انها لمن سخرية الأقدار عندما نخطو خطوة للأمام يرمي بنا عشرات الخطوات للخلف ، عندما نسقط ونتكاسل عن النهوض وفي اللحظة التي نحسم فيها أمرنا تشدنا الجاذبية للإلتصاق بالأرض ، عندما تنمو لنا الأجنحة أملا في الطيران نصدم بواقع أن تلك الأجنحة منتوفة الريش ، ببساطة عندما يسخر منا القدر ويقف ضدنا كمن يقول "لقد فات الأوان ، لقد تأخرت يا صغيري ، انتظرتك طويلا ولقد فاق ذلك تحملي" ، نعم انه لمؤلم ذلك الشعور حقا مؤلم ، أليس غريبا؟! بعد فترة دام الصراع بينها وبين نفسها للاتجاه نحو الضوء يصبح المكان أكثر عتمة!!! بعد أن اتخذت قرارها بالنهوض صدمتها سيارة لتسقطها أرضا!! ، استعادت ذاكرتها لتجلس على فراش الموت!! ، هه إن القدر يسخر منها بل يسخر بشدة أيضا.
في الجهة الأخرى عاد سام إلى منزله بتهالك بعد ذلك اليوم الغريب ، يضع مفاتيح سيارته على أقرب منضدة ويجلس على أريكته يضع وجهه بين كفيه يستعيد أحداث يومه المرهق ، وجد من اشتاق إليها طويلا ولكن بشكل جديد ومثير للجدل ، وفجأة يعتدي عليها ثمل حقير لينقذها منه ، وينتهي بشجارها مع صديقتها ، بدأت الدموع تسلك طريقها بخفة على وجنتيه ، يؤلمه رؤيتها بهذا الشكل!! يؤلمه رؤيتها ضائعه قلبها متهالك من شدة الأحزان ، يؤلمه رؤية من أخرجته من عتمة حياته لتسقط هي في ظلام أعتم من ذلك ، لتخرج منه شهقات تعبر عن مدى ألم قلبه ، أخطأ من قال "إن الرجل لا يبكي" أليس هذا الرجل إنسانا!! أليست له مشاعر وآلام!! وأليس من حقه إخراج ما في قلبه!! من وضع ذلك القانون الذي يجعل من الرجل صخرة لا تحس ولا تشعر!! إن هذه من أكبر الحماقات التي أراها في واقعي!! إبكي واصرخ أخرج ما في قلبك ليس عيبا صدقني أنت ببساطة من أبناء آدم وحواء ، أنت لست بجماد قاسٍ، رمى سام بظهره على أريكته يريح ظهره من شدة إرهاقه ثم نهض وسلك طريقه إلى الحمام ليتوضأ ، نعم فلقد حان لقاؤه مع ربه ، لقد حان الوقت الذي سيشكي فيه همه لمستمع لا يكل ولا يمل ، ما أروعه ذلك الشعور!! ، خرج من الحمام وفرد سجادة الصلاة ليبحر في بحر الأمان والراحة ، وينتهي بشكوى همه الموجودة في قلبه ويدعو لها بالهداية ويختم صلاته ، وعندما كان في طريقه لغرفته أصدر هاتفه صوتا معلنا عن إتصال أحدهم ، شعر بالإنقباض في صدره لا يعلم لماذا!! إلا أنه أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليجده رقما غريبا تعجب من ثم رد على المتصل لتأتيه الصدمة:
"سام أنا كريستينا أتذكرني؟! صديقة مايا" أتاه صوت كريستينا الباكي والمرتجف ليجف ريقه ،حدسه يخبره بحدوث شئ خطير ، من ثم يتذكر عندما أعطاها رقم هاتفه عندما كانوا في ذلك المقهي في حالة إذا حدث شئ مفاجئ ، ليرد عليها بصوت لا يخفي قلقه وارتجافه.
"نعم كريستينا أتذكرك بالتأكيد ، أين مايا؟! ما الذي حدث لها؟! أهي بخير؟!"
"لقد قامت بحادث أثناء عبورها للطريق يا سام ، هي الآن في المشفي ، تحديدا غرفة العمليات ، حالتها خطيرة" أجابت كريستينا عن أسئلته ببكاء شديد يدل على مدى انهيارها ، لتسقط كلماتها كالصواعق المتتالية على سام الذي سقط فجأة علي الأريكة المجاورة له من هول الصدمة غير مستوعبا ، لتسقط الدموع بغزارة تحرق وجنتيه.
"سام!! رد على يا سام.. أنا خائفة حقا ..هي ليس لها أحد ...ليس لها سواي أنا وأنت ، هي بحاجتنا ... بحاجتنا الآن ياسام" أفاقته من صدمته بكلماتها المتقطعة من البكاء ، ليتدارك الموقف ويهم بمسح دموعه بقوة ليتماسك ويبدو قويا فهذا ليس بوقت البكاء ابدا.
"أسمعك كريستينا آسف ، أخبريني في أي مشفى انتم وسأسرع لكم فورا!!"
"في مشفى المدينة ، تلك القريبة من الحديقة التي جلسنا فيها اليوم"
"حسنا فهمت سآتي إليكم حالا ، اهدأي كريستينا تماسكي حتى أصل" قال سام محاولا تهدئة كريستينا خوفا من انهيارها في أية لحظة.
"حسنا أسرع أرجوك ، أنتظرك" قالتها كريستينا وقد هدأ بكائها قليلا مطيعة لكلمات سام من أجل صديقتها من ثم أغلقت المكالمة ، يضع سام الهاتف في جيبه ويتقدم سريعا نحو منضدته لالتقاط مفاتيح السيارة وهرع في اتجاهها ليفتح بابها بقوة جلس على مقعد السائق وانطلق بأقصى سرعة ممكنة.
وصل سام إلى المشفى بعد قرابى نصف ساعة بسبب بعد المشفى عن منزله ، ترجل من سيارته واتجه راكضا نحو موظفة الاستقبال ليقف أمامها يلتقط أنفاسه بصعوبه من الركض.
"يو..يوجد فت..فتاة تسمى..ما..يا ، هل..هلا أخبر..تيني ..أين..هي؟!" لم تفهم موظفة الاستقبال شيئا من سام بسبب تقطع كلماته التي تخرج وسط أنفاسه المتقطعة.
"اهدأ سيدي أرجوك إلتقط أنفاسك أولا ثم أخبرني من الذي تبحث عنه؟!" أومأ سام ليأخذ نفسا عميقا لينتظم تنفسه من ثم أعاد نظره لها.
"مايا تسمى مايا ، أين هي؟!" قال سام بسرعة وقلق.
"أعتذر سيدي لكن هناك الكثير من الفتيات اللاتي تسمين بمايا مريضات بالمشفي ، عليك تحديد اسم العائلة لنحدد من هي وأين توجد" زفر سام بتوتر ليمرر أصابعه بين خصلات شعره السوداء بعصبية فهو لا يعرف اسم عائلتها لا يعرف سوى أن اسمها مايا ، ليوجه نظره لها مرة أخرى.
"هي فتاة ذو شعر بني ليس بقصير ولا طويل ، قامت بحادث سير وصدمتها سيارة للتو ، توجد معها هنا فتاة شقراء ذات عيون زرقاء تسمى كريستينا هي صديقتها ، هل هذا كافي لمعرفتها؟!" قال سام بتوتر وعصبية بالغة يشير بيديه بقلق ، أومأت الموظفة بعد أن تعرفت على مايا.
"هي موجودة في الطابق الثاني تحديدا قسم الطوارئ ، مازالت في غرفة العمليات" أومأ لها سام شاكرا وركض متوجها إلى مايا وكريستينا.
اتجه سام إلى السلالم فالطابق الثاني لم يكن يستحق المصعد ، تسلق سام الدرجات سريعا وركض إلى نهاية الرواق حتى وجد كريستينا تجلس على أحد مقاعد الانتظار أمام غرفة العمليات تجهش بالبكاء اتجه لها سريعا.
"كريستينا" نادى سام ليعلم كريستينا بوجوده لتلتفت له سريعا وتنهض من مقعدها.
"سام إنها في الغرفة تصارع بين الحياة والموت" قالت كريستينا باكية ، تقدم سام نحوها ليربت على كتفها متصنعا ابتسامة ليطمئنها.
"لا تقلقي كريستينا ، مايا قوية ستكون بخير" نظرت إليه برجاء أن يكون كلامه صحيحا ثم أردف قائلا "ولكن أخبريني منذ متى وهي بالداخل؟! وما الذي حدث؟!"
"منذ ساعة تقريبا بعد أن عدت للمنزل وتناولت الغداء وجدت هاتفي يرن إلتقطه لأجد مايا المتصلة كنت سأترك الهاتف دون رد كوسيلة لعتابها ولكنني لم أقدر على ذلك خفت أن يكون قد حدث لها شئ وهي بحاجتي فردت على الهاتف لتأتيني الصدمة ويخبرني أحدهم بأنها قامت بحادث سير أثناء عبورها للطريق شاردة بينما كانت الإشارة خضراء وأخبرني بأنه وجد هاتفها مرميا بجانبها فأخذه واتصل على الرقم الموجود في المفضلات ليكون أنا وأخبرني أنهم في هذه المشفي هرعت سريعا إلى هنا لأجد وجهها البرئ ملطخ بالدماء وأدخلوها إلى غرفة العمليات" قالت كريستينا وهي تتذكر ما حدث والدموع تأبى عن التوقف ليجلسها سام على المقعد حتى تهدأ.
"اهدأي كريستينا اهدأي عليكِ أن تكوني قوية ، كل شئ سيكون بخير صدقيني"
"بسببي سام بسببي أنا هي الآن تصارع بين الحياة والموت ، لو لم أصرخ عليها وأغضب ، لو لم أتركها وحيدة لما شردت و تعرضت لذلك الحادث ، أنا الملامة لن أسامح نفسي أبدا إذا حدث لها شئ ، صدقني سأموت من بعدها" سقطت دمعة مباغتة من احدى عيني سام ، آلمه قلبه عليها ، حتى تعاقب نفسها على حال صديقتها تلوم نفسها ، حتى تشعر بالألم عقابا لها ، رغم أنها منذ ساعات قليلة تلقت إهانات ومعاتبات صديقتها على وقوفها إلى جانبها ، إلا أنها مازالت تحبها وتخاف عليها وتأبى فكرة تعرضها للخطر تأبى فكرة الابتعاد عنها ، مسح سام تلك الدمعة بسرعة عليه ان يتماسك ويكون قويا من أجل الفتاتين.
"أيتها الحمقاء لا تلومي نفسك ، هذا قدر مكتوب لها وليس لكِ دخل بأمر الله" أخذت كريستينا تبكي بحرقة وسام يربت على كتفها.
مرت ثلاث ساعات ومايا مازالت في غرفة العمليات ، غفت كريستينا بسبب إرهاقها من كثرة البكاء ، لم يرد سام أن ييقظها فلقد تعبت بحق وسعد لغفوتها لترتاح قليلا ، وتذكر أنه لم يتناول أي شئ منذ الصباح سوى كوب القهوة الذي شربه في المقهى مع كريستينا ، فنهض واتجه لمطعم قريب من المشفى اشترى وجبة لنفسه ولكريستينا وعاد مرة أخرى ، وعند عودته شاهد الطبيب وكريستينا تقف أمامه فركض نحوهما ليضع وجبات الطعام على المقاعد ويقف أمام الطبيب.
"ماذا حدث؟! أهي بخير؟!" سأل سام الطبيب وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة خوفا من إجابة الطبيب.
"لا تقلق هي بخير الآن استطعنا انقاذها وحالتها مستقرة لقد كتب لها عمرا جديدا صدقني" ابتسم كل من كريستينا وسام بسعادة غامرة ليكمل الطبيب.
"هي فقط تعاني من كسر في القدم اليسرى ويدها اليمنى و بعض الخدوش العميقة وقليل من الرضوض في ظهرها ، كنا خائفين من حدوث أضرار بنخاعها الشوكي ، لكن بفضل الله هو بخير تماما ، ستستيقظ خلال ساعات قليلة من الآن"
"أرجوك أيها الطبيب أيمكنني رؤيتها؟!" سألت كريستينا برجاء
"آسف عزيزتي فهي الآن في غرفة العناية المشددة فرغم أن حالتها مستقرة إلا أنها يجب ان تكون تحت رقابتنا حتى تستيقظ فلم يكن حادثا بسيطا أبدا ، لذا رجاء انتظرا بضعة ساعات أخرى" أجاب الطبيب بهدوء
"ولكن.." قاطع سام كريستينا "فقط بضعة ساعات كريستينا وسوف نراها لا تقلقي هي الآن بخير" أومأت كريستينا بطاعة ليعيد سام نظره إلى الطبيب "أشكرك من كل قلبي أيها الطبيب حقا أنا ممتن لك"
ابتسم الطبيب لسام "لا شكر على واجب يا بني حمدا لله على سلامتها"
ذهب الطبيب لتضحك كريستينا بسعادة.
"نجت سام نجت ، يا إلهي أشكرك" ابتسم سام سعادة من منظر كريستينا الطفولي تبدو كطفلة أعطتها والدتها الحلوى.
"نعم كريستينا لقد نجت ، حمدا لله يا ربي ، هيا الآن يا فتاة أحضرت طعاما علينا ان نكون أقوياء أمامها حتى تستمد القوة منا" قال سام محاولا اقناع كريستينا بتناول الطعام مستغلا ذكر مايا حتى تنصاع لطلبه وبالفعل تحقق ما أراده لتومئ برضا وجلسا لتناول الطعام.
"شكرا على الطعام سام"
"لا شكر على واجب كريستينا هذا لا شئ"
ابتسمت كريستينا على طيبة قلب سام وفجأة جاءت ببالها فكرة.
"يا فتى كف عن مناداتي كريستينا أنا أعتبرك كأخواي مارك وجوني أخوتي وأصدقائي ينادونني كريس وهذا يشملك أيضا" قهقه سام لانزعاجها من طول اسمها
"حسنا هذا أفضل ، كريستينا حقا طويل ستوفرين على الكثير من المشقات ، لحظة صحيح ع ذكر أخوتك هل طمأنتي أهلكِ عليك؟! فمنذ فترة طويلة وأنتي هنا حتى أن الوقت تأخر!!"
"نعم لا تقلق فأخواي يعرفان مدى تعلقي بمايا وتفهما الامر" قالت كريستينا مبتسمة.
"حسنا كريس" قال سام متعمدا ذكر إسمها الجديد لتبتسم كريستينا وبعد مرور ساعتين أتت الممرضة ، كانت كريس نائمة وسام بالمرحاض ، فتقدمت نحو كريس ببطئ لتوقظها.
"سيدتي سيدتي"
"ن..نعم" قالت كريس بصوت ناعس.
"لقد استيقظت المريضة ويمكنكم رؤيتها"Continue.....
أنت تقرأ
مثير للشفقة
General Fictionأنرتي طريقي وأرشدتني إلى حب حقيقي حتى خضع قلبي لك لهذا لن أتركك سأجذبك رغما عنك وسأعيدك للطريق.