الْمَلِكُــــ الضَّعِيــفُـــ

38 9 17
                                    

في زمن قديم ، و في إحدى الممالك وُجِدَتْ مدينة لا تمد للتحضر بصلة ، أناسها متشددون

متعصبون لا يتقبلون التغير والتغيير ، كان فيها حكم للقوي على الضعيف ، الظلم سائد ،

لم يكن هناك أفواه لتنطق أو تحكم بل السيوف هي من تجدها بالمرصاد لتحكم ، العداوة

والأنانية والبغضاء هي مفاهيمهم ... وإن وجد من يتفوه بكلمة حق أو اعتراض فإنه بمجرد

التفكير بالأمر يجد نفسه ملاقيا حتفه ، ومرت السنين والدهور وهذه المدينة على حالها .

شاء القدر و ولدت فتاة تدعى روزي ، كبرت وترعرعت في كنف جدها المسن علمها كيف

تحب نفسها وبالتالي تعرف كيف تحب الآخرين لتحصل على سلام داخلي اتجاه نفسها ،

علمها كيف تشعر بمن هم حولها ، كانت قاعدته التي شاركها بها هي " أينما يوجد كراهية

يوجد حب " .

كبرت تلك الفتاة ووجدت جدها قد لاقى منيّته ، فأيقنت أنه لا يوجد مَن يحميها ، و مَن يزرع

فيها أكثر، و مَن يلاقيها في وقت الشدة ، و مَن يكون عونها ومعينها في ظل وجود وحوشًا كاللذين

في مدينتها .

في وقتها قررت أن تتخذ قرارًا مصيريًّا وأن تصنع مستقبلًا مشرقًا مضيئًا يختلف عمّا هم

فيه الآن وأنها لن تبقى ساكنة ؛ لأنها إن بقت ساكنة ستحيا و تموت كأولئك اللذين كانوا

قادرين على التّغير ، لكنّ خوفهم منعهم ولم يحركوا ساكنًا ، لذا بدأت تبحث عن الأطفال

الصّغار لتثقيفهم و تفسير كل ما يبدو عميقًا لهم ؛ لأنهم قادة المستقبل ، و لأنها تريد أن

تريح ضميرها ا لذي أيقظه الظلام ا لذي في مدينتها .

مرت الأ يام و الأسابيع و ظلت روزي تعلم الأطفال فكان لديها مؤيّدون يساعدونها . عندما

علم سكان مدينتها بالأمر ، قرروا نفيها و التخلص منها حتى لا تؤ ثر على أفكارهم و

معتقداتهم التي يعيشون على أساسها .

نُفيت روزي من مدينتها ، فقررت أن تذهب إلى عاصمة المملكة ، مكان التحضر و الثقافة ،

مكان العز و الترف ، مكان تجد فيه القصور الكبيرة ، و متاجر و أسواق فاخرة .

عاشت روزي في عاصمة المملكة محافظة على أفكارها و معتقداتها الإيجابية ، دون أن

تشعر بالعزلة و الحصار ، عاشت بين الكتب و الأقلام ، و التقت برجل في مكتبة كان

شاحبًا غامضًا ، قليل الكلام لا تبدو عليه علامات الثقافة و التحضر ، لكنه كان مثلها ، يحب

نفسه و يحب الآخرين و يحب مساعدتهم ، وكان يقول لها كلمات تأسر عقلها ، فتبقى

تحاول تفسيرها و معرفة مغزاها لأيام .

و ثقت روزي بهذا الرجل فكانت تشكي له كل ما يزعجها في مدينتها ، و تخبره عن حقدها

على ملكها و عن كل ما تكرهه في الملك قائلة : " لو كان ملكنا صالحا يهتم برعيته لكان

أوقف تخلف المدينة ا لتي كنت أعيش فيها ، لو كان كما يعتقده الناس لكان حسّن أوضاع

مدن مملكته ، لكنه ضعيف ، أنا حقَّا أشفق عليه . " و كانت تروي له حكايات جدها ، و

كان الرجل يستمع ويروي عليها ما يعرف.

في يوم من الأ يام ذهبت روزي إلى المكتبة لتلتقي بالرجل لكنها لم تجده فيها ، فبحثت عنه في

كل أرجاء العاصمة لكنها لم تجده ، فحزنت حزنًا شديدًا لأ نها أضاعت مؤ يدها ، و مرت

الأ يام و بقيت روزي تذهب إلى المكتبة ا لتي اعتادت الذهاب إليها على أمل لقاء الرجل

الغامض ، وكالعادة تعود عابسة الوجه خائبة.

في يوم من الأ يام خرج الملك مع موكبه الضخم احتفالًا بذكرى اعتلائه العرش ، وكانت

روزي وسط ازدحام الحشود الممتلئة والأصوات العالية وهي تفكر بمدينتها الصغيرة وكم

أنها تشعر بأ نها نقطة في محيط وأن محاولاتها كانت بلا فائدة ، لكن سرعان ما تذ كرت

كلمات جدها الد افئة عاد إليها الأمل . وبينما هي شاردة الذهن وإذ بحراس الملك يطلبون

منها أن تتحرك بعيدًا عن الموكب القادم ،  ما إن تحركت قليلًا وإذ بها ترى الملك جالسًا

على عرشه ، فصرخت بأعلى صوتها : " أنت الملام !! " لكن لم يسمعها أحد إلا الملك

كان قد سمعها ، فظهرت على وجهه علامات الحزن واليأس ، وكأنه يريد الهروب من

موكبه ، فرأت روزي في وجهه تلك العلامات .

في اليوم التالي أتى رجلين إلى روزي  و اصطحباها إلى مكان ما  فسألتهما  : " إلى أين

تأخذانني ؟؟! " لكنهما لم يجيباها بأي كلمة ، وفي منتصف الطريق رأت رجلًا شاحبًا

يقف ويقول للرجلين : " اذهبا ... شكرا لكما . " فعادت بها ذكرياتها إلى ذاك الرجل

الغامض قليل الكلام ، و ظهرت علامات الاستفهام على وجهها . فهز رأسه وقال : " إ نه

أنا .. أنا الملك الذي كان مجهولًا بالنسبة لك .. أنا مَن تسبب في عنائك وعناء الكثيرين

...أنا الملك الذي اردتِ لقاءَه .. أنا الملك الضعيف !!

فقالت له : " جلالتك أو ممَّن كنتَ ... إن كانت التربة غير صالحة للزراعة فإننا لن نرى

كل هذه النباتات عليها ... بل سنرى صحراء قاحلة جافة ... لكننا نستطيع تحويلها إلى جنة

...  فالأساس يقرر الأساس ... ابحث عن نفسك وأحبها ستدرك حينها كيف تحب مملكتك ."

الْمًلِكُــــ  الضَّعِيــفُـــحيث تعيش القصص. اكتشف الآن