خاتم مشبوه

18.4K 238 2
                                    

تناول فنسنت رولاند منشفة و هو يخرج من تحت الدوش فى جناحه فى الفندق اللندنى , بعد أن صمم على أن يطير إلى باريس بعد غداء عمل عصر هذا اليوم . سيأخذ توأميه فى عطلته الأسبوعية هذه إلى البيت فى سانت جينز . كان متلهفاً إلى ذلك . منتديات ليلاس
القصر,بدونهما أشبه بالقبر . فقد كانت السنة المدرسية بأشهرها التسعة, فراقاً طويلاً رغم الزيارات و المكالمات الهاتفية .
كان اليوم هو الخميس , و كانا يتوقعان مجيئة الجمعة , لكنه سفاجئهما . زهرة منسية
سيحتفل معهما الليلة بإنتهاء السنة الدراسية ثم يطيرون إلى قصرهم غداً .
سمع , أثناء حلاقته ذقنه رنين هاتفه الخليوى . ربما أحد ولديه يتصل به, فأسرع إلى الغرفة الأخرى ليجيب . لكن نظرة إلى الرقم المرتسم على شاشة التليفون أنباته بأن المخابرة من سانت جينز , فأجاب , راجياً أن لا يسمع خبر سيئاً:" نعم ؟ "
ــ صباح الخير فنسنت .
كانت هذه مدبرة المنزل , و كان صوتها مبتهجاً .
ــ صباح الخير إتفيج . كيف حال الجد موريس؟
ــ لا تقلق ! لقد خرج لتوه مع بوريغارد فى مشوارهما الصباحى.
شعر لذلك بالإطمئنان . كان جده و كلبه , فى غياب التوأمين قد كرسا وقتهما لبعضهما البعض .
ــ أتصل بكالبنك من هنا فى باريس , يريدك السيد جايد أن تتصل به فى أسرع وقت ممكن . و هذا هو رقم تليفونه.
السيد جايد ؟ لم يتحدث فنسنت إليه منذ فتح حساباً للتوأمين فى الخريف الماضى.
دون الرقم ثم قال :"شكراً إتفيج. أخبرى الجد موريس بأننى سأتصل بالرجل من باريس"
عندما انتهت المخابرة, أتصل على الفور بمدير البنك.
ــ شكراً لإتصالك بهذه السرعة , يا سيد رولاند. كنت قد طلبت منى الأتصال بك إذا دُعيت الحاجة.
ــ طبعاً , أية خدمة ؟
ــ أريد أن أخبرك بأن أبنك كتب شيك بمبلغ كبير منذ يومين . فرأيت أن أتأكد من موافقتك قبل أن أدفعه له.
ــ ما مقدار المبلغ؟
منتديات ليلاس
ــ إنه ثمانية آلاف و سبعمئة يورو . لن يبقى شئ فى الحساب.
تماكت فنسنت خيبة الأمل و هو يرى أن أولاده لم ينتظروا حضوره قبل أن يصرفوا المبلغ .
ــ لا بأس فقد وعدتهما بسيارة إذا هما نجحا فى إمتحان آخر السنة.
ــ سيارة؟ لكن هذا التشيك هو بأسم كتجر مجوهرات "فيندوم"
مجوهرات.....
و تملكته رجفة . مجرد سماعه هذه الكلمة يذكره بأكثر فترة من حياته سواداً.
ــ أوقف صرف الشيك حتى أُراجع الأمر.
ــ لا بأس , سيدى . هاك رقم تليفون
ما إن أنهى فنسنت المخابرة حتى أتصل بمتجر المجوهرات : لم يستطيع أن يصور سبب كل هذا. ذلك أن ولديه كانا على العموم موضع ثقته و....
ــ "بيجو فندوم"
ــ صباح الخير يا سيدى. هل يمكننى الحديث مع المدير؟
ــ هو يتكلم .
ــ أنا فنسنت رولاند.
ــ آهـ, نعم, سيد رولاند . منذ أيام قام أبنك هنا بشراء خاتم ثمين للمرأة التى سيتزوجها . إنه مغرم بها للغاية و قد أصر على أن يكون الخاتم بلون عينيها الفيروزى .
ــ يا إلهى.
ها هو ذا التاريخ يعيد نفسه! و ما أشبه الولد بأبيه .....
منتديات ليلاس

ــ هـــالـــــى ؟
كانت هالى قد خرجت لتوها من فرع متجر "تاتى" فى باريس حيث كانت تعمل عندما سمعت صوتاً مألوفاً يناديها . عندما التفتت كان تاكسى يقف بجوارها و ينفتح باب المقعد الخلفى حيث جلست مونيك رولاند , الفتاة الفرنسية المرحة التى تعلقت بـ هالى طوال السنة المدرسية الماضية .
سألتها هالى :"ماذا تفعلين هنا؟"
ــ أنتظرك . إنه عيد ميلادك و سنحتفل به !
عيد ميلادها ؟ لقد نسيت كل شئ عنه . و فوق ذلك كانت هالى قد ودعت مونيك و أخاها بول نهائياً منذ يومين . كانت هالى واثقة من أن هذا مجرد عذر آخر لكى يجتمعوا , هم الثلاثة , قبل أن يذهب التوأمان إلى موطنهما فى منطقة دوردوينى فى فرنسا لقضاء فصل الصيف منتديات ليلاس
وجود مونيك غير المتوقع خارج مكان عمل هالى , يعنى أن المراهقين , يتيمى الأم , ما زالا لا يستطيعان أن يفارقاها لأنهما يشعران باللوعة لذلك.
و فى الحقيقة , كذلك كانت هى , إذ أنها , طوال مدة وجودها فى منتديات ليلاس باريس بصفة راهبة غير مكرسة تخدم فى برنامج الدومينيكان الدولى , عرفت و أحبت هذاين التوأمين المبكرى النضج كأخوين لها . و قضاء المزيد من الوقت معهما سيجعل فراقها لهما أصعب , لكنها مضطرة إلى ذلك . فهى ستدخل الدير فى سان دييغو فى كاليفورنيا بعد أسبوعين .
ــ كيف عرفت أن اليوم هو عيد ميلادى , بينما أنا لم أتذكره ؟
ــ عندما كنا نجتاز القنال لتمضى يوماً فى إنكلترا , أختلس بول نظرة إلى جواز سفرك . و الآن أصعدى إلى التاكسى لأننا نعرقل السير.
فقالت هالى دون أن تتحرك من مكانها :"المفترض أن تكونى الآن فى المدرسة حيث يقيمون , كما تعلمين , عشاء الوداع السنوى للمدرسة ."
ــ أنا أفضل أن اكون معك , لا تقلقى فقد حصلت على إذن تغيب حتى الساعة الثامنة , هيا بنا , فنحن نضيع الوقت.
و هنا تمتم السائق النافد الصبر بشتيمة إضطرت معها هالى إلى الصعود , رغماً عنها إلى المقعد الخلفى بجانب مونيك . و سرعان ما اندفع السائق بالسيارة كالسهم إلى خضم السير ....
ــ إلى أين نحن ذاهبون بالضبط؟ زهرة منسية
ابتسمت مونيك بمكر :"هذه هى المفأجاة "
ــ مفأجاة أخرى ؟
كانت هناك مفأجات كثيرة أثناء التسعة أشهر الماضية و لكن لم يحدث قط أن كان ذلك فى تاكسى. دوماً كان ذلك يحدث عادة فى أثناء سيرهما أو وجودهما فى قطار عادى أو قطار تحت الأرض .
ــ هل المكان بعيد ؟
فأجبت مونيكا بغموض :"أنتظرى و سترين !"
ــ أنظرى فى عينى و أقسمى أن الناظرة منحتك إذناً بالتأخير هذه الليلة .
القت مونيك برأسها إلى الخلف بإزدراء , فقالت هالى :"هذا ما ظننته , أنت لا تخرقين القوانين فقط بل أيضاً ستكلفك أجرة التاكسى أكثر مما تتحمله ميزانيتك . سأخرج من التاكسى عندمفترق الطرق التالى "
فصرخت مونيك :"كلا , لا يمكنك القيام بذلك و إلا أفسدت كل شئ"
نبرة معينة فى صوت مونيك أنبأتها بأن التوأمين قد خططا لهذا الأمر منذ فترة طويلة .
ــانت تعلمين أننى لن أفسد مفأجاتك , لكننى أكره أن أرى كلا منكما يتعرض للمشاكل فى آخر ليلة لكما فى المدرسة
ــ لق نجحت فى شهادتى النهائي ة بمستوى مرتفع جداً , هذا إلى أن الناظرة لن تجرؤ على أن تعرضنى لمشكلة مع بابا . منتديات ليلاس
ــ و ما الذى يمنعها ؟
ــ حتى الآن , قاوم أبى محاولاتها لإغرائه , لكنها لم تذعن بالفشل بعد.
وتر هذا التعليق الساخر الخارج من فم هذه الفتاة الرائعة أعصاب هالى , بينما إستطردت مونيك قائلة:"لا تـُبدى هذه الصدمة . كنت أخبرتك من قبل بأن كل النساء يرين أبى جذاباً لا يمكن مقاومته سواءً مع المال أم بدونه"
و بينما كانت هالى تستوعب ما سمعته عن الناظرة , لاحظت أنهما وصلا إلى المنطقة السادسة عشر المعروفة بأنها من أكثر مناطق السكن رقياً و أهمية فى باريس.
سار التاكسى فى شارع دى باسى بمتاجره الكثيرة , ثم أنعطف إلى شارع آخر ليتوقف أخيراً أمام منتديات ليلاس مبنى للشقق السكنية , و كان هذا مثالاً بديعاً للهندسة المعروفة بأسم (فان دى سييكل) حيث لا يتمكن من الإقامة هنا سوى فأحشى الثراء مثل والد مونيك.
نزلت الفتاتان من التاكسى و دخلتا بهو المبنى الأنيق حيث أستقلتا المصعد الذى صعد بهما إلى الطابق الثالث ليتخرجا منه إلى شقة فخمة ذات غرف مترفة . و كان أثاثها من روائع الطراز التراثى , و مع ذلك كان تنظيمها و تناسبها بالغى التأثير بالنفس.
توجهت مونيك إلى الباب المؤدى إلى الشرفة , ثم هتفت و هى تمنح هالى ابتسامة مرحة :"آهـ , إنه مشهد غابة بولونيا الذى تحبينه"
باريس فى الربيع , كان مشهد رائعاً. لكن هالى لم تستطيع التركيز عليه , فهى كثيراً ما تتحفظ على قضاء مزيد من الوقت مع التوأمين.
ــ هل يعلم أبوك بهذا ؟
ــ أوهـ , ....أنه , لمعلوماتك الخاصة , فى لندن فى عمل و لن يعود قبل عصر الغد . و قد منحنا أنا و بول الإذن لاستعمال الشقة فى المناسبات الخاصة . و عيد ميلادك الخامس و العشرين هو حدث هام.
رغم أن هالى لم تتعرف أبداً على فنسنت رولاند , إلا أنها كانت معجبة به سراً . لقد قام بدور ممتاز فى تربيتهما بغياب الأم , فهما لا يدخنان أو يتعطيان المخدرات أو يسرفان فى تناول الكحول . و الاثنان تلميذان غير عاديين , يتألقان بذكاء و سحراً . أنهما , فى رأى هالى , رائعان للغاية , و هو يستحق كل التكريم لأبوته الممتازة .منتديات ليلاس
أما ما لم تستطيع فهمه فهو السبب الذى جعله يرسلهما إلى مدرسة داخلية , و كيف استطاع لأن يتحمل فراقهما . أما بالنسبة إلى التوأمين فقد كانا شغوفين به. و كانت هالى تعلم أنهما يعيشان على زياراته لهما و أتصالاته التليفونية .
ــ أنا أكره أن أراكما تستغلان كرم أبيكما لأجلى....
نحن لا نفعل ذلك أبداً و لكنك , كما سبق و قلت لك , تقلقين لأجلنا أكثر من اللزوم , إننا سنمكث هنا ساعة واحدة فقط . لا تكونى مزعجة كسجدة مبتلة....؟ أهكذا يقال ؟
و ضربت الأرض بقدمها بفروغ صبر
ــ إذا كنت تريدين أن تظهرى عصرية , حاولى أن تقولى :"لا تكونى مسببة للألم بهذا الشكل"
و غرقت الفتاتان فى الضحك .
كانتا غير متناسبتين فى الحجم , فقد كانت هالى تزيد مونيك بعشرة سنتيمترات طولاً.
كان شعر الفتاة الفرنسية مقصوصاً على شكل خصلات بنية قصيرة تحيط بوجهها . أما شعر هالى الأشقر الذى يبلغ ذقنها طولاً فقد كان مصففاً بطراز يجعله يبدو مشعثاً . فهو لا يحتاج إلا إلى القليل من العناية . لكن هذا لم يكن الفرق الوحيد بينهما . تلبس هالى دوماً أرخص تنورة و بلوزة تجدها فى السلال التى تحتوى على الملابس الرخيصة فى متجر تاتى أما مونيك فترتدى آخر أفخر الملابس الإيطالية التصميم عندما تكون خارج المدرسة , و بهذا الشكل كانتا تخرجان معاً إلى تشارترز أو جبل سانت ميشيل لزيارة الكنيسة المشهورة .
ــ مرحباً بكما
منتديات ليلاس
قابلهما بوم توأم دومينيك على الشرفة و قبلهما على الوجنات . كان بجمال أخته مع قامة تبلغ الست أقدام , و كان التوأمان بالغى الأناقة . كان يلبس الآن قميصاً رياضياً و بنطلون جينز . بدا واضحاً أنه سيكون بعد ثمانى أو عشر سنوات , رجلاً جذاباً للغاية. و كان مع أخته يتصرفان هنا و كأنهما صاحبى الشقة . ربما كانت هالى تصرفت بحرص بالغ , لكنها تعلم أن التوأمين تعلما فى أرقى المدارس الخاصة و يلتزمان بقواعد صارمة , و لم تشأ أن تكون سبباً فى إنحرافهما عنها
ــ الحمد لله لوصولك بول . إن هالى تظن أنه ما كان ينبغى أن نكون هنا . إنها مستعدة للهرب من القفص.
قالت هذا لأخيها , فعلقت هالى على الفور :"وهذا تعبير آخر عليك أن تهجريه , إذا شئت أن تتحسن لغتك الإنجليزية . سأشترى لك كتاب حول مصطلحات اللغة . و لكن لسوء الحظ , عندما تحفظينها عن ظهر قلب كل تلك الاصطلاحات تكون قد أصبحت هى أيضاً قديمة الطراز "
فضحك بول :"أنت هنا الآن و لن ندعك تذهبين قبل أن نحتفل بعيد ميلادك . تعاليا معى "
تبعاه إلى غرفة الطعام غرفة الطعام حيث ملأ ثلاث كؤوس من العصير .
رفع رأسه :"عسى أن يكون عيد ملادك هذا هو الأسعد فى حياتك !"
و تقارعت الكؤوس.
لقد نظما هذه الحلفة الصغيرة على شرفها . و تأثرت و هى تدرك مبلغ ما تكلفاه من مشقة لذلك.
إنها ستترك لهما قبل مغادرة باريس رسالة أخيرة نودعهما فيها و تتمنى لهما حياة سعيدة . فلماذا لا تستمتع بهذه اللحظة غير المتوقعة من الصداقة الحميمة ما داموا معاً؟

حب خائف لريبكا ونترزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن