كلمات القدر
المقدمة
من قبل مجيئنا إلى هذه الدنيا وأقدارُنا قد خُطت كلماتُها على أسطرِ اللوح المحفوظ .. وبين جدلية التسيير والتخيير يعيش البشر أقدارهم .. كلمات القدر لا تجبرنا على كيفية معينة لعيشها .. هي فقط تضعنا عند مفترق طرق للمستقبل الذى سيأتي من بعدها .. وعندما يضعك القدر عند مفترق طريق فربما كان الشيء الصحيح لتفعله .. هو أن تحسن الاختيار ... فقط عليك أن تختار الطريق الصحيح من بينهما لتعيش هذا القدر كما يجب لتحيا سعيداً راضياً ... عليك فقط أن تُسَلِم للمشيئة .. وأن تغمض عينيك وتؤمن.
****************
قطعت بخطواتٍ غير ثابتة وجسدٍ مرتجف أروقة المشفى .. وجهها شاحب .. عيناها شاردتان معلقتان بلا شيء .. قادتها خطواتها الشاردة نحو المخرج .. لم تكن ترى أمامها، اصطدمت بشخصٍ ما فى طريقها وتحركت شفتاها بكلمات اعتذار لم تبلغ أذنيها ولم يلتقطها عقلها أصلاً ..
تابعت طريقها تاركة المشفى خلفها كأنما تهرب من سر شقائها .. تتركه خلفها .. كأنه لن يلاحقها .. لن يصحبها طيلة حياتها، ناسيةً أنها تضمه إلى صدرها فى المظروف الذى تحمله والذي انقبضت عليه أصابعها بقوة لا إرادية كأنها ستتمكن من إخفائه عن أعين كل البشر الذين قابلتهم فى طريقها .. تخيلتهم يقرأون .. يعرفون سرها .. يدركون عمق مأساتها ..عبرت الطريق دون أن تنتبه لأصوات السيارات التي تعالت ولا لشتائم السائقين الساخطة .. لم تدر كيف عبرت بسلام إلى الناحية الأخرى حيث ركنت سيارتها ..
دلفت للداخل وألقت المظروف من يدها على المقعد المجاور لها .. تأملته للحظات كأنما تتأمل أفعى سامة ستنشب أنيابها فى جسدها فى أية لحظة .. أشاحت بناظريها عنه وعادت تنظر للطريق أمامها .. ماذا ستفعل الآن؟! .. لقد انتهى كل شيء، صحيح؟! .. لا أمل .. تتطلع للطريق كأنما تنظر نحو مستقبلها القادم الذي سيكون عليها أن تخوضه وحدها .. حيث لا أمل ولا حياة ولا حب .. ولا (أحمد) .. لا تفهم ما الذي تغير .. ألم تكن قد حددت خياراتها من قبل؟! .. ألم تختر هذا المستقبل بإراداتها قبلاً أم لأنها اكتشفت الآن أن الطريق من البداية لم يكن باختيارها هى وإرادتها .. لأنها فقدت مزية الاختيار أم أنها أرادت أن تلعب دور البطولة والتضحية .. لكنّ الحقيقة أنه كان طريقاً مرسوماً وكان عليها أن تسيره شاءت أم أبت .. طريقاً اختاره قدرها حين سطر عليه بضع كلمات شكلت حياتها ومصيرها.
عادت كلمات الطبيب تدوي فى عقلها .. اختلطت الكلمات عليها فلم تعرف هل كانت هي من تتحدث أم هو .. تتذكر كيف أخبرها بالأمر بكلمات عملية بسيطة وكيف ختم حديثه بعبارات محفوظة تقال عادة فى هكذا مواقف .. لا تفقدى الأمل أبداً .. لا تيأسي .. وربما حين يعرف الباقون سيخبرونها أن عليها أن ترضى بقضاء الله وقدره .. البعض سيخبرها أن الطب قد تقدم كثيراً فى الآونة الأخيرة وما كان مستحيلاً فى السابق صار ممكناً هذه الأيام .. ولربما ينبهها البعض إلى حقيقة - تعرفها جيداً - أن الطب مهما قرر فإن الله إذا أراد شيئاً، يقول له كن فيكون .. سيقولون ويقولون وتبقى هي أسيرة ذلك الواقع الذى قررته كلمات قدرها مسبقاً.
أنت تقرأ
كلمات القدر
Romanceمن قبل مجيئنا إلى هذه الدنيا وأقدارُنا قد خُطت كلماتُها على أسطرِ اللوح المحفوظ .. وبين جدلية التسيير والتخيير يعيش البشر أقدارهم .. كلمات القدر لا تجبرنا على كيفية معينة لعيشها .. هي فقط تضعنا عند مفترق طرق للمستقبل الذى سيأتي من بعدها ... وعندما ي...