ومع قدوم الليل تلألأ القمر، والنجوم منيرة، وحول المائدة تجمعت عائلة مكونة من أم وأب وابن واحد فقط، يتناولون وجبة ما قبل النوم، وكانت الأم تفكر في ابنها الذي وصل به عمره للثلاثين عامًا، ويرفض مبدأ الزواج تمامًا، حتى أنه لا يرى في ذلك شيئًا فقط يريد البقاء على حريته، يريد أن يكون كما هو، ولا يتغير من أجل أحد بنات حواء، ولا يعلن إفلاسه، ولا وقوعه من أجلها؛ لأنه كان يرى فيهن رؤية خاصة من ناحيته يراهن سببًا في العبوس والتبرُّم، ويستثني من بينهن والدته.
هو يحب حياته كما هي، ولا يريد تحولًا، وكذلك لا يريد قيودًا، ولا شؤمًا وحزنًا، ومن يجلب لنفسه الامتعاض والجوى؟
كانت والدته تنظر له في حيرة، كيف يتحمل البقاء حتى تلك اللحظة بدون من يقاسمه حياته بجميلها وسيئها؟
كيف يوهم نفسه بأن كلهن كبعضهن وكأنهن خلقن من نفس الأم؟ نعم جميع الإناث خلقوا من نفس الثرى، ولكن باختلاف طباعهن، وقلوبهن، وليس كل من حملت معالم الأنثى كانت تستحق لقب الأنثى، كما أنه ليس كل ذكرٍ يستحق لقب رجلٍ، فإن كان القياس على أن جميع الإناث سيئات، فجميع الذكور كذلك.
نظرت له والدته، وكانت تحمل بداخلها أسى على حالته، واقتناعًا نسبيًا بكل ما يقتنع به، ولكنها ومع كل هذا تشعر دنو أجلها هي ووالده، وتخاف أن يتركاه وحده؛ لذلك قالت في لومٍ له:
"يابني انت تعبتني معاك، مينفعش اللي انت بتعمله ده، مفيش حد بيرفض الجواز ويقول ده قيد."
تواسيه بكلماتٍ تعلم تمامًا أن عكسها صحيح، فمنذ أن تزوجت والده، وهي مُقيدة ببعض القيود، ولكن من صنع تلك القيود أ وليس الرجال إذا بمَ يُقيد الرجل؟
افتَرَّ عن أسنانه ضاحكًا، غير عابئ بكلمات والدته، وكذلك هروبًا من الموقف السخيف الذي يوضع به كلما جلس مع والده ووالدته، وقال في مرح:
"محدش بيجيب الهم لنفسه يا ماما، بعدين أنا كويس ومبعملش في نفسي حاجة، ده مبدأي لحد ما الاقي اللي تغيره، ومش هلاقيها أصلًا."
ضربت والدته كفًا بكف، لم تكن معجبةً بحالته، وأيست من المحاولات.
وقفت مكانها تلملم الأطباق، وأخبرته في حسمٍ للحوار، وهي تغادر المكان:
"براحتك يا محمود، انا تعبت معاك."
استأذن محمود والده، دلف لغرفته؛ لكي ينام، وبعد يوم أرهقه في العمل؛ لأن عصام ترك له العمل وذهب، كانت تلك أول مرة يدير بها شركة وحده، رمي بِحمل جسده على سريره، وسرعان ما غرق في النوم.
---
كان تائهًا في خطته، وهو لا يعلم أيهما أفضل له وأنانيته تريد تملك كلتاهما، هو لا يحب بل يريد التملك وهو شعورًا يغلبه، ويتملكه، ولا يحل له زواج أختين فيريد الزواج من تاليا، واستغلال اهتمام نور له، وهو لا يشعر بالطيبة إلا ناحية عائلته فقط.
أنت تقرأ
عقارب القدر للكاتبه فاطمة سعد الدين
Romanceجميع حقوق الملكية تخص للكاتبه فاطمة سعد الدين مقدمه رُغم الموت، رُغم المصاعب، رُغم التحديات، رُغم أنف كل شخصٍ أراد أن يفرق بينهما كيف ظلا إلى النهاية حبيبين كيف ظلا كعقربي الساعة لا يفترقا، وكيف كانا عقربي القدر وكيف جمع بينهما قدر؟ كيف كان نصيبهم ا...