شعرتُ بِساقي تُلمس مجددّا، شخصٌ ما يُدغدِغُ أطرافيّ فتحتُ بتلاتيّ بينما صعقتني الشّمسُ بِشّعاعها القوي كما لو أنها موجةُ بحرٍ، نظرتُ حولي و رأيتُ جذوري تعانِق الأرض رغم أنيّ لمحتُ بعضَ الترابِ كما لو كان ينثّر نفسهُ بعيدًا عني، ينثّر نفسهُ كبغشةِ مطرٍ.
رأيتُ مجموعةَ ناسٍ ينظرونَ نحويّ بِجزعٍ التهمَ أرواحهم.. لا، نهشّها !، راحتْ الرياحُ تُداعِبُ العشّب و الأزهارُ الغريبة التي بقربي بينما ولتْ عني حالما شّمتْ راحتي، رغم أني أعلم دائِمًا أن عبقيّ هو الأفضل.. حركتُ رأسي بِانعاشٍ؛ فرأيتهم ينتفضونَ فزعينَ، حملقتُ في الزهرةِ التي بجانبي والتي تَجمهرتْ ثلّة زهورٍ خلفها كما لو كان جيشًا غريبًا مِن الزهورِ ذات الرائحةِ الزكيةِ.
كان شكلُ الزهور التي أمامي غريبةً، فكانتْ زهرتينٍ مُختلفتي الشّكل تمامًا يتشّاركانِ الساق ذاتهُ، أحدهم ملونٌ كالربيعِ، الآخر يمتلكُ لونَ الخريفِ.
صوتٌ كغيثٍ ظهرَ في تفكيريّ فجأةً قائِلًا:
- " باندورا ..!"خطفتُ نظرةً حولي بحثًا عن أيّ حيّ يحدثني، ولكن كانتْ الزهور كلها نائِمة، عادَ نفسُ الصوتِ الذي عانقَ الخشونة حِبالهُ الصوتية مشكلًا تِلك الكلمة مجددّا: ' باندورا..!' .
لمّ أعلم عن أيّ باندورا يتحدثُ؟ أهيّ زهرةٌ مِثليّ؟ أم هي أنسانٌ، شيءٌ أو لفظٌ يستخدم لِوصفِ معينٍ؟.
- ' أنت.. أنت باندورا. "
أنا من؟ .. لمّ أستطع نفيّ كلامِ المتحدثِ؛ لأني لا أعلم ما أنا، كلّ ندى الذكرياتِ المُتساقِطِ على أرض عقلي هو أنيّ زهرةٌ مميزةٌ ذا عِبقٍ نظيفٍ وسلالةٍ نقيّة.أختفى ذلكَ الصوتُ كما لو كانَ شمعة غسقٍ نُفِختْ؛ فَأنطفئت، ركزتُ في الأرضِ التي فرشتُ فيها جذوري كما لو أنني في رحلةٍ دائِمةٍ .. أنها أرضُ الآغريقيين!، نظرتُ نحو التُرابِ الذي التحفَ معي، شعرتُ بجسدٍ ما متمددٌ تحتْ تِلك التربة، لكن وللأسفِ لم أستطع تحديدَ هويتهُ غير أنه مدفونٌ ثلاثَ أمتارٍ تحتَ جذوري.
ولسببٍ ما رُغم أن المسافة بيننا كبيرةٌ كالمشّرق و المغرب، أمسّى الهدوءُ في أعماقي حتى رأيتُ بشّريًا كهلا ينظرُ نحو قلبي مُباشرةً بينما يتناقلُ أكناف الحديثِ مع أقرانهُ الذي يحتشّدون حول هذهِ الأرض و دموعُ النسرينِ الصفراءِ تتساقطُ مِن أفئدتهم مؤشِرةً لأنخفاضِ الحبّ.
سمعتُ حفيفًا خفيفًا بِجانبي كانتْ تِلك الزهرة الغريبة قد صبّحت على جلبةِ البشّرِ وغرابةِ شكلي بِالنسبة لهم.
- " من أنتِ.. أقصد من أنتم.؟ " قلتُ بينما راح الهواءُ يُداعِبُ أطراف تِلك الزهرتين بالغتا الجمال!، لم يستغرقوا ألا ثوانٍ حتى أجابوا كِلاهما بِنفسِ الكلامِ و التوقيتِ: " نحنُ ' زهرةُ الميجونيت و الربيع الملون.' "
أنت تقرأ
زهرةُ باندورا.
Short Storyلِتستقر الحياة على أحدهم أن يقطعَ ساق السّنا في قلبهِ ويضحيّ للأخرينِ بحياتهِ، كما فعل بروميثيوس.