انا (جزء2)

938 45 3
                                    

ولما مت، كنت أرى كل شيء من بعيد..
العامة الذين تجمعوا حول الحادث، صاحب السيارة الذي قد جن جنونه خوفا ً، لا على الجثة الملقاة أرضا ً، وإنما على ما سيحدث به تباعا ً. صديقتي التي تنادي بأسمي كي اعوذ لها تذكرون تلك الفتاة فتاة المقهى . اخاف ان انطق الحروف التي اصبت بعشقها.
وتابعت مسير الجثة تلك، من نقلها إلى المشفى الحكومي الذي ما ألقى لها بالا ً، وكان يبدو - من ملابسها - أن لا أحد سيكترث كثيرا ً لما لقت..
كانت الجنازة التي اتسعت لأربعة عشر رجلا ً من الأحياء جميعهم.. سواه، انطلقت من المسجد لتزفه مأواه الأخير، ولتزيحه عن الدنيا أو لتزيح عبأ الدنيا عن كاهليه، ولتجعل من هذه الحياة أما قد فقدت للتو أشجع ابنائها وأكثرهم حيرة وأطولهم حلما.
ورأيتهم يقومون بدفني بعد أن حل أمر موتي بفنجان قهوة ودية ٍ ستدفع لوالدي تباعا ً، وستحدث من التغيير في حياته ما لم أستطع أنا تغييره في حياتي، كان موتي بمثابة حياة أخرى لوالدي الذي ما رأيت على عينيه دمعة وأنا ملقا ً أمامه.. ولما انقضت ثلاثة أيام ٍ من موتي، كان قد بدأ يبحث عن محل ٍ يستأجره ليفتتح متجرا ً صغيرا ً بديتي..
أما أمي فكيف كان لها أن لا تبكي؟ وكيف كان بإمكانها أن تكون أكثر قوة؟ وأقل عاطفة وأعظم أمومة ؟
صديقتي التي كادت ان تنتحر لعدة ايام بسبب حزنها علي
أخوتي، الذين اعتبروني زائدا لمدة اثنين وعشرين سنة فقد بكو في بادئ الأمر، إلا أنهم في اليوم الثاني قد ضاقوا ذرعا ً من الوقت الذي قد أمضوه بلا فائدة في تلقي التعازي بوفاتي.. التعازي القليلة..
أما صاحب محل السيارات الذي كنت أعمل به، فكانت واقعة موتي الأكثر تاثيرا ً عليه بين العامة، فقد احتاج إلى أسبوع ٍ ونصف للعثور على فتى آخر يشغل مكاني، وكان يحتاج إلى شهرين على الأقل لتدريبه..
بعد أربعة أيام من موتي، لم يكن أحدهم يكاد يتذكر أن الأمر قد حدث إلا أمي، التي ظلت لفترة طويلة ٍ جدا ً، تغسل ملابسي كاملة، وكنت أراها تعيد تعليقها على الحبل خارج البيت مرارا ً وتكرارا ً، وكانت على الساعة السادسة مساء ً في كل ليلة، تفتح باب البيت وتجلس خارجه، كما اعتادت لأكثر من ثماني سنين كانت تنتظر عودتي إلى البيت.. لكنني هذه المرة أطلت الغياب.
تلك كانت حالة الجميع بعد موتي
#بعض الاحداث تشبه ابنة الشيطان

الحزنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن