.الوَرَقَة الثانية.

49 9 17
                                    

مرّ شهر كامل مذ أن بدأت لوتِس مشوارها بكليّة تجنيد النوران. تدريباتها باتت جادّة ولا تُعطي نفسها أيّ وقت للراحة.
تمرينات حتّى الذكور يتكاسلون عن فعلها.
فهمت لوتس سبب إخفاء خبر وجود وحش نباتي داخلها بعد أن حدّثها جان عن الأمر بعد تلك المعضلة التي حصلت.
عَرَفَت لوتِس أنّ بوجود ذاك الوحش داخِلها قد حمت جميع البشر بهذه الطريقة. أمّا حياتها فلم تتغيّر قط.
إلى أن فتح جان غرفة لوتس الصغيرة لتفزع من مكانها لأنّها كانت نائمة ليقول منزعجاً منها: ماذا تفعلين يالوتِس؟
درسكِ يوم الخميس في الساعة السابعة.
وقد صارت العاشرة.
وإذ به يتلقّى وسادة على وجهه وهي تصيح به: أيها المجنون كيف تفتح غرفة فتاة بهذا الشكل.
يتنهّد ليقول ببرود: معذرةً، سأغلق.
ثم يغلق الباب ليتركها فتضع الغطاء على رأسها لإكمال نومها، لكن جان قد فتح الباب بقوة مرةً أخرى ليصيح: وكأنكِ ستستطيعين خداعي، هيا قومي.
كان يوم جميل وجيد للتنزّه، تدخل لوتس معتذرةً من أستاذها. إنّ المدرّس سيران الذي كاد أن يقتل لوتِس قد تم رميه بالسجن بالفعل لأعماله تلك.
أمّا أستاذها الآن فهو شخص لطيف حقاً.
يمشي جان بالسوق ناوياً شراء القليل إلا أنّ شاباً آخر قد وضع يده حول رقبة جان قائلاً: اووه أهذا أنتَ ياجان؟
لقد كبِرتَ حقّاً، أنا أرى الشيب في شعرك.
يتنهد جان ليقول: ابتعد عني يا كوبا.
كان كوبا شاباً يبدو بالثلاثين من عمره ويملك جسداً جميلاً وشعر أسود مقلوباً للوراء، أمّا شكل وجهه فكان يُشعِر بالراحة.
ليقول لجان: تَبدو مُتعَبَاً.
جان: إنّها لوتِس، فتاة مجنونة.
فتبدو ملامح متعجبة من كوبا قائلاً: بذكركَ للأمر، لقد رأيتها عند بحيرة اللوتس عند الساعة الرابعة بعد منتصف الليل.
فيُصدَم جان قائلاً: لهذا السبب لم تستيقظ هذا الصباح مبكّراً.
ليكمل قائلاً: ومالذي كانَت تَفعله تلك الشقية بمثل ذاك الوقت المتأخر؟
كوبا: كانت تتدرّب على تمارين لتقوية جسدها كالضغط.
تَرفَعُ لوتِس يدها.
الأستاذ: تَفَضّلي يا لوتِس.
لوتِس:أولاً الجنود العاديّين يكونون زهر النبات اللاحم، وهي برتبة حيوان آكل للحوم، كما الذئاب.
ثانياً الجنود المشاة، وهم زهر دوار الشمس، قادرين على قذف برصاص يملك وحوشاً داخله، وذاك الرصاص هو بذر دوار الشمس. تتنهد لوتِس آخذةً نفساً آخر لتكمل: أمّا الوحوش داخل رصاص دور الشمس فهو يلتصق بنا وينبت زهرة دوار الشمس على أجسادِنا لتستنزف طاقتنا بالكامل حتّى نموت.
ولذلك صنعت كلية النّوران دروعها الخاصة الفضّيّة، فهي مضادّة بالكامل لتلك البذور التي تسلب الأرواح.
كان باقي الطلاب ينظرون لها بصدمة ممّا قالته ليصفّق لها الأستاذ قائلاً: أحسنتِ يالوتِس.
تبتسم لتقول: لقد عرفت باقي رتب النباتات أيضاً، حتّى زهرة التاكا الملكيّة.
المدرّس: أحسنتِ صنيعاً.
رنّ جرس النهاية ليقول الأستاذ: غداً سنبدأ بالتكلّم عن ماهية الإختبارات النهائيّة التي ستؤهلكم لدخول الكلية العليا لجنود النوران وتملكون تلك الدروع الخاصة التي تكلمت عنها لوتِس منذ قليل.
والآن، انصراف.
