على طاولة مستديرة ، في شرفة تطل من أعلى التل على منظر جميل للشمس وهي ترتقي بخجل من خلف زرقة البحر التي استحالت للاحمرار.. كنت جالسا مع أخي نتبادل أطراف الحديث .
بدأ أخي بالحديث بينما يرتشف من كوب القهوة :
" هل سمعت آخر الأخبار؟ "
نظرت إليه نظرات ساخطة ؛ فأنا أعرف أنه يريد السخرية مني :
" بالتأكيد قرأتها.. لا داعي لتعكير مزاجي منذ الصباح الباكر "
شربت جرعة كبيرة من قهوتي التي بدأت تبرد.. وضعت الكوب على الطاولة بقوة وبدأت بالتذمر :
" منذ أن كنت في التاسعة من عمري وأنا أقدم اقتراحات للوزارة بشأن طريقة التعليم ووقته والكتب التي ندرسها ، لكن لم يطبقوا أيّاً منها عندما كنت لا أزال في المدرسة.. والآن بعد تخرجي يقومون بتطبيق ما قلته "
قلبت عيني منزعجا من تأخر قرارات تطوير الدراسة الجديّة ، فقد ضاعت علي أوقات كنت استطيع خلالها تعلم علوم عديدة .
نهض أخي من مكانه متوجها إلى باب الشرفة :
" لا داعي لأن تعكر مزاجك أنت ، من يدري ربما قد استفادوا من اقتراحاتك "
"وماذا إن استفادوا منها ؟ ماذا سأستفيد ؟ لقد تخرجت .. أُفّ "
أسدل الستائر ودخل إلى غرفة الجلوس ملوحاّ بيده وهو يقول :
" ربما في النظام الجامعي الجديد !.."
رأيت ظله خلف الستائر وهو يسير باتجاه الأريكة.. ألقى بجسده عليها وتحدث بصوت عال كي اسمعه :
" خالد.. لم أنم جيدا البارحة ؛ لذا سأنام الآن ، أيقظني وقت الفطور "
وضعت رأسي بكسل على الطاولة وأنا أنظر إلى الستائر التي تلعب بها الرياح ، ثم التفت وبقيت أحدق للبحر عدة دقائق ، ثم لم ألبث قليلا حتى هاجمني النعاس :
" أتعلم .. أنا أيضا لم أنم جيدا بالأمس .. لقد خضت مغامرة بحرية جميلة مع سمية ونور .. "
أغلقت عيني في هدوء ، راغبا بنوم هانئ ، يبد أن هناك ما عكر صفوي .. كان صوتا أشبه بتحطيم شيء ما .. فتحت عيني - بدون أن أتحرك من مكاني - علّي أعرف مصدر الصوت ، بقيت ساكنا لثواني أعقبها صوت انفجارات عظيمة .
انتفضت بقوة من مكاني مسرعا باتجاه الغرفة - التي نام بها أخي - وأنا ألوح بيدي لكي أبعد الستائر التي تطايرت بعد صوت الانفجار ..
ارتخت يداي ووقعت أرضاً من هول ما رأيت ، لقد كان كل شيء مدمرا تماما .. بيتنا ، وبيوت جيراننا المتفرقة .. الأشجار .. الجنان التي كنا نستمتع ونلعب بها كل صيف .. كل شيء يحترق ..
لكن كيف ؟ كيف يمكن أن يحصل هذا ؟ كيف للدنيا أن تنقلب في ثوانٍ ؟
سمعت صوت أمواج البحر الهائج خلفي .. التفت لأراه قد استحال للّون الأحمر ، لكن هذه المرة لم يكن بسبب شروق الشمس ، بل بسبب النيران التي اشتعلت على السفن .
أنت تقرأ
|| ثُلَاثِيُّ المَوْتِ ||
Short Storyأن تعلق في حلمك ولا تستطيع الخروج منه يعتبر أمرا مريعا ، وخصوصا إذا كان مليئا بما يحطم الفؤاد ، أن ترى الظلم والقهر ولا تستطيع تغييره .. ترى الخلق بحاجة للمساعدة ، لكنك عاجز حتى على أن تواسيهم بكلمة .. الحرب.. الفقر.. الجهل.. كلها من أعظم المصائب ال...