أهتزّ المكان، سقطتْ قذيفةٌ على أحدِ المنازلِ، جعلتْ عاليها سافلها، و بقيتْ جثثُ ساكنيها تحتَ رُكامها، نجى القليل، لكن بجروحٍ بليغة.
كان هناك طفلٌ صغيرٌ ذو 8 أعوام يقفُ على مقربٍة من الأنفجار، لازالَ في حالةِ اللاوعي التي أفقدتْه الشعورَ بما حوله، طنينٌ مزعجٌ طويل يصّمُ سمعهُ عن ندائاتِ أختهُ الكبرى، و هي تهزُّ بجسده النحيل من أكتافهِ الهزيلة ، لم ينفع صراخها في إثارة إنتباهه و أستعادة وعيه ، حاجزٌ من الضياع قد أبتلعه و حبسهُ في عالم اللاشعور منعه من الرد على أخته التي يرى الخوف و الجزع في عينيها ، و آلسنةُ اللهب تتراقصُ خلفها رقصةَ الموتِ الشنيعة ، حتى صدحَ أخيراً صوتُ إميلي منادية :
_ لــيــو !!!!!
توالت الجموعُ الخائفة تهربُ بنفسها ، متناسية كل ماهو ثمين داخلَ دورها ، فلا ثمين الان سوى النجاة من أمطارِ النار التي بدأتْ تُرسلُ وابلها غضباً من السماء .
تراجفت الامُ ليزلي على منْ أندثرَتْ بقاياهُ تحت رُكام منزلهم المتحطم ، الأبُ أندريا حُصِرَ بالنار التي ألتهمتْ محيط المنزل حينما كان يحاول الصغيرة روز لينقذها كما فعل مع أخويها ، و لكن السقف المتهاوي فوق رؤوسهم كان الأسرع في قبض أرواحهم قبل أن تستلذ النار بصرخاتهم قبل الموت.أستغاثت ليزلي و صرخت و نادت ، ألا من مجيب ينقذ أحبائها بعدما عجزت أناملها الضعيفة عن أجترارهم ، لكن الشهامة كانت هي الأخرى تجمع متاعها هاربة ،
فلم يعد لها مكان في قلوب البشر ، فلا عزيز الان سوى الروح و الجسد ، و لا تهم حياة شخص آخر.اندفعتْ الامُ ليزلي نحو أبنها ليو و أبنتها أيميلي ، تحتظنهما بعدما يئستْ من أخراج المتبقون تحت أنقاض منزلهم الخشبي ، سألت ألأم ليزلي أحدهم بجزع و خوف:
_ ما الذي يحدث؟
ردَّ عليها الرجلُ دون أن يتمهل في سرعته حتى:_ يقال أن دلوا ً خشبيا ً قد سُرِق !
شخصٌ مرَّ هارباً يصيحُ بجزع:
_ لقد قامت الحرب ! لقد قامت الحرب!
فسأل ليو أمه ببراءة متعبة:
- ما هي الحرب أمي ؟
نظرت ليزلي و الخوف يملءُ عينيها ، تنظر الى ولديها تارةً و تحول نظرها الى المستقبل المظلم الذي دخل حياتهم عنوة دون أن يقرع باب طمئنينتهم حتى !
أرخت بجسدها ، و هبطت لمستوى صغيريها و قالت و هي تشحذ نفسها بأخر رمق من شجاعتها :
_ هي الكراهية التي غامت فوق قلوب البشر قبل أعينهم ، عزيزا أمكما ، لم يعد هذا المكان منزلنا ، و علينا الهرب مع الأخرين قبل أن يأتي الموت ليشطب أسامينا من هذه الحياة .
أنت تقرأ
حرب الدلو الخشبي
Historical Fictionفائزة بالفئة التاريخية عن فعالية بوابة الابتكار. أحداث خيالية ضمن وقائع حقيقية.. مؤخوذة عن قصة حرب دامت 12 عاما بسبب دلو خشبي مسروق بين مدينتي مودينا و بولونيا الأيطاليتين، و راح ضحية تلك الحرب قرابة الألفين جندي، و تعتبر من أكثر الحروب التي فقدت...