الفصل الأول مالا يظهر لنا

23K 264 7
                                    


سماء سوداء كأداء كالليل تمامًا، كلون مُقلتي عينها الناظرة للسماء، وشعرها المسدل ارضًا على الحشائش، تزفر من كل قلبها تُباغت فؤادها بالضغط عليه بقسوة و بالتنفس بصعوبة؛ كأنها تريد قتل نفسها.

الأيام متتالية، على نفس ذات الحدث الذي غير حياتها، الحدث الأول والأخير كما اعتبرته هي.

اغمضت عينها، وتركت العنان لدموعها؛ لتتساقط كأوراق أشجار ماتت مضطرة وتركت شجرتها في غير إرادة منها.

الحياة قد ترغمك على فِعل مالا تريد فعله، وكأنها تجبرك على الصمت، والصمود وقتل نفسك أحيانًا، والصعود لسماءٍ مظلمة مثلك.

تشبه كونها قلم رصاص، كُسِر سِنه، وليس له بقية، أو كأنها شمس غربت ولم تشرق بعدها، أو قمرٍ أبيَ أن يظهر لينير الظُلمة، أو ربما موت على قيد الحياة.

قطع تفكيرها وتذكرها صوت عال، ونبرة حادة غاضبة:

"انتِ يا تاليا هانم."

مسحت دموعها، ووقفت تهندم ملابسها، واتجهت ناحية الصوت، وقفت أمامه، وقالت وهي تبتلع ريقها وتحافظ على رابطة جأشها كي لا تبكي:

"نعم!"

ابتسم ابتسامة جانبية؛ سخريةً من مظهرها المتهالك، وكأنها ليست ذات سبعة وعشرين خريفًا، اسفل عينها الأسود، عروق يدها ووجهها البارزة من بشرتها البيضاء، عينها الحمراء الدامعة، جسدها النحيل وارتعاشها وأردف بنبرة ضاحكة:

"فكرك كده هتصعبي عليا؟ لا للأسف، ادخلي شوفي ابنك، وبطلي نوم في الجنينة يا... يا رايقة."

اتجهت لداخل المنزل مغادرةً للفناء الواسع، وتركت آلامها كما هي، مقرها قلب مُغلق بمفتاح من حجر، ضائعٌ كي لا يُفتح.

صرخات طفلها الصغير الذي لم يُكمل عامهُ الثالث بعد دَوَت في أرجاء المكان؛ معلنةً عن استيقاظه من قيلولته التي لا تستغرق ساعة حتى.

أمسكت به وحملته ووقفت تتمشى به في أرجاء المنزل؛ لكي يهدأ، وحضرت له مشروبًا ساخنًا ليشربه، وجلست تسقيه إياه في هدوءٍ حتى نام مجددًا.

اقترب وليد _زوجها_ وهو في الخامس والثلاثين من عمره، وهو غاضب منها، ومن ابنها، وكأنها أذنبت عندما أحضرت طفلًا صغيرًا للحياة.

عدل من هيئة خصلات شعره وهو يزفر قائلًا بحدة:

"ما تطلعيه فوق مش نام."

نظرت له ولم تستطع التحمل لدقيقة اخرى بعد، واجهشت بالبكاء فقد فاض بها، هي ضعيفة وهشة كهشاشة الزجاج، وهو من لا يملك ذرة من الرحمة، لعله يشعر بما تشعر؛ ليعي ما هي به الآن.

مسحت دموعها بيد واحدة وقالت في صوتٍ متقطع:

"ممكن تسيبني في حالي، انا مش ذنبي اني خلفت، ولا ذنبي إنك رجعي في تفكيرك، ذنبي الوحيد إني لحد النهاردة صابرة عليك."

عقارب القدر للكاتبه فاطمة سعد الدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن