الفصل الأول

391 8 1
                                    

ابعدت يدها عن جهازها المحمول للحظات بينما اخذت تتمطى لإزالة الارهاق الذي الم بها بعد قضاء ست ساعات في نفس الوضعية المزعجة ...

كان هذا روتينها اليومي منذ سبعة اشهر .. العودة من الجامعة الى المنزل و اكمال بحوثها التي ستسلمها في اخر السنة الدراسية كرسالة .. و رغم ان امامها الكثير من الوقت لانجازها باعتبار ان السنة لن تنتهي قبل ثمانية اشهر تقريبا إلا ان الفراغ القاتم الذي يلفها كان المحرك الابرز للانهماك في العمل كالمجنونة ...

عادت اصابعها تضرب لوحة المفاتيح بذهن غائب .. الفراغ .. كلمة لم تشعر بها اطلاقا حين كان معها .. اما الان صار هذا الشعور ملازما لها كظلها .. ما من شيء قادر على تعديل مزاجها و لم تشفع لها سنواتها الثمانية و العشرون و لا معرفتها بأفضل الاماكن في من ايجاد شيء يلهيها او على الاقل يجعلها تفكر بأشياء اخرى غير مصيبتها ...

صدمتها و حزنها كان اكبر من ان يستوعبه عقلها و اي عقل يستوعب ان سبب جراحه هو اقرب الناس اليه .. ياسين .. زوجها ...

ارتعشت انفاسها بألم مستدركة .. قريبا لن يصبح كذلك .. هذا ما قاله اخر ايميل ارسله لها منذ اسبوعين ...

ضربت يدها بعنف على الطاولة .. ايميلات .. مجرد رسائل الكترونية فارغة هذا ما تكرم به السيد ياسين العظيم .. حتى جميع محاولاتها بالاتصال به باءت بالفشل .. لا تدري عدد الاتصالات فلربما كانت بالآلاف و لكنه لم يرد على اي منها بل منذ شهر علمت ان رقمه لم يعد في مجال الخدمة كما انها تأكدت من زملائه في الجامعة انه لم يتصل بأي منهم .. طبعا لم تأتها الجرأة لإخبارهم بأنهما على ما يبدو في حالة انفصال فهي لا تزال في حالة انكار منذ اشهر و كلما سألها احد عنه تكتفي بإجابة مقتضبة لكنها تعلم انه عاجلا ام اجلا سيعرفون برحيله عنها خصوصا ان السنة الجامعية قد بدأت منذ اشهر ...

بعد سنة و نصف على زواجهما سبقتهما سنة من الصداقة و المودة كيف يجرؤ على معاملتها كأنها مجرد عاملة في مكتبه .. بطريقة جامدة .. باردة .. يرسل لها كلاما رسميا من بضعة اسطر حول ضرورة بقائه في منزل العائلة لكن علقت جملة واحدة فقط في رأسها ..

" لقد تسرعنا و اعتقد انه حان الاوان لننفصل " ...

في البداية اعتقدت ان الامر مجرد مزحة فلطالما كان ياسين يشاكسها لكنه هذه المرة لم يتصل بها ضاحكا لأنها وقعت في الفخ كما كان معتادا .. هذه المرة و بعد اشهر طويلة من الغياب ارسل لها قنبلة انفجرت في كيانها و هزته ...

مدت يدها الى ناحية من المكتب حيث وضعت صورة زفافهما .. رفعتها لتنظر فيها بتمعن رغم الغشاوة التي كانت تهدد بسيول من الدموع و الاهات

كان زفافا عاديا بسيطا .. خاليا من البهرجات التي تتوفر في حفلات الزفاف التقليدية بحكم انهما يعيشان في الغربة و لا يوجد فرد من عائلة ياسين هناك .. حضره بضعة من الاصدقاء المشتركين و عابد والدها .. صحيح ان المحرك الاساسي لعلاقتهما كان الصداقة لكنها بعد زواجهما بدأت مشاعرها تتغير الى ان صارت تعشقه رغم انها كانت تشك في كثير من الاحيان في انه يبادلها المشاعر لكنها كانت راضية اذ كان زوجا وفيا و صديقا رائعا و كانت حياتهما الحميمية اكثر من مرضية و كانت تأمل ان تكون رغبته بها بوابة لحبه و الحق يقال انه في الاشهر التي سبقت رحيله لاحظت كيف ان تعامله معها صار اكثر حميمية في الخارج فكان يمسك يدها حين يتجولان و يغدق عليها احضانا دافئة كلما رآها متعبة او منزعجة ...

رحلة سمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن