وسط أشعة الشمس التي تنير السماء والأرض .. أصوات العصافير التي تزعج بعض البشر وتطرب الآخرين .. هناك منهم من لم تنم حتى توسطت الشمس السماء واشتد نورها ..
-سِيارا لنخرج معًا ونتفرق وقت البحث عن الطعام
-أنا لا ارغب في الخروج اليوم
-أتتحدثين بجدية ؟
-أفعل
-تعلمين أننا لا يمكننا الامتناع عن الخروج لجلب حصة الغذاء .. ربُّ القطيع يأبى
-لماذا عليَّ أن أفعل ذلك كل يوم ؟ أن أخرج لجمع الطعام فأعود بحصتي وأُبقي منها لغيري فقط لأن هناك من يسمى بكبيرنا الذي لا يقوم بشيء سوى الكذب علينا بأنه يحمي شجرة سكننا من العصافير الأخرى
-اخفضي صوتكي ستقعين في أزمة بهذا الشكل !
-فقط لما أعيش تلك الحياة ! استيقظ فجرا لازقزق مع قطيعي ثم نخرج في نفس الوقت لجمع غذائنا .. نعود وقت غروب الشمس لنعطي الحصة الفائضة لرب القطيع ثم نخلد في النوم .. أتسمون تلك حياة !!
-سِيارا.. أنتِ فقط ما زلتي متأثرة بوفاة والدتكي ووالدكي ..
-لا كوازين .. أنا هكذا منذ صغري لن تفهموا ما أشعر أو ما أعني
-أمازلتما هنا !! الى الخارج عليكما جمع الطعام
-نحن خارجتان
نظرة الصديقة لصديقتها لتقوما بالتحليق فتنفصلا عند بقعة ما لتبحث كل واحدة عن غذائها .. كلما توجهت سِيارا نحو طعام تجد زميلة تحلق نحوه .. ليست كزميلاتها اللاتي تصارعن من أجل ما تراه من غذاء هي فقط تتركه وتحلق باتجاه آخر لذلك هي أقلُّ من في القطيع تجميعا للطعام ..
على سطح أحد المباني السكنية وجدت ما تستطيع جمعه من طعام فحلقت تجاهه لكنها لم تنتبه لذاك الغراب الجائع المتجه نحو بقعة الطعام بسرعة ليرتطم بها بقوة فتصرخ اثر قوة الارتطام التي لم تجعلها تشعر بشيء غير أنها تسقط .. لترتطم مجددا بأرضٍ صلبة في شرفةٍ ما .. حاولت التحرك بعدما استعادت رشدها لكن ما العمل ؟ هي تقف ولكنها لا تستطيع تحريك احدى جناحيها .. تحاول بجهد لكن لا أمل ..
صوتُ زجاج الشرفة يُفتح لتنتبه للصرير فتُصدم برؤية إنسان يتقدم ليدخل .. لاحظ وجود ذاك الكائن الصغير الضعيف ..
تتحرك بعنف لا تأبى بآلام جسدها او جناحها المصاب هي فقط تحاول النجاة فهي لا تعرف مصيرها الآن لذلك تريد التحليق لكن جناحها يمنعها .. تمتلك عقدة كبيرة من بني البشر حيث قتل والداها على يدهم .. أما والدها فلتمكن بعض الأطفال من اصطيادة واخذوا يلعبون به لكنهم لم يعلموا انهم يقتلونه .. اما والدتها فلاستضامها بسيارة احد السائقين المتهورين..
-أيتها الصغيرة هل آذيتي نفسكي
خاطب الكبير الصغيرة التي حوصرت في الحائط .. لتشعر أنها نهايتها
-لا بأس أنتِ بخير ..
جلس على ركبتيه واضعا كوب قهوته ارضا ليحاول إمساكها فيتفحصها إلا أنها تحاول تحريك جناحها لتحلق وتبتعد عنه .. قام بالتحسيس عليها بداية من رأسها حتى جناحها بإصبع واحد فقط .. لا تعلم لما لكنها توقفت عن محاولات الافلات .. ليحملها في كفّه فيقوم بها .. مازال يحسس عليها يخبرها انه سيجعلها تشعر بتحسن .. سيساعدها .. هي لا تفهم شيئا من لغته .. لا تستطيع تمييز ما يحاول قوله لها فلغتهما مختلفة الا انها لسببٍ ما شعرت بالطمئنينة بين كفّه .. تحت لمساته اللطيفة المطَمئنة ..
ادخلها صالة المنزل وهي مازالت هادئة في كفّه ليجلب بعض المناديل والمراهم .. فقد كان شقيقه المتوفي طبيبا بيطريا علمه بعض الخدع الطبية باشياء بسيطة لكن نتيجة شفائها مضمونة
يحاول الآن تصليح الوضع مع جناحها فيقوم بربطه والصغيرة تدمع هذا اقوى رد فعل قد تقوم به لتعبر عن آلامها لاحظ ما يبرز في عينيها الواسعتين
-هل هذا مؤلم ؟ انا اسف سأحاول بشكل أخف .. ما رأيكي أن نتعرف ونحن نقوم بالأمر ؟ اذا انا كيونجسوو .. دو كيونجسوو ما اسمكي ؟ اه حقا تشرفت بمعرفتكي
امالت رأسها تحاول استنتاج تلك الحروف الملقاة من شفتا القلب فنظر اليها بعد انتهائه
-تبدين لطيفة .. حسنا انا لا اعلم ان كنتي فتاة ام فتى لكنني اشعر انكي فتاة .. اذا لقد انهينا هل ناكل الآن ؟
رفعها مجددا ووضعها في كفه ليدخل بها المطبخ بدلا من تركها واحضار الطعام لها خوفا من ان تحاول الفرار فتحرك جناحها وتقوم باذيته .. يفرغ بعض الحبوب في طبقٍ صغير وضعه أمامها لتهم بالأكل .. تارة تنظر له وتارة تضع رأسها في الطبق أمامها ليقف يراقب افعالها وهو يبتسم بقوة
-انتِ جميلة ..
مضى ما يقرب من الساعتين وهي هادئة في جلستها على كفه لم يمل من النظر لها ولم تفعل هي
-ما هذا الخط الاحمر العريض على جناحكي السليم ؟ يبدو انه لونٌ طبيعي ليس اثر جرح .. تبدين مميزة به .. سأستطيع تمييزكي حين اراكي مجددا
ظل يحادثها الى ان اعلن هاتفه عن انتهاء المدة المحددة لابقاء جناحها مربوط
-هل انتهى الوقت !بهذه السرعة
اعاد نظره اليها
-ليتني استطيع الابقاء عليكي .. لكنني لا يمكنني حرمانكي من حريتكي
استقام بها وهي مازالت لا تفهم ماذا يريد اخبارها .. لم تفكر طوال الدقائق السابقة في قطيعها الذي يجب ان تجتمع به في الشجرة الان ..
دخل بها الشرفة لتنظر بتعجب الى ان فهمت مخذى ادخالها .. هو يريدها ان تحلق الان .. اذا ستتركه .. نظرت له سريعا لم تتوقع ان تحب البقاء معه .. هي لا تريد العودة
-اذا لنجرب ونرى ان كنتي تستطيعين التحليق براحة الان
ابتسم لها ليلقيها في الهواء فحركت جناحيها بسرعة فاستطاعت التحليق ابستم لرؤيتها تفعل ليلوح لها بيده عندما توقفت في موضع في الهواء وهي تحرك جناحيها لتنظر له مجددا ثم انطلقت مبتعدة .. لكنها عادت الى شجرة قريبة لم يلاحظها حيث ينظر الان الى مواضع متقطعة ثم دخل واغلق الباب الزجاجي ورائه .. نظرت ارضا في حزن لتحلق عائدة للشجرة التي تسكن بها-اذا تقولين انكي ارتطمتي بغراب فسقطتي ولم تستطيع جمع الطعام.. وتريدينني ان اصدق ؟
-هذا ما حدث انا لا اكذب
-وانا لن اصدق عليكي غدا جمع حصتين وان لم تفعلي فمن الافضل الا تفكري في العودة ..
تحرك الجميع الى غصونهم ليجلسوا حتى النوم .. اقتربت كوازين من سِيارا
-احقا حدث هذا ؟
-لقد قلت انا لا اكذب
-حسنا اصدقكي .. لكن اشرحي لي
-فقط ارتطمت بذاك الغراب فسقطت على ارضٍ صلبة لم يمضي وقت طويل حتى رايت انسانا يتقدم مني
-انسان !!وكيف هربتي
صُدمت كوازين مما سمعت من صديقتها
-لم افعل فقد كنت مصابة .. هو لم يؤذني بل ساعدني
-احقا ما تقولين ؟
-اجل لقد قام بوضع شيء ما على جناحي لم اعرف ماهو لكنني استطعت الطيران بعدما فعل
-هذا غريب ليس عادة بني البشر
-لا اعتقد ان الامر كذلك
-ماذا تعنين
-اعني اننا ناخذ صورة عامة عن كل البشر بسبب صدماتنا لكن من الممكن ان الكثير منهم ليسوا اشرار ماحدث معي اليوم يثبت ذلك
انهت الفتاتان الحديث لتذهب كوازين الى غصنها فتنام بينما سِيارا يابى عقلها جعلها تنام .. تفكر كثيرا في ذاك الشخص .. تشعر لاول مره بنبض غير طبيعي في قلبها الصغير المختفي داخل صدرها .. قررت القاء النظر عليه يوم غد قبل الذهاب لجمع الطعامكانت أسرع من خرج من قطيعها اعتقد الجميع انها تسرع لجمع الطعام اذ عليها اليوم حصتين لا حصة واحدة لكنها ما عادت تهتم انما تسرع لرؤية صاحب الابتسامة العذبة من ليلة امس .. وصلت الى شرفته لتقف على سورها تزقزق عله يخرج فتراه .. وقفت كثيرا حتى فقدت الامل في رؤيته فكادت تحلق حتى سمعت صريرا مشابها لما سمعته امس .. نظرت الباب لتجد من انتظرت رؤيته طويلا يخرج بنظارته الطبية مبعثر الشعر عاري الصدر يبدو انه استيقظ الان
-اهذهِ انتِ من ايقظني من نومي ومازال يبقى ساعتين على موعد استيقاظي للذهاب للعمل ؟
ابتسم بعد ان انهى كلامه التوبيخي وهي تتحرك على السور كنوع من التعبير عن الفرحة لدى العصافير لكنه لم يفهم بالطبع .. هو فقط اقترب منها حاملا اياها
-كيف حال جناحكي الان ؟ هو بخير صحيح
حسس على رأسها باحد اصابع يده الاخرى الى ان نظرت حولها فوجدت عددا من زميلاتها تطير بحثا عن الطعام ليصفعها ذلك فهربت من كفه محلقة بينما هو ظل ينظر لها وهي تحلق سريعا
-لم اعلم ان الطيور تستطيع التعرف على من يساعدها ..
ظل يبتسم حتى دخل ليتحضر للعملظلت لايام تقوم بنفس الامر .. المرور عليه صباحا احيانا يلاحظ وجودها و احيانا لا .. ظلت تقع له ولابتسامته .. قلبها الصغير يخفق اكثر حتى انها تمنت لو كانت انسانة مثله فتحظى به لكنه مجرد حلم .. وماذا قد يقلب الاحوال اكثر من حلمٍ بريءٍ مُتمنى ؟
حل يومٌ اشتدت حرارته فشعرت بالعطش وقت بحثها عن الطعام .. وجدت نافذة مفتوحه بها سائلٌ اعتقدت انه ماء اذ يشبهه .. شربت منه لكنها لم ترتوي .. فالواقع لا طعم له .. تذكرت انها لم ترى صاحب شفاة القلب اذ خرجت اليوم في دورتها ابكر من العادة فقررت الذهاب متاخرا لتراه .. همت بالتحليق نحو شرفته لكنها عندما وصلت شعرت بجسدها يؤلمها عينيها تنغلقان بسبب ما حل بنظرها من سواد سقطت في ضعف داخل شرفته ..-اذا هذا السائل ان شربت منه اتحول الى ما اريد ؟
-اجل انا اضمن ذلك.. تتحولين لما تريدين حتى ثلاثة اشهر
-ماذا ان ازدت الكمية .. هل تطول المدة ؟
-مهما شربتي منه .. لا يعطي لنفس الشخص مدة اكثر من ثلاثة اشهر
-اذا حتى لو عدت بعد ثلاثة اشهر وشربت منه مجددا لا اتحول ؟
-هذا صحيح
أنت تقرأ
فِردوسٌ ..
Fantasyوالعشقُ لا يفرق بين طيرٍ وبشرْ.. فكلٌ فيه واقعٌ لا مفر .. وما عرف العشقُ يوما چنساً .. ولا أدرك وقتا ولا عمرا ..ولا قربا ولا بعدا .. فرُبَّ قلبٍ عاشقٍ أدرك معشوقه رغم بعد المسافات .. فاحفظوه في قلوبكم علَّكم تجزون قربَ الحبيب .. فإن كنّ الأيام فرقن...