الثاني: الصقيع يجتاحني.

170 25 119
                                    

يصبح السير حملاً كبيراًً عندما لا تعرف وجهتك، كالسير وسط الضباب، لا تعلم لأين ستذهب؛ رغم يقينك بأنك ستصل هناك يوماً ما. لكني لا أحب السير كثيراً على أي حال، حتى وإن كنت أعلم إلى أين وجهتي؛ فالوقوف هي وظيفتي.

ليس وكأنها وظيفتي الفعلية، لكني أحاول على الأقل.

لاح لي في الأفق أسقف مباني على ناصية الشارع؛ مما جعلني أحث الخطى بعض الشيء علني أريح ساقاي قليلا على مقعد أو حجر، لكن ما لطم وجهي كان أفضل: متجر صغير.

دخلت وأنا أتمنى أن يكون اليوم هو يوم البيع المجاني، فنقودي ﻻ تكفي لسد جوعي وصك الباب في وجه الصداع الذي يفتك برأسي ببطء، تماماً، ببطء كما كل شيء هنا، نظراتي تجوب المنتجات بوتيرة مشابهة لتنقلات البائع بين نقوده وبيني، الزبون الوحيد في المحل في هذا الصباح الذي لم يبدأ بعد. رأيت عيناه من وراء نظارته الدائرية، عيناه الرماديتان الآسيويتان تراقبانني، شعرت بالخطر بطريقة ما، غير منكر أنني شعرت بالقليل من السعادة كون أحد ما يوجه نظراته إلي بشيء من الإهتمام.

لم أتلقى نظرات الإهتمام من أحدهم يوماً، ليس وكأنني فاقد للحنان وما إلى ذلك من حديث المراهقات!، ما أقصده هو نظرات مختلفة قليلاً، إهتمام بأنك موجود ومرأي لأحدهم.

خيار صعب، صعب جداً بين كيس من السكاكر الملونة التي تصفعك بحموضتها قبل أن يتفشى سكرها في فمك، وعلبة من حبوب الصداع الذي يفتكني وسيفتك بي أكثر لاحقاً. للمرة الأولى أجد نفسي ضائعاً بين الصبي ذي قصة الوعاء، وأنا.

وأنتصرت.

اتجهت نحو البائع مقدما ما في حوزتي -وهو ما لم يتعدي علبتان من الدواء وموزة-، قال بصوت يكاد لا يسمع كم يجب أن أدفع؛ لأخرج من جيب معطفي الأصفر  السمِل بعض القطع النقدية التي لا تتجاوز الدولاران، لكن كل شيء يبدو أكثر عند تجزئته.

رأيت امتعاضه لما قدمت، لكنني لم أفهم ماذا يجدر بي أن أقول، لذا غادرت.

حالما عدت إلى الطريق، أدركت أنني بدأت أتحول لما قاله والدي عندما هددت أن أهرب من المنزل، قال أن الحياة ستصفعني أكثر مما سيفعل هو، وحيرتي بين الدواء والسكاكر أثبتت ذلك.

لماذا يجب على الإنسان أن يختار بين ما يحبه وما يبقيه على قيد الحياة؟، ألا يوجد ما يحقق الشرطين؟.

انظر لدفئ الماضي الذي دفن؛ لقد تأخرنا في إنقاذه.

هذا ما أفكر به الآن وأنا أسير تماماً بمفردي، حتى أن معظم أفكاري تأبى مرافقتي، تلك الأفكار السعيدة، هي أبداً لا تأتي.

MELTED ¤ AKMUحيث تعيش القصص. اكتشف الآن