استمرت نور في العمل حتى السادسة مساءًا، وبعد ذلك تركت أدواتها بالمكتب، أغلقت باب المكتب خلف خروجها، غدت تعلم كل شيء الآن فهمت عصام يحب أختها، وقفزت الشكوك برأسها، وما لها إلا أن تسأل أختها عن وجود علاقة أو عدمها فهي تأكدت بالكاد أن عصام يحبها من فرط اهتمامه كما تظنه هي حبًا، وما خفي لا تعلم أنه غرورًا وانانية.
سارت في أرجاء الشركة متجهة للخارج، قابلها محمود وهو في طريقه للرحيل هو الآخر، اقترب من طريقها وسار بجانبها، أردف وهو يصطنع الجدية في الحوار:
"احم قوليلي يا نور مقعدتيش مع البنات يعني!"
تفاجئت نور به، وبفضوليته، وسؤاله، وكذلك سيره بجانبها، وبطبيعتها تخشى الرجال ولكنها اطمأنت لمحمود كما تطمئن لعصام تمامًا لا فرق فأجابته قائلة بهدوء:
"يعني متأقلمتش معاهم."
حال بينه وبينها، مباغتة عصام لهما من الخلف إذ ظهر آن ذاك فجأة وهو يغلق مكتبه هو كذلك، ظن أن نور هي من استوقفت محمودًا ظنًا منه أن حديثهما عن العمل وغار عليها كما يغار على أختها، وغلبه شعوره، وسرعان ما رأى ابتسامتها على وجهها أثناء حديثهما، وهذا ما جعله يحول بينهما بقوله:
"مروحين ولا إيه؟"
كان محمود في تلك اللحظة سيعرض على نور أن يوصلها هو للمنزل، ولكن كان عصام الأقرب لطلب هذا فأردف متابعًا:
"لو كده يا نور تعالي اوصلك."
استأذنهم محمود فرأى أنه لا حاجة لهم بوجوده الآن، ركب سيارته مغادرًا المكان، بينما نور وعصام في سيارة عصام، كانت هي لا تفكر بسواه بينما هو مشغول باله بأختها وبها أيضًا ولكن بأختها أكثر وبخطته للحسم، وكأن كل الطرق إليه مسدودة بسدٍ منيع يكاد يكون لا يُهدم وهي تريد هدمه دون النظر لسوداوية قلبه، من ناحية أخرى كل الطرق إليها أمامه غير مغلقةٍ بأي من المفاتيح، بينما هو غارق في بحور حلم امتلاك أختها وامتلاك اهتمامها هي.
غرقت هي في بحوره دون إدراك فلولا البحر ما كانت السفن لتغرق وما وجدت السفن في الأساس، ولولا الحب لَمَا كان البشر يعشقون وما كان وجد للعشق معنى.
ظلت شاردة في الطريق لا تريد مخاطبته، ولا تريد منه إلا الصمت، حتى أنها لم ترِد أن تذهب معه، ولكن وما باليد حيلة، كان عصام آن ذاك غير منتبه للطريق كاد يصطدم بسيارةٍ أخرى لولا ان أتاه صوتها، وهي تقول بنبرة مهتزة في ذعر:
"عصام خد بالك."
اوقف سيارته، وكاد قلبها يقف، ليس لأجلها بل لأجله، وكأنها لا تريد شيئًا غير سلامته وأمنه، وكان صاحب السيارة الأخرى قد غادر بعد أن ألقى عليه بكلماتٍ غير لائقة، فقال عصام بنظرة تلاعب:
أنت تقرأ
عقارب القدر للكاتبه فاطمة سعد الدين
Romanceجميع حقوق الملكية تخص للكاتبه فاطمة سعد الدين مقدمه رُغم الموت، رُغم المصاعب، رُغم التحديات، رُغم أنف كل شخصٍ أراد أن يفرق بينهما كيف ظلا إلى النهاية حبيبين كيف ظلا كعقربي الساعة لا يفترقا، وكيف كانا عقربي القدر وكيف جمع بينهما قدر؟ كيف كان نصيبهم ا...