حـــكــــم الـــقــــدر

6K 147 0
                                    

ــ هل لديك مكان تذهبين إليه يا هالى ؟
ــ نعم أيتها الأم المقدسة . صديقتى فى سان دييغو ستستضيفى حتى أجد شقة . أرجو ان يكون ثمة وقت كافٍ أجد فيه وظيفة للتعليم فى المدارس الرسمية قبل الخريف.
ابتسمت الأم مارى كلير لـ هالى :"بعض النساء يؤدين القسم , ليجدن بعد فوات الآوان أن هناك شيئاً آخر يفضلن القيام به . و أنا مسرورة لأنك زهرة منسية لست واحدة منهن. و أظنك شجاعة و حكيمة لأنك واجهت الحقيقة عن نفسك فى الوقت المناسب قد لا تبقين بعد الآن راهبة مكرسة لكنك مثل الأخت كارلوتا , ستكونين دوماً قوة فعالة فى المجتمع أينما كنت . لا شك فى ذلك أبداً."
ــ أرجو ذلك.
ــ متى موعد سفرك؟
ــ فى الصباح .
ــ سنذكرك دوماً فى صلواتنا.
ــ شكراً لكل شئ , أيتها الأم المقدسة .
وقفت هالى لتغادر المكتب ,و عند الباب تقدمت منها المسؤولة عن الراهبات الجدد و بيدها رسالتان مستعجلتان :"وصلتا اهتان إلى الدير الآن و الاثنتان لك."
ــ شكراً.
حملتهما و خرجت فى نوهة على الأقدام على ضفاف السين. ربما غابى أرسلت لها نقوداً أو شيئاً ما , ما نوع هذا الكرم من صديقتها . كان من الصعب أنه تصدق أنها فى خلال 48 ساعة ستحمل أبن غابى بين ذراعيها لأول مرة.
حالما وجدت هالى مقعداً خشبياً خاياً جلست فى شمس الظهيرة الدافئة و نظرت إلى أول مغلف , و عندما رأت أن الرسالة صادرة من سانت جينز شهقت مدهوشة.
نظرة سريعة إلى الرسالة الثانية أبأتها بأنها من بولى و هى المدينة التى كانت ذهبت إليها مع فنسنت, هل هو المرسل؟ أخذ قلبها يخفق من الألم .
قررت أن تترك هذه الرسالة إلى النهاية ثم فتحتت الأولى و سحبت الأولى لتجدها مؤلفة من صفحةواحدة مكتوبة على الكميوتر من بول.
منتديات ليلاس
بكت من السعادة و هى تعلم أنه كان كاذباً بالنسبة إلى إلى رغبته فى الانتحار . و بعد ان أعتذر إلى حد بالغ عن كل شئ تعلقت عيناها بآخر فقرة
"أرجو ان تصلك هذه الرسالة قبل رحيلك إلى كاليفورنيا .
أظن رجائى فى عودتك إلى قصر رولاند هى أكثر ما أستحق .
إذا منحتنى فرصة أخرى أعدك بأن تكون الأمور أفضل هذه المرة .
تذكرى فقط أن لديك أخاً أصغر هنا سيحبك على الدوام."
فهمست "بـــول" و أغمضت عينيها بشدة....ها هو ذا واحد من أدعيتاه يـُستجاب.
و فتحت المغلف الثانى بيد مرتجفة , و سرعان ما خاب أملها و هى ترى أن الرسالة من مونيك مكتوبة بخط اليد.
ما كان أغباها و هى تظنها من فنسنت! و هذا يعنى لا أنها لا تريد رسالة من مونيك , فـ هالى تعبدها و لكن.....
"هالى.....
لا يعلم أحد أننى اكتب إليك. لقد قرأت الآن رسالة بول و عرفت كذبته الفظيعة التى أخبر بها كل إنسان . عليك أن تعودى ! أنا لا أقول أنه سيقتل نفسه إذا لم تعودى , نحن الاثنين اصبحنا واثقين من أنه لن يفعل .
لكننى أعرف بول أكثر من أى شخص آخر فى العالم . إنه سيبقى حزيناً طوال حياته لما قاله و فعله لك إذا أنت لم تمنحيه فرصة للتوبة . و قد أجريت حديثاً مع الأب أوليفييه عن كل شئ. أنه يقول إن من المهم جداً أن يساعد الشخص المتضرر بالإثم الشخص النادم على فعلته كلياً . و لا يمكن لـ بول أن يفعل هذا إذا لم تكونى موجودة . أتريدين أن تحملى ضميرك هذا العبء ؟ لا أظن"
وضعت هالى الرسالة على المقعد و أخذت تحدق فى الفضاء . إنها تتصور مونيك تعنفها و هى تضرب الأرض بقدمها . لقد ذهبت الفتاة إلى الأب أوليفييه . موق هذا قلب هالى و هى تشعر بالحب و التوسل وراء تصرف مونيك هذا.
شئ ما حدّث هالى بأنها إذا لم تعد و لو لعدة أيام ربما ستتضرر مونيك أكثر من بول بكثير . و هذا لن يكون عدلاً بالنسبة إلى فنسنت الذى عانى من الآلم ما يكفيه لأكثر من حياة واحدة .
بعد أن قررت ما ستفعل توجهت إلى الدير . إن عليها أن تتصل بـ غابى لتخبرها عن السبب الذى يجعلها تؤجل ذهابها إلى سان دييغو لفترة . و بعد ذلك ستلغى الحجز فى الطائرة و تقطع تذكرة قطار.
كانت الساعة العاشرة و نصف مساء عندما وصل القطار إلى محطة سانت جينز . و حاولى الحادية عشر أنزلها التاكسى عند كوخها خلف القصر . و كانت سيارتا التوأمين متوقفتيت فى الفناء , و لم تر أثراً لسيارة فنسنت.
لم يذكره أى من ولديه فى رسالته , و قد يعنى هذا لا شئ أو كل شئ و مع ذلك حقيقة تأخره فى الخارج مرة اخرى أقنعتها بأنه قابل امرأة .
و لماذا لا ؟ فهذا أمر طبيعى للغاية . خصوصاً الآن بعد أن عرف أن أبنه ليس انتحارياً و لم يكن كذلك قط. و إذا كانت ردة فعلها تجاه اعتراف بول لها أية قيمة فإن ارتياع فنسنت بالغ بدون شك.
دفعت هالى أجرة التاكسى و ترجلت منه مع حقيبتها .
ما دام بول وضع مفتاحها فى سيارته كان عليها أن تسير إلى الكوخ التالى و تطلب من برنارد المفتاح الاحتياطى . و سلمها هذا المفتاح دون أى سؤال عن غيابها , بل قال فقط أنه سيحضر لها مناشف نظيفة.
وجدت شقتها كما تركتها منذ ثلاث ليال بالضبط , لم يدخلها أحد . و إذا فعلوا, فمحتويات الثلاجة لم تمس بعد, و أدهشها أن تشعر بأنها فى بيتها الآن بينما لم تسكن هنا منتديات ليلاس أكثر من يوم أو يومين.
ربما العودة كانت سارة لأن شهيتها عادت إليها . و عادت إلى المطبخ لتصنع لنفسها طبقاً من العجة . كانت الفاكهة التى أشترتها هى و فنسنت تبدو جيدة .
عندما قضمت قطعة من إجاصة وجدتها بالغة الحلاوة . هاجمتها ذكريات لا تنسى لرحلة تسوق أمضياها معاً.
هذا هو الجزء الصعب ....أن تكون بقرب فنسنت مرة أخرى و يكون عليها أن تكبح مشاعرها نحوه . و لكن لأجل الولدين و منزيك بالذات عليها أن تفعل ذلك.
كانت أدخلت لتوها طعامها إلى غرفة الطعام عندما سمعت قرعاً على بابها . وضعت ما بيدها و أسرعت إلى الردهة ظناً منها أنه برنارد .
شهقت و هى ترى فنسنت يقف يقامته الفارعة مرتدياً قميصاً أسود و بنطلون رمادياً و بدا لها....بد وسيماً إلى حد لا يـُصدق حتى كاد يـُغمى عليها .
ــ هــــــالـــــــــــــى ....
بدل مذهولاً تماماًً لاكتشافه وجودها هنا . و يبدو أنها آخر شخص فى العالم كان يتوقع رؤيته مرة أخرى . و أدركت أنه لم يكن يعلم , أكد لها ذلك بدعكه رقبته.
ــ رأيت ضوءاً فجئت أفتش عن مصدره.
كانت هذه هلى الحقيقة . و لم يكن يعلم بأن كل الأجوبة متوقفة عليه هو .
توتر فمه الحازم الملئ بالرجولة حتى تحول إلى خط متوتر عنيد فأظلمت لذلك كل ملامحه :"لماذا عدت إذن؟"
رأت لهجة التعنيف فى صوته , فقالت :"أدخل , سأشرح لك كل شئ"
و ما ان دخل حتى جاء برنارد بالمناشف فأخذها منه و أغلق خلفه الباب بقدمه .
ألقى بالمناشف إلى أقرب مقعد ثم وضع يديه على وركيه . إنه يريد جواباً و هى لا تلومه خصوصاً بعد ك ما عانوه بسببها.
ــ دقيقة واحدة , سأريك شيئاً يوضح لك كل شئ.
و اندفعت إلى غرفتها حيث أحضرت إليه الرسالتين . فوجدته عند عودتها يذرع الغرفة .
تصورته فهداً أسود رائعاً يدور فى أنحاء قفصه باحثاً عن وسيلة للهرب .
وقف عندما رآها و نظر إليها , فناولته عنداً رسالة واحدة و هى تقول :"إقرأ رسالة بول أولاً"
أخذها منها وهو ينظر إليها بعينين ضيقتين :"اتعنين أن هناك أكثر من واحدة؟"
ــ نعم , رسالة أبنتك.
جمد مكانه غير مصدق :"هل كتبت مونيك إليك أيضاً؟"
انتظرت بقلق ريثما قرأ الرسالتين . لابد أنه وصل فى رسالة مونيك إلى الجزء المتعلق بـ هالى لأن رأسه أندفع فجأة إلى الخلف :"عندما قالت ابنتى إنها ستذهب إلى الكنيسة لتشرح للأب أوليفييه أنك دُعيت إلى باريس لحالة طارئسة لم يكن لدى فكرة أن لديها برنامج آخر تسير فيه"
وبدت خيبة الأمل فى عينيه :"لقد تجاوزت مونيك الحد , هالى . أنا آسف لأنها وصلت إلى هذا الحد فى إستغلال شعورك بالذنب .يبدو أننى لا أعرفها جيداً كما كنت أظن"
فقالت متوسلة :"أرجوك أن لا تستاء منها , فقد احتاجت إلى مساعدة فذهبت إلى شخص تثق به"
فقال بلهجة الإحباط :"كان عليها أن تأتى إلىّ"
ــ و كيف تفعل ذلك بينما تعلم أنك ستمنعها من أن تزعجنى؟
حدقا فى بعضهما البعض طويلاً دون ابتسام . لم يستطيع أن يجيبها لأنه علم أنها تقول الحقيقة.
ــ أريد أن أخبرك عن ابنتك يا فنسنت . إنها خبيرة بالطبيعة البشرية و أمضت سنوات تدرس نفسيتك . و لا يفوتها سوى القليل جداً .
رقت ملامحه و قال :" أخبرينى عن ذلك"
أرتاحت و هى ترى استياءه خف عن ذى قبل و قالت :"كان الأب أوليفييه على حق . عودتى إلى هنا للمكوث فترة ستثبت لـ بول أننى تلقيت رسالته و الأهم من ذلك أنى صفحت عنه"
فحدق إليها بظرة ثاقبة :"هذا لن ينجح إذا عرف برسالة مونيك"
ــ سأتلف هذا البهان إذن.
و أخذت الرسالتين من يده و سارت إلى المطبخ و تناولت علبة الثقاب من على الرف
ــ دعينى أحرقها بنفسى.
و أخذا ينظران إلى الورق يتلوى فى اللهب . هاتان الرسالتين الغاليتان اللتان حفرتا كلماتهما فى قلبها.
أزال آثار الورق المحترق و هم بأن يرحل . و إذ خافت أن يذهب قالن له متلعثمة :"هل أنت جائع ؟ كنت طهيت لنفسى طبق عجة , كما ترى و يمكننى أن أطهى لك مثله إذا شئت"
و حبست أنفاسها خائفة من النظر إليه . فأجاب :"سيكون هذا حسناً , هذا إذا سمحت لىّ بأن أصنعه بنفسى"
فقالت محاولة أن تبدو غير مبالية :"هذا جميل . سأحضر طبقى من غرفة الطعام و أعيد تسخينه"
عملا جنباً إلى جنب بانسجام . عشقت حماسته فى العمل . فقد كسر فى المقلاة نصف درزينة بيض.
ــ لابد أنك جائع .
حتى ولو أنه خرج ليتعشى مع امرأة فهو كمعظم الرجال لا يزال بشعر بالجوع . و قتلها التفكير فى أنه قادم لتوه من تناول عشاء حميم مع إحداهن
ــ أنا كذلك الآن.
منتديات ليلاس
ما كان يعنى ؟ أن عودتها قد أعادته إلى الحياة ؟ لو أنه يعلم فقط أن إنفرادها به بهذا الشكل يجعلها شاكرة أنها حية.
ــ عندما تحضرين عشاءات عمل بالعدد الذى أحضره تدركين أن الطعام هو آخر شئ تهتمين له . و إذا ما قرر بول و منزيك أن يصبحا شريكى ستأخلى لهما عن العشاءات المتوجه إلىّ , بكل سرور.
ملأها جوابه بهجة :"سيكون من الممتع رؤية الطريق الذى سيختارانه فى الحياة بعد تخرجهما من الكلية"
ــ فلنأمل بأن ما سيختاراته مهما كان سيجعلهما سعيدين
هل ما سمعته فى صوته هو ندم؟ و نظرت إليه بفضول :"لو كنت ستبدأ من جديد , من كنت تفضل أن تكون؟"
ــ مضى وقت تمنيت فيه أن أكوت طبيباً , رجلاً يكرس نفسه لعنل الخير و العناية بالآخرين.
القى عليها نظرة فاحصة :"هل كنت دوماً تعلمين أنك تريدين أن تكونى معلمة؟"
و كانا الآن يأخذان طعامهما إلى المائدة فأجابت :"إلى حد كبير . و على كل حال وجود الإجازات الصيفية غيرها من السفرات المجانية شجعتنى على العمل فى هذا المجال لكن قسم التعليم كان صعباً"
ــ أولادى يرون أنك لامعة الذكاء .
ــ التوائم أذكياء دوماً....كما نقول فى أميركا.
بدا الجد على وجهه:"لقد تحسنت لغتهما الإنكليزية مؤخراً بسبب وجودك قريبة منهما . و تأثيرك عليهما كان من أفضل الأشياء التى حدثت لهما . عندما أتذكر طريقة حديثى معك ذلك اليوم فى شقتى......."
و أمسك بيدها يعتصرها :"أصفحى عنى هالى"
فقالت بصوت مرتجف :"لقد ناقشنا هذا من قبل. لا شئ يتطلب الصفح"
تمنت لو يجذبها إلى أحضانه , لكنه بدلاً من ذلك ترك يدها و عاد إلى طعامه . و لم تعرف هالى ماذا تفعل
ــ الآن يجب أن تعود الأمور كما كانت . لن يقتنع بول حتى يعود كل شئ إلى طبيعته . لماذا لا تأتين إلى مكتبى فى التاسعة صباحاً و سأمنحك العمل؟
تملكتها الحماسة لفكرة وجودها بقربه أثناء النهار حتى كادت تـُسقط الشوكة من يدها.
ــ أظن ذلك سيكون للأفضل.
كل شئ يفعله يزيد من حبها له.
ــ عندما سأرى مونيك أثناء الإفطار سأطلب منها أن تخبر الأب أوليفييه بأنك ستعملين فى تللك الصفوف الإنكليزية
ــ هذا حسن . عندما تتحدث إليها هل لك أن تسألها رجاءاً إن كان بإمكانى أن أستعمل إحدى دراجتيها للتنقل؟
نظر إليها متفحصاً :"إذا احتجت إلى مواصلات يمكنك دوماً أن تستعملى سيارتى"
ــ هذا كرم بالغ, لكننى فى حاجة إلى التمرين . عندما كنت فى طور المراهقة حلمت برحلات المغامرة الكبرى , كنت أتصور نفسى أجول فى أنحاء فرنسا بالدراحة . و وجودى معكم فى هذا القصر المحاط بكروم العنب الرائعة يـُظهر كأن حلمى تحقق. و لا أريد أن أفقد منه ثانية واحدة.
و ارجف صوتها .
فى الصمت الذى تلا , بدا و كأن تغيراً طرأ عليه, فقد توتر فكه بشكل ملحوظ :"أتعنين أن رغبتك فى تعليم الفقراء فى العالم الثالث تناقض رغبتك فى العيش برفاهه"
كان غضبه مذهلاً ما جعلها تجفل حذرة . كانت قررت أن تخبره بأنها لم تعد راهبة غير مكرسة , و بالتالى و بالتالى لن تذهب إلى أميركا الجنوبية. وكانت تنتظر الوقت المناسب . و قد جاء الحديث بشكل طبيعى.
لم تكن هالى ساذجة فهى تدرك أنه يرأها جذابة و عين الرجل لا تكذب . و لكن , حتى لو أخرجنا بول من المعادلة ربما هذا الانجذاب يعود إلى انها تمثل له ثمرة محرمة.
ماذا لو ظن انها تخلت عن الحياة الدينية لأجله؟ عندما يعلم أنه بإمكانه أن يقطفها عن الشجرة و ينال كل ما يريد , ألا يفقد كل رغبة فيها؟
كان من المفروض أن يكون فى حياته امرأة أخرى لتصبح السيدة رولاند الثانية , لكن ذلك لم يحدث حتى الآن , و يبدو أنه راضٍ عن حياته كما هى الآن.
لو انه كان أرسل إليها رساله مع رسالتى ولديه ....أو لو انه حاول ان يتصل بها تليفونياً نيابة عن ولديه ....لو أنه أظهر أى دليل على رغبته فيها , لما تملكتها هذه الشكوك الآن.
كانت مشاعرها من العنف إلى حد خافت معه من إخباره بأنها لم تعد راهبة مكرسة , خافت أن ينتهى الأمر بها إلى أن تعترف له بحبها . و إذا لم يكن يبادلها مشاعرها هذه , سيكون فى ذلك دمارها .
اندفع واقفاً فجأة مبتعداً عن المائدة , نظرت إليه مجفلة فتملكها الذهول بينما كان يقول لاهثاً :"المعذرة هالى ليس لىّ الحق فى التحقيق فى مستقبلك يكفى أنك عدت لتساعدى التوأمين فى تكيفهم مع المجتمع"
نظرت إليه وهو يتخلل شعره بيده ثم يقول :"انتبهى! رسالة مونيك هى خطة يائسة لتبقيك فى حياتها. إنها شغوفة بك"
فقالت :"وانا أيضاً مجنونة بها"
ــ لم أكن أظن قط سأقول هذا , هو أننى آمل أن تلتقى مونيك هذا الصيف بشاب يكون من الأهمية لديها بحيث يخفف وجوده من ألم فراقك حين ترحلين .
و صرخ قلبها ! و هل ستشعر أنت أيضاً بالألم لرحيلى؟ أخبرنى يا فنسنت!
ــ سأخرج الآن فقد تأخر الوقت و انا واثق من أنك متعبة بعد رحلة القطار هذه.
و سرعان ما أصبح بخطواته الواسعة عند الباب الأمامى و من ثم خرج مغلقاً الباب خلفه .
تلهفت ,أكثر من أى شئ فى العالم إلى أن تناديه ليعود فيخبره بما فى قلبها....لكنها لم تجرؤ.
كانت تنتظر دليلاً.
و ربما سيأتى هذا بعد أيام قليلة .
ــ جدى هل أنت مسيقظ؟
و كانت الغرفة مظلمة :"لا.أدخل"
كان جد فنسنت مستلقياً فى سريره المزدوج يستمع إلى الراديوو كانت هذه عادته قبل النوم بينما بوريغار الكلب نائماً بجواره.
رفع الكلب رأسه و أصدر أنيناً خفيفاً تعبيراً عن ترحيبه , ثم أنزل رأسه ثانية.
أشعل العجوز المصباح بينما جذب فنسنت كرسياً إلى جانبه و تفحصته عينان سوداوان حكيمتان :"منذ 18 عاماً جئت إلى هذه الغرفة و أخبرتنى بأن أرليت تريد أن تـُجهض الجنين و انك تريد منى العون فى منعها و الليلة فى وجهك ما بنبئ بأنك تريد العون مرة أخرى . و لكن هذه المرة بشأن هالى لين , إذا لم أكن مخطئاً"
أومأ فنسنت :"لقد عادت الليلة إنما مؤقتاً"
بعد أن أخبر جده عن الرسالتين قال العجوز :"لسوء الحظ ليس هناك محام فى العالم يمتعها م أتصبح راهبة"
فصرخ فنسنت بألم :"أتظننى لا أعلم هذا؟"
أمسكت الأصابع البارزة العقد و التى أشتغلت بالكروم عشرات السنين بذراعه :"أهدأ لحظة . قلت ليس هناك محام , لكن بإمكان رجل تحبه أن يفعل ذلك!"
غطى فنسنت وجهه بيديه بينما تابع الجد يقول :"حب هالى لولديك أعادها إلى سانت جينز , فهل من المستحيل أن تعتقد أنها ربما تحبك أنت أيضاً؟"
ــ و لكن هل سيكون ذلك كافياً لإقناعها بالتخلى عن رسالتها الدينية لا أستطيع أن أحتمل رفضها لىّ إذا حدث.
ــ و ما هو الفرق بين جهنم تلك وجهنم التى تعيش فيها الآن؟ هل ستبقى هكذا مشلولاً بإنحراف و إثم إرليت فتخسر أعظم فرصة للسعادة يتمناها أى رجل؟
ــ ليس هذا فقط.
ــ أنت تتحدث عن بول
فأندفع فنسنت واقفاً :"لقد أصلحنا كل ما بيننا و لكن إذا كانت لديه أية فكرة....."
ــ أذهب إليه إذن و أخبره بما تشعر به .
ــ لا يمكننى الإقدام على هذه المغامرة,
نظر إليه الجد بحزن:"آسف لأننى لا أستطيع فعل شئ لأجلك"
ــ بل تستطيع....ابقى حياً لأجلى.
و ترك فنسنت جده و هبط إلى الردهة متجهاً إلى إحدى غرف الجلوس حيث يستضيف الزائرين الذين يأتون إلى القصر للبحث فى الأعمال و كانت إنفيج تحرص على أن يكون المكتب نليئاً بكل أنواع الضيافة.
آخر مرة أحتفل فيها فنسنت هى الليلة التى علم فيها أن إرليت لن تستطيع أن تسبب له و لولديه أى ضرر مرة أخرى فبلغ به الفرح أن اصبح لديه سبب للاحتفال .
أما الليلة فهو سيلجأ إلى ما يحو ألمه لعدة ساعات .
صعد إلى غرفته متلهفاً إلى أن ينسى
بعد عدة دقائق دخل بول إلى غرفته فجأة و كان ما زال فى ملابسه .
ــ ظننتك نائماً منذ وقت طويل.
ــ لم يكن الجد بحالة صحية حسنة بعد العشاء , فذهب إلى السرير مبكراً و هذا أقلقنى
لم يعلم فنسنت بهذا لأنه كان يتعشى خارجاً فى سان إميليون :"كنت معه لتوى فلم يقل كلمة بهذا الشأن"
كان بول يقف و يداه فى جيبه فقال:"أعلم هذا , تبين أن ما شعر به مجرد عصر هضم و قد أعطته إنفيج دواء قبل أن تأتى أنت إلى البيت . ومنذ فترة قصيرة قررت أن أطمئن عليه ثم أخرج الكلب فى نزهة و إذا بىّ أسمعكما تتحدثان"
التهب وجه فنسنت و عنقه
ــ لماذا لم تدخل و تخبرنا بوجودك؟
ــ لأننى أكتشفت شيئاً كنت اشتبهت به منذ اللحظة التى احضرت فيها هالى إلى المستشفى . من الواضح أنكما كنتما تكافحان اجذابكما إلى بعضكما البعض منذ البداية"
قال بول هذا و هو يهز رأسه متابعاً :"رأيت ذلك و شعرت به لكننى لم أشأ أن أصدقه لأننى أنا الذى عرفت هالى أولاً"
منتديات ليلاس
لم يكن فى العالم ما يكفى للتخفيف من الألم الذى تملك فنسنت:"بول....."
فقاطعه :"لا بأس , لأن هالى لم تعتبرنى قط أكثر من أخ. و قد تصرفت كأبله لأجلها , لكن كل ذلك أصبح من الماضى الآن. هذا ما أريد أن أخبرك به . فى الليلة التى جاء بها الفتيان لزيارتى فى القصر , أخبرنى لوك فيما بعد أنه رآكما أنت و هالى منجذبين نحو بعضكما البعض . و لم يكن هذا بالخبر الجديد بالنسبة إلىّ بابا....إذا قررت هى أن لا تدخل الدير , أتمنة أن يكون مصيركما معاً . لماذا تظننى كتبت لها تلك الرسالة؟ كنت أكيداً أنها ستأتى فى نفس الليلة إلى سانت جينز فى نفس الليلة لأنها لا تستطيع الابتعاد عنك"
ــ و أنا أيضاً واثقة من أن هذا هو السبب بابا .
فأجفل فنسنت و هو يرى أبنته قد دخلت الغرفة. و تساءل كم من الوقت أمضته فى التنصت عند الباب.
ــ لقد كتبت إلى هالى رسالة أنا أيضاً , و لكن ما كانت لتستلمها قبل هذا الصباح. كيف أعتبرتما أنها لن تنتظر يوماً آخر قبل أن تستقل القطار التالى؟ أنا فسى أرى الأمر محيراً و لو كنت الأم المقدسة لأخبرت هالى أنها ليست قادرة على تأدية القسم و لن تكون كذلك أبداً.
كان الأمر محيراً.......محيراً تماماًّ!و تساءل فنسنت عنا إذا كان المهدئ الذى تناوله هو المسؤول عن كل هذه الخيالات و الهلوسة التى جعلته يرى التوأ ميت و قد منحاه الإذن بتعق هالى.
ــ أنتما متلائمان تماماً يا أبى .
فقال بول:"و أنا موافق على هذا"
ــ هل الأمر كذلك إذن ؟
و وضع فنسنت ذراعيه حزل ولديه و سار معهما إلى الردهة :"أننى أحبكما و أقدر كل ما قلتماه لكن الواقع يبقى أن هالى ليست حرة , ومهما بدا لنا الأمر ربما هى لا تريد ذلك و هذا لأسباب لا نعلم عنها شيئاً"
سمرته مونيك بإحدى نظراتها الجرئية :"لكنك ستتحدث إليها و تعرف الأمر"
ــ فى الوقت المناسب .
فهزت رأسها :"عليك أن تحدد الوقت بنفسك"
ــ أستمع إلى دومنيك فهى تعرف ما تتحدث عنه"
نصحه بول بذلك و قد بدا هنا أنه الأب أكثر مما هو الأبن و هو يتابع :"فإذا أنت انتظرت ربما تستقل قطاراً آخر فتفقدها إلى الأبد"
بعد أن ذهب كل إلى سريره بقى فنسنت مستيقظاً . ذلك أن تحذير بول له وضع الخوف فى نفسه .

حب خائف لريبكا ونترزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن