.الوَرَقة الأولى.

101 12 2
                                    

تَركُضُ تِلكَ الفتاة في القرية الجميلة مبتسمةً وهي تهرب من أحَدِهم. كانت تناهز عمر السابعة.
تقفز من فوق حطام سيّارة قديمة جداً لدرجة أنّها مطمورةً بالأرض حتّى نصفها. ويلحق بها ذاك الرجل ويقفز أيضاً من فوق السيارة إلى أن استطاع الإمساكَ بها بين الأزقّة.
كانَت تَرتَدي قميصاً زيتياً بلا أكمام وقماشه ليس بالمستوى.
أما سروالها فكان بنياً.
تنظر له بعد أن أمسكها من قميصها من خلفها ورفعها ليقول: قُلتُ لكِ ألف مرّةٍ ألّا تقتربي من أرض الجنود يا لوتس.
فتضع سبابتها على شفاهها بنظرة خجلة لتقول له: هل تريد مغازلتي بين الأزقّة أيها المنحرف؟
يرميها أرضاً ليستدير ويقول لها: ألم أخبركِ أن تذهبي وتتعلّمي بالمدرسة؟
تمدّ لسانها له وهو مستدير للجهة الأخرى. لتقول: سأصبح جنديّةَ نوران وأدمّر ممالك النباتات جميعها.
فيستدير لها ويقول: أيّتها الـ-
إلا أنّه قد أغلق فمه لأنّها قد تسلّقت لأعلى المبنى المكون من الطابقين وهربت. يحكّ رأسه بعد أن تنهّد ليقول: أراهن أنّ لديكِ القوة الكافية لتكوني جُنديّةً رائعة.
فتعلو ملامحه العبوس ويقول مكملاً: لكن كيف لي أن أرميكِ لِلتَهلُكة بهذا الشكل؟
أمّا هي كانت قد نزلت من الجهة الأخرى للمبنى وراحت تركض بين الشوارع وهي تبتسم لتقول بنفسها: سأفعلها، وسأخرج من كومة القمامة هذه.
الأرض المتبقّية للبشر لا تصل لمساحة مدينة.
وتُدعَى هذه الأرض.
بالقارّة الطِفلة العجوز.
نسبةً لما حدث من صراعات بالقرن الماضي وتحول أرض البشر من قارات شاسعة، لبقعة الأرض هذه.
أمّا النباتات، فَتُلَقِّبُها بأرض العبيد، لأنّها عندما تمسك ببشري، فتحوّله كحيوان لتولّي مهمات متعددة.
يَصِلُ ذاك الشاب الذي كان يلحق بلوتس لمبنى كبير، ليدخله بعد أن تنهّد، ثم يقول: لا أدري لماذا أنا هنا أساسًا. ويدخل.
أمّا لافتة المبنى العملاقة كان مكتوبٌ عليها: كُلّيّة تجنيد النوران.
وعند لوتِس فقد كانت قد صارت بجانب بحيرةٍ صغيرة لتجثو ضامةً ركبتيها على صدرها وتجلس وهي تنظر لأزهار اللوتس الطائفة على الماء، لتقول باكتئاب نوعاً ما: لقد أتيت.
فَشِلَت خططي مرةً أخرى، سأحارب حتى أنضم للنوران.
فتنظر للسماء بتفكير ثم تقول: إذا ما انضممتُ الآن للنوران سأكون أصغر عضوٍ فيها.
ثمّ تحك ذراعها اليمنى، فقد كانت ملفوفةً بضماد طبي مائل للون البني لقدمه، فتقول منزعجةً: لقد بدأت تزعجني ذراعي هذه الأيام كثيراً.
مرّ الوقت وهي تكلم أزهار اللوتِس إلى أن ظهر خلفها ذاك الرجل الذي كان يلحق بها ليقول: لوتِس.
وهو يبتسم لها ابتسامةً لطيفة.
فتستدير له وتقول: العم جان، كيف عثرت علي؟
يقول لها: إنه مكانك المفضل. المهم، أريد أن أن أسألكِ سؤالاً، إذا ما أصبحتِ جندية نوران حقاً، ماذا ستفعلين.
كانت لوتِس قد صُدِمَت من جملته لأنّه لم يتكلم معها عن الأمر أبداً من قبل. لتقول بسرعة وبحماس: سأصبح قويّة جداً، سأهزم جميع ممالك النباتات، ثمّ سأصبح زعيمة البشر وأحررهم.
يقترب منها ليقول وقد مدّ يده لها: لا أدري ما الذي دفعني لذلك، لكن هيا بنا.
تنظر له باستغراب دون فهم.
وعند ظهر اليوم داخل إحدى صفوف كلية تجنيد النّوران قال المدرس: على غير العادة هناكَ مستجد جديد قد تقدم للتسجيل بالكلية بنهاية العام.
ينظر الطلاب لبعضهم ويتمتمون حتى قال المدرّس: ادخلي يا لوتِس.
وهنا دخلت لوتس وهي تبتسم ابتسامةً عريضة جداً وخلفها جان فيكمل المدرس: عرّفي عن نفسكِ.
فترفع يديها بابتسامة وتقول: اسمي هو لوتس وسأكون منقذة البشرية.
إلا أنّ باقي الطلاب لم يضحكوا بتاتاً وتعالت على أعينهم نظرات السخط والإنزعاج.
-إنّها لوتِس.
-الملعونة إذاً.
-ظننتُ أحداً أفضل.
إنني أسمع هذا الكلام دائماً، لكنّني لم ولن أهتم له أبداً.
وهنا تدخل متخذةً مقعداً داخل الصف.
ويمضي الوقت بسرعة، وكطيلة الوقت كانت لوتس بقمة الحماس.
حتّى حان موعد انتهاء الوقت، بدأ الطلاب بالخروج إلا أنّ المدرس صاحَ للوتس طالباً منها البقاء قليلاً.
كانَ المدرس أسمر اللون ويملك شعراً بني، ويبدو عليه بالأربعين من العمر.
ثم يقول لها: أريد أن أقابلك في الخارج حتّى أسلمك معلومات عن المدرسة وندردش قليلاً عن الأمر.
فتبتسم له وتقول: حسناً أين؟
المدرس مبتسمًا ابتسامةً لطيفة: تستطيعين انتقاء المكان.
لوتس بابتسامة: إذاً بحيرة اللوتس.
عند غروب الشمس كانت لوتس تجلس نفس جلستها وتخاطِبُ زهراتها.
حتّى جلس بجانبها المدرس قائلاً: أتعرفين يا لوتِس؟
لا تلومين الطلاب لكلامهم الغريب ذاك، فهم يعرفون مالا تعرفينه أنتِ.
تنظر له باستغراب فيكمل: أتعلمين ماذا يوجَدُ أسفل ضماد يدكِ اليمنى؟
لوتِس: قيلَ لي أنّه لا يجب علي أن أزيل الضماد أبداً، لكنني لم أتساءل لماذا.
يبتسم المدرس بطريقة مفزعة ثم يكمل: بداخلكِ خلايا لنباتات حيّة.
تُصدَم لوتِس من كلام المدرس وتقف متراجعةً.
المدرس وقد فتح يداه مبتسماً ليقول: اقتربي، سأزيلها عنكِ.
من الجهة الأخرى يفتح جان باب الصف الذي كانت به لوتس وهو يقول: لقد تأخرتُ عليكِ يا لوتِس.
إلا أنّها غير موجودة.
يدخل وهو ينظر هنا وهناك ليقول: هناك خطب ما، لقد اتفقنا على أن أصطحبها للمنزل بعد أن تنتهي، وهي لا تخلف وعودها أبداً.
إنه لأمر غريب حقاً.
ثم يخرج مسرعاً.
يرمي المدرس لوتِس أرضاً ويضع قدمه على عنقها قائلاً: أنتِ فتاة عنيدة حقاً.
وإذ يتقدم رجلان آخران ليقول أحدهما: يبدو أنَّكَ قد استطعتَ الإمساكَ بها بسرعة.
يرفع الآخر سكّين كبيرة ويمسك بذراع لوتس ثمّ يدوي بسكينه على يدها، إلا أنّ وصول جان بآخر لحظة راكلاً كلاً من صاحب السكين والمدرّس بركبتيه قاذفاً إيّاهما قد أنقذ الموقف.
يقف وعلى ملامحه الغضب العارم ليقول: ماذا أفهم من موقفك هذا يا سيران؟
كان الكلام موجهاً للأستاذ الذي اتّضح أنّ اسمه سيران ليقول: لا تعترض طريقي يا جان، أنتَ تَعلم أنّ بداخلها خلايا لنباتات حيّة.
فيصيح جان غاضباً: اخرس.
لكن سيران يكمل: وليس أيّ خلايا، أنّها خلايا لوحش النباتات الحيّة.
تُصدَم لوتِس: وماهذا بالضبط؟
تحاول نزع الضماد إلا أنّ جان يمسكها ليقول: أرجوكِ لا تفعلي، لقد فهمتِ الأمر، دعيني أوضّح لكِ بعدما ننتهي من هذه المشكلة.
لوتِس بصدمة: حتّى أنتَ كنتَ تعرف؟
وإذ بسيران يركض نحو جان ليبدأ الإشتباك باليدين بسرعة، أما الرجلين الأخرين فقد توجّها نحو لوتس التي صاح جان باسمها قائلاً: اهربي يا لوتِس، اهربي.
لكن الرجلين كانا قد حاصراها ليقول أحدهما: لن تهربي لأيّ مكان يا صغيرتي.
فيتلقّى جان لكمةً على بطنه تجعله يسقط أرضاً ثم يقول سيران: اصمت وشاهد فقط.
سعل جان بسبب ضربة سيران ليقول بين شهقاته: أهي مصادفة في موعد دخولها للكلية أم ماذا؟
سيران بضحكة: عمّاذا تتكلم؟
إنني أبحث عن هذا الوقت منذ زمن طويل، أريد تخليص العالم من تلك اللعنة الحمقاء.
انتاب لوتس الخوف إلا أنّها لا تدري ماذا تفعل، فأمسكت بالسكّين التي بجانبها ثم وضعتها على يدها قائلةً: كل ما تريدونه ذراعي الحمقاء هذه أليس كذلك؟
خذوها، خذوها وتوقّفوا عن هذا.
حلّ الليل وتكاد لوتس أن تصوّب بضربة باترة نحو يدها لكن صياح جان لها قد أوقفها.
جان: ستموتين إن قطعتها، ليس أنتِ وحسب، ستثور تلك الخلايا قاتلةً جنسنا البشري بأكمله.
سيران بابتسامة خبيثة: إذاً قررتَ إخبارها أخيراً عن خطر تواجدها.
نحن ثلاثة من الرجال القادرين على الختم، ويجب أن نخرج ذاك الوحش الذي بداخلها أولاً حتى نختمه.
جان: أأنت من تنظيم الحركة الظلامية؟
ترفع لوتس السكين وترميها بالماء ثمّ تقف مباغتةً أحدهم لتركض لخلف جان الذي وضع يده على رأسها مبتسماً ليقول: انظري يا لوتِس.
هذا القتال مهم جداً لأجلك، لأنك ستكونين جندية نوران، وستنقذيننا أيضاً.
يطقطق رقبته ثمّ يقول: طاقَةُ النوران.
وإذ ببذلة فضيّة اللون تتلبّسه فضفاضة قليلا من الأسفل وضيقة من الأعلى.
سيران بصدمة: هل ستستخدم طاقة النوران هنا؟
هل جننت؟
وإذ يتلقّى ضربةً مباشرة من كوع جان.
لوتس: لقد زادتا سرعته وقوته بشكل كبير.
يقف جان وحوله الثلاثة منزعجين.
وإذ بلحظة من الثانية يصيحون: خَتم.
وكانوا واضعين كفيهم على بعضها البعض، وهنا يتصلّب جان غير قادر على الحركة.
يقترب سيران ويمسك ذقن جان قائلًا: لقد أرخيت دفاعك.
سنتخلّص منكَ والتالي هي تِلك اللعنة.
تتحرّك شفاه جان بـ: أ أ أ
سيران مقترباً: همم، لا أسمعك.
جان: أنـ، أنتِ لها يا لوتس.
فينظر سيران منزعجاً نحو لوتس فيرى قميصها المهترئ متوجهاً نحوه ليعيقه عن النظر لثوان أمّا هي فكانت قد توجّهت نحو آخر قافزةً لتركله على مكان البصلة السيسائيّة.
لوتس بنفسها: ما بال قفزتي هذه؟ أسفل الرأس، سيصاب بإغماء فوري، وهكذا لن يبقى الختم أبداً قيد التفعيل.
ما إن أزاح سيران القميص تلقّى لكمةً من جان على وجهه قذفته نحو شجرة مصطدماً بها ليفقد وعيه ثمّ يستدير نحو الأخير فيهرب.
عمّ السكون وصار المكان عاتماً تقريباً بالكامل.
ينظر للوتس فيراها داخل الماء بلا حراك ليقول لها: ماذا تفعلين داخل الماء؟
فتصيح بوجهه منزعجةً: أعطني قميصي أيّها المنحرف.
فيضحك ويرميه إليها ليقول لها بعد أن لبسته وخرجت: أنتِ فتاة، فكري قبل أن تتصرفي.
لوتس: اسكت، بالطبع لن أفكر وأنت بذاك الحال.
جان: عندما تكبرين سيكبر صدركِ أيضاً، وفي ذاك الوقت لن تستطيع فعل شيئ كهذا.
اكمل كلامه وتلقّى ركلةً على وجهه جعلته يسقط أرضاً.
تستدير للجهة الأخرى ثمّ تقول له: أنا آسفة.

شكلها تقريبي

شكلها تقريبي

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
Age OF Fallingحيث تعيش القصص. اكتشف الآن