الْجَنْقُو يتشابهون في كل شيء، يقفزون في مشيهم كغربان هَرِمة ترقص حول فريستها، يلبسون قمصانًا جديدةً، ياقاتها تحْفَلُ بالأوساخ التي عَمِل العَرَق، وعملت الشمس، وريح السَّمُوم، والتُّربة الطينية السوداء على جعلها شاهدًا على صراع مرير مع المكان، والطقس، ولقمة العيش، يفضلون الجينز ذا الجيوب الكبيرة والعلامات التجارية البارزة، المكتوبة بخطوط كبيرة مثل: كونز، وانت، ديوب، لي مان، وِنستون وغيرها، لا يعرفون ماذا تعني، لكنها تعجبهم ويفضلونها على غيرها، ويدفعون لأجل الحصول عليها مالًا سخيًّا، يحيطون خصورهم بأحزمة الجلد الصناعي، فتبدو هيئاتهم كمخلوقات غريبة لا تنتمي للمكان، لكنها تقلد كل شيء فيه بالأخص كُلِّيقَة السمسم المحزومة جيِّدًا، أحذيتهم التي كانت جديدة لامعة وأنيقة في أواخر ديسمبر الماضي، هي الآن ذكرى تلك، مَزْق متسخة ذات أخرام وألوان يصعب تحديدها في الغالب، لا يهتم أحد بتهذيب شعر رأسه، في ما بعد حدثنا وَد أَمُّونة بأن عاناتهم كَثَّة وأنهم يهملونها، يتركون شعر رأسهم الذي يميل للحُمْرَةِ من فعل الشمس كثًّا متشابكًا قصيرًا أو طويلًا في مستعمرات للشرا.
للجنقاوي أو الجنقوجوراي عدة أسماء على مرِّ السنة، وشهورها، وفصولها: فهو كَاتَاكَوْ في الفترة ما بين ديسمبر إلى مارس، حيث يعمل في مزارع السُّكَّر بكنانة، ومصنع سُكر خشم القربة، عسلاية أو الجنيد.
ويُسَمى فَحامِي في الفترة ما بين إبريل إلى مايو، حيث يعمل أم بحتي؛ أي منظفًا للمشروعات الجديدة، أو المهملة من الأشجار، ويصنع من سُوقها وفروعها الفحم النباتي.
ويُسَمى جنقو أو جنقوجورا في الفترة ما بين يونيو وديسمبر، أي منذ هُطول الأمطار إلى نهاية موسم حصاد السمسم، أما خلال السنة كلها فتطلق عليه النساء اسم فَدَّادِي، وبالمقابل يُسمِّي هو النساء اللائي يصنعن المريسة، والعرقي، فدَاديَّات، وعرفنا أيضًا من بعض الجنقو الذين أتوا من الفاشر ونيالا أن اسم الجنقوجورا هو المستخدم عندهم للدلالة على ما نسميه نحن في الشرق اختصارًا جنقو، لا يطلقون لفظ جنقاوي للمفرد كما نفعل، بل جنقوجوراي.
هي ليست المرة الأولى التي نترافق فيها إلى مكان لا نعرفه، ولن تكون الأخيرة، فمنذ أن طُردنا من وظائفنا للصالح العام قبل خمس سنوات تجولنا كثيرًا في شتى بقاع السودان: شماله، جنوبه، غربه، وشرقه، كان هو من أسرة ثرية، ويحتفظ بمال كثير لنفسه، يمكِّنه من أن يتفرغ بقية حياته كلها للجري وراء متعة المشاهدة، كما أطلقنا على ما نقوم به من «تسكع وتلكع» في بلاد الله الشاسعة، أنا فقير لكني عازب، ولا أتحمل مسئولية أحدٍ غير نفسي؛ إخواني، وأخواتي، متزوجون، بعضهم خارج السودان، والبعض الآخر في الداخل، واتخذوا طريقهم المحتوم في الحياة، أمي وأبي متوفيان، هو يساعدني كثيرًا في تحمل مصاريف السفر، ومتعة المشاهدة، وأنا أوفر له الرفقة الطيبة، ويقول الناس عندنا: الرفيق قبل الطريق.

أنت تقرأ
الجنقو 'مسامير الأرض'
Adventureللكاتب السوداني: عبد العزيز بركة ساكن الجنقو تتحدث عن العمال الموسميين «الجَنْقُو» هم الذين تركوا قراهم الفقيرة بحثًا عن لقمة العيش وأملًا في العودة بثروة صغيرة تغير حياتهم، وفي سبيل ذلك يقبلون أن تطحنهم تروس الحياة الخشنة مرات ومرات، في مزارع السكر...