذا يقع الناس في الحب؟ ما المميز بشأنه؟
أو بالأصح.. كيف يحب أحدهم شخصًا غير نفسه؟

لقد مرّت خمس سنوات منذ تخرجه من الثانوية،
ذلك الوقت الذي قرر فيه البقاء في المستشفى وعدم مواجه العالم.
كان الأمر مريحًا في البداية؛ البقاء في المستشفى يعني أنه ليس عليه تحمل ألم المرض، ليس عليه محاربة جسده كي يستطيع التنفس بعمق، ليس عليه البقاء وحيدًا في المنزل بينما يسافر والدَيّه للعمل..

في المستشفى هو بخير.

لكن مع مرور الأيام والسنين، تحوّل الأمر إلى شيء أكبر من مجرد إحساسٍ بالأمان داخل جدران هذه الغرفة..
تمامًا مثل حصن منيع وسط بلدة تكسوها نار الحرب!
ودون أن يدرك الأمر، أصبح يخاف الخروج من هذا المكان.

*دق دق* سمع صوت دقاتٍ على باب غرفته
نظر إلى الساعة المعلقة على الجدار، التاسعة صباحًا، إنه وقت أخذ المؤشرات الحيوية اليومي..
توجه إلى الطاولة الصغيرة قرب سريره وتناول قناعه الأبيض ليضعه على وجهه ويخفي أنفه وفمه "تفضلي بالدخول" قال بملل بينما يجلس على طرف السرير

يمينًا؛ حَيْثُ القلب || حيث تعيش القصص. اكتشف الآن