تحمل لوتِس أغراضها وتركض خارجةً.
ليقول طالباً لآخر: إنّ تلك الملعونة مجنونة.
فيردّ عليه: إنّها جيدة، لماذا تتكلم عنها بهذا الشكل؟
فيرد عليه الأول: أياً كان.
أمّا لوتِس فكانَت وِجهتها هي بحيرة اللوتِس.
تخبر الزهرات عمّا فعلته.
مرّ الوقت إلى أن بدأت الشمس بالغروب لتقول للزهرات بابتسامة: والآن سأذهب، مع السلامة.
لوّحت قليلاً بيدها لهن وراحت تركض عائدةً للمنزل.
يفتح جان غرفة لوتِس لكنه لا يراها، فيتنهد ليقول: سأتعذب كثيراً مع هذه الفتاة
أمّا لوتِس فقد وقفت أمام طفلٍ ذو شعرٍ فضي وأمامه خمسة أطفال خائفين منه.
كان يملُك عينين هادئتين حقاً وسوداوتين ويرتدي وشاحاً أزرق اللون، رغم أن الجو لا يحتاج.
تقف لوتِس أمامه معترضةً طريقه لبلوغ الأطفال المفجوعين الملقين على الأرض.
لكنّه يمشي من جانبها وكأنّها ليست موجودة لتضع يدها على صدره موقفةً إيّاه، إلا أنّه أمسك يدها اليمنى ليلويها ويضعها خلف ظهرها كي لا تتحرّك.
فتتأوّه لوتس متألّمةً ليقول لها بنبرة باردة: جرّبي الألم قليلاً.
ستبكين وتطلبين الرحمة.
هذه هي طبيعة البشر.
لوتس بتردد وانزعاج: لماذا يتكلم وكأنّه شخص بالغ، إنّه غريب الأطوار.
أما من زقاق بين مبنيين كان كوبا ينظر لهما ليقول لنفسه بغباء: هل يجب عليّ إيقاف هذا؟
الطفل: مابكِ؟
لماذا لا تطلبين الرحمة؟
لوتِس بانزعاج: شخصٌ ينوي تحرير البشريّة لن يهتم لمجرد كسر.
وإذ بها تدفع بجسدها بغية كسرِ يدها، حتّى سُمِعَ صوت كسر العظام، مستديرةً نحوه لتضرب وجهه بمرفقها راميةً إيّاه أرضاً.
ثمّ تصيح بوجهه: ليس وكأنني سأهاب ألم كسر ذراعي.
كان ذاك الطفل ينظر لها متعجّباً لما فعلته لوتِس ليقف من جديد فتقترب منه لوتس لكنّه بدأ مباشرةً بالتشابك معها بسرعة غير متوقّعة من طفل، كانت لوتس غير قادرة على استخدام ذراعها التي كسرت، لذلك كانت بالكاد تصدّ لكماته وضرباته السريعة تلك.
إلى أن أسقَطها أرضاً، يقترب..
وهنا وضع كوبا يده على كتف الطفل الذي رما بيده كف كوبا بضربة سريعة ليصفّر كوبا مبدياً إعجابه ثم يقول بابتسامة: أيمكن إنهاء هذا الشجار؟
وإذ بالطفل صاحب الشعر الفضي يستدير ويقول: لا يهم.
ثمّ يمشي مبتعداً.
ينظر كوبا للوتِس قائلاً: هل أنتِ بخير؟
تردّ عليه وهي تنظر لذراعها: لا أظن ذلك.
تبدأ بالإرتجاف وتدمع أعينها لتقول: هذا يؤلم.
وإذ بكوبا يحمل لوتِس بين يديه قائلاً لها: لا تدّعي القوّة الآن، لا بأس بالبكاء.
وإذ بها تستند على صدره وتبكي وهي تقول: هذا مؤلم، إنّه حقّاً مؤلم.
كوبا وهو ينظر للأمام: لكنكِ فعلتِ شيئاً لم يستطِع أحد من بين الجميع فعله.
لتنظر له باستغراب ليكمل كلامه: ذاك الطفل الغريب يدعى كاسكي، فقد عائلته بسبب مشكلةٍ حدثت.
ومن وقتِها كان قد أصبح على هذه الحال.
لكنكِ وبعدَ أن ضربته، جعلته يبدي مشاعر غير مشاعر الموت تلك. هذا يعني أنّه تأثّر بكِ، من يعلم.
وهكذا انتهى اليوم بعد أن أخذ كوبا لوتِس للمشفى ليتم تجبير ذراعها حتّى كتفها ثمّ أخذها كوبا مجدداً للمنزل واضعاً إيّاها بسريرها، وكان جان غير موجود.

Age OF Fallingحيث تعيش القصص. اكتشف الآن