1

392 6 0
                                    

سكن الصباح سكونًـا جميلًا يمتزج مع رائحة الفجر وزقزقة العصافير, الشمس الخافتة تدنو لترحب بالسحب, وتترنم بأحاديث الطيور, وفى تلك الأحيان, حيث الشقة المتواضعة فى أطراف الحي, انتهت "نور" من تناول فطورها, غسلت يديها, ثم توجهت إلى غرفتها ممسكة بمنشفتها التى تجفف بها يديها المبتلتين, وقع نظرها على ذلك المسجل كوقع السحب, خالجتها الكثير من الذكريات المميزة, ابتسمت واتسعت عيناها, وسارعت نحو تشغيله, وجلست جانبه مبتسمة

تمايل جسدها انسجامًا مع تلك الألحان, تراقصت بنصف جسدها العلوي كالأطفال مطلقة ضحكة عفوية قد احتلت جزءًا من شفتيها وعينيها, ثم توقفت فجأة, زمت شفتيها

فقد كادت تلك الفترة تأخذ منحْى جديد فى حياة "نور" - المحاضرة الشهيرة -, والتى لطخها الملل والضجر, ابتعدت عن ناظري المحاضرات والمقالات, وقررت أن تكتب شيئًا مختلفًا, شيئًا حيًّا في نفسها

أمسكت جهاز اللابتوب الخاص بها, وفتحت ملف وورد جديد لتحاول بدء كتابة شيء مختلف, يخص أشياء مفقودة داخلها ليس لها إجابة, على الرغم من كل ما حققته إلا أنها مازالت تسعى نحو جواب, ما معنى تلك القصة؟ ما السر وراء قصة تخبئها سرًا فى دواخلها, أخذت تداعب شعيراتها وتفكر مليًا, وأخذت تدق بأظافرها على ركبتيها المتقاطعتين فى حيرة, ثم أطلقت زفرة, أخذت تسمى الله, ثم بدأت فى الكتابة

" أنا "نور عبد الحميد"

لا شك فعليًا فى أنكم تعرفونني جيدًا, ولكن للاحتياط, أنا محاضرة شهيرة بمخاطبة القضايا النفسية الاجتماعية التى تتشبث بكم فى غالب خطواتكم, حرى بها الانتشار بسرعة وبجدية, بسبب قلة حيلتنا وخيباتنا الكثيرة المتكررة.

شكلى؟ أنا نحيلة جدًا, أمتلك شعرًا أسود اللون, طويل نسبيًا, ملابسي عملية جدًا, قد يحتل هذا الأمر شيئًا من السخرية فى الواقع, وكأننى أفترض عرضًا للزواج فى مكتب ما على سطورى تلك.

توقعتم أن أكتب شيئًا جديدًا مميزًا؟, أى أنكم أردتم أن أكتب عني؟, عن حياتى؟

 فى الحقيقة, هذه الحياة – حياتى – لم تبدأ إلا فى حين ما

هناك أنواع شتى من الحب, الحب العميق والصادق, والذى يشوبه شيء من حب الظهور والاهتمام على سبيل المثال

هناك نوع واحد منهم منذ إفشائه, لم أجد له إجابة فى ذهنى, منذ ثلاث سنوات, لم أجد شيئًا يثرى عقلي بما يقنعه, هذا الحب فى اللغة العربية يسمى الوجد, أي: الألم من فرط العطاء, من فرط الحب, الحب الذى يبلغ مداه العياء والتعب, هذا الحب الذى اختفى من قبل أن يظهر علانية, هذه بالأحرى قصة الوجد, أو

"وجد"..!"


ثمة شيء..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